كفى ذرائع: السنة الجديدة تتطلب من الحكومة اتخاذ قرارات صعبة
تاريخ المقال
المصدر
- صحيح أننا ودّعنا سنة 2021، تحت الظل الثقيل لمتحور أوميكرون، لكن يجب ألّا ننسى أننا لم نواجه معاناة جرّاء الإغلاق والقلق خلال السنة الماضية، بل أيضاً حدثت أمور إيجابية بشأن القدرة على مواجهة الكورونا على الصعيدين السياسي والاقتصادي. مع ذلك، تبدأ سنة 2022 في ظل واقع تكتنفه تساؤلات مقلقة تتعلق بالكورونا، وبقضايا مركزية أُخرى لها علاقة بالأمن القومي.
- على الصعيد السياسي، بعد سلسلة انتخابات منهكة، شُكّلت في سنة 2021 حكومة جديدة أنهت الفوضى السياسية، ولأول مرة منذ سنة 2018، تُقَر ميزانية الدولة. فيما يتعلق بالكورونا خلال السنة الماضية، أصبح لدينا حصانة وتزودنا بقواعد سلوك وتجربة في استخدام منظومات معقدة سمحت بالتغلب على الموجة الثالثة والرابعة بنجاح نسبي. على الصعيد الاقتصادي، نجا الاقتصاد، في أغلبيته، من أزمة الكورونا، مع نمو مدهش بلغ 7%، وعجز مالي أقل من المتوقع، وتراجُع كبير في البطالة، واستمرار التقدم السريع لقطاع التكنولوجيا المتقدمة الهاي-تك. على صعيد الأمن القومي، تطوران مركزيان تركا فجوة عميقة، هما تبدُّل الإدارة الأميركية الذي أدى إلى تحول حيال إيران، وعملية "حارس الأسوار" التي أدت إلى بروز مثلث غزة والحرم القدسي والعرب في إسرائيل.
- سنة 2022 لن تمنحنا أيام سماح كثيرة، وتطرح علينا سلسلة من التحديات المعقدة: على الصعيد السياسي، الاختبار الكبير هو الاستقرار، أي هل ستنجح الحكومة في الاستمرار في العمل بنجاعة، على الرغم من التوتر البنيوي في تركيبتها؟ فيما يتعلق بالكورونا، السؤال هو هل سنعرف كيف نطور أنماط سلوك تسمح بالعمل بنجاعة أفضل، حتى لو استوطن المتحور وتفشّى من حين إلى آخر؟ على الصعيد الاقتصادي-الاجتماعي، التحدي المركزي هو كيف نحقق نمواً شاملاً يستمر في دفع الاقتصاد قدماً ويوسع دائرة السكان الذين يستفيدون منه.
- على صعيد الأمن القومي، القضيتان المركزيتان اللتان تثيران قلقاً، هما بالطبع إيران والساحة الفلسطينية: الفجوة الكبيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة حيال المحادثات في فيينا بشأن الاتفاق النووي لا تترك لنا مجالاً سوى التوظيف في زيادة القدرات، وفي المحافظة على حرية التحرك في مواجهة إيران، مع السعي للتنسيق الصامت مع الولايات المتحدة. في الساحة الفلسطينية، السلطة الفلسطينية تستمر في الضعف في مقابل ازدياد قوة "حماس" وتصاعُد الأعمال المخلّة بالنظام، واليوم التالي لأبو مازن يقترب من دون ظهور بديل معقول. في مواجهة غزة، هناك عدد من التطورات الإيجابية – ازدياد التدخل المصري في اتصالات التهدئة، إعطاء أذونات للعمل في إسرائيل لعدد كبير من العمال الفلسطينيين-لكن الوضع يبقى حساساً للغاية لأن ساعة السنوار تسير بوتيرة مختلفة جداً عن ساعة إسرائيل.
- بالإضافة إلى هذه التحديات، السؤال الكبير الذي يحوم فوق إسرائيل في سنة 2022، هل سننجح في الانتقال من المراوحة إلى المبادرة، ومن التمسك بالوضع القائم إلى كسره بصورة توافقية، ومن العلاج التجميلي لمشكلات عميقة أُهمِلت فترة طويلة حتى بلغت أحجاماً غير محتملة، إلى مواجهة شجاعة لها؟ والسؤال يمس كل القطاعات: قطاع السكن والأسعار التي تواصل ارتفاعها، وتضاعفت منذ التحرك الاحتجاجي في سنة 2011؛ المواصلات، إذ تحولت زحمة السير إلى مشكلة تهدد بالشلل العام وعدم القدرة على الانتقال من مكان إلى آخر؛ في التعليم، إذ يزداد الاكتظاظ في الصفوف، والمعلومات والمؤهلات والمعرفة التي تقدَّم إلى التلامذة ليست قريبة مما هو مطلوب في القرن الحادي والعشرين؛ الجريمة في المجتمع العربي وغياب الدولة في الجنوب وصلا إلى أحجام غير مسبوقة؛ ازدياد عدم الثقة بمؤسسات الحكم، والتدهور في أداء وخطاب المنظومة السياسية.
- فيما يتعلق بالأمن القومي، نحن عالقون داخل نموذج مرّ عليه الزمن، ونعمل اليوم وفق تكتيكات صغيرة، ونمتنع باستمرار من بحث القضايا في العمق، وبانفتاح وشجاعة. وبينما يزداد، يومياً، احتمال اندلاع العنف في غزة والقدس أو في الضفة الغربية، فإن الخطاب العام عندنا مشغول بأمور تافهة. كل شيء متصل ببعضه البعض: تدهور مفاجئ في إحدى الجبهات يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من الردود على جميع المستويات، من المستوى الأمني إلى الاقتصادي وبالعكس، ومن السياسي إلى الاجتماعي.
- سنة 2022 لن تعفينا من الحاجة إلى تغيير جوهري. قد يكون هناك مَن يقول "حسناً، لكن هذه الحكومة لديها مجال ضيق جداً للمناورة"، و"صحيح، لكن ليس كل شيء يتعلق بنا"، و"لكن لا نستطيع معالجة كل شيء في آن معاً". كل هذا لا ينفع، شئنا أم أبينا، لقد آن أوان الحسم....