الحكومة الإسرائيلية الحالية تواصل انتهاج الخط السياسي الذي انتهجه نتنياهو حيال الفلسطينيين
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

 

  • يمكن القول، من دون خشية الوقوع في المبالغة، إن إسرائيل هجرت أملها بالسلام مع الفلسطينيين منذ زمن طويل، لكنها في الوقت عينه تواصل صيانة منظومة علاقات مركّبة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من جهة، ومع حركة "حماس" في قطاع غزة من جهة أُخرى. وتقوم هذه العلاقات على أساس مبدأ العصا والجزرة، والمال والقوة، والأمن والاقتصاد. وبالتوازي، يسعى المتطرفون في الجانبين لرفع مستوى لهيب النزاع الدموي، في محاولة لكسب النقاط.
  • إن الإرهاب الفلسطيني ما زال مستمراً، وثمة عنف في الجانب الإسرائيلي أيضاً. وكان وزير الأمن الداخلي عوفر بار ليف محقاً، فعنف المستوطنين في المناطق [المحتلة] هو ظاهرة قومية متطرفة قاسية ومستفزة، تقوّض سلطة القانون، وموبوءة بالعنصرية.
  • منذ 30 عاماً، تقيم إسرائيل حواراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً مركّباً مع السلطة الفلسطينية لم يتوقف حتى عندما تبيّن أنه لا توجد قدرة ولا حتى استعداد لتحقيق اتفاقات أوسلو. وفي العقد الأخير، تُجري حكومات إسرائيل حواراً غير مباشر مع حركة "حماس" في قطاع غزة أيضاً. لم تنشأ لدى الطرفين زعامة شجاعة تبعث على الثقة والإلهام، بحيث يمكنها قيادة مسيرة تُنهي النزاع. ولا يوجد مَن يمكن الحديث معه، لا هنا ولا هناك، على الرغم من أن الفلسطينيين لن يختفوا، والزمن لن يجعلهم محبين لصهيون.
  • إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تجمع بين الكثير من المتناقضات من حزبيْ راعم [القائمة العربية الموحدة] وميرتس من اليسار، وحتى حزبيْ "يمينا" و"أمل جديد" من اليمين، وعدت بتغيير حُكم بنيامين نتنياهو كي تعيد إسرائيل إلى الحياة الطبيعية، لكنها تواصل انتهاج الخط السياسي ذاته حيال الفلسطينيين. إن محاولة التركيز على مواجهة فيروس كورونا، وعلى التهديد الإيراني، وعلى مواضيع أُخرى ليست موضع خلاف، محكومة بالفشل. لا يمكن لأي حكومة في إسرائيل أن تقصر اعتمادها على قوة الجيش العسكرية، وتتجاهل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. والمعارضة العنيدة للعودة إلى طاولة المفاوضات تعقّد الأمور وتعمّق النزاع في الحاضر، وتصعّب حلّه في المستقبل.
  • على هذه الخلفية، وبعد أعوام من القطيعة بين الطرفين، التقى وزير الدفاع بني غانتس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله قبل بضعة أشهر. وفي الأسبوع الماضي جرت زيارة مجاملة من طرف عباس إلى بيت غانتس في روش هعاين [رأس العين] تبادل الرجلان خلالها الهدايا فيما بينهما.
  • يمكن القول إن غانتس يدير جدول أعمال سياسياً أمنياً يخرج عن الخط اليميني لرئيس الحكومة [نفتالي بينت]، وعن فقر الدم السياسي لوزير الخارجية [يائير لبيد]. صحيح أن بينت اطّلع على اللقاء، وربما صادق عليه، لكنه سكب عليه ماء بارداً، وأعلن أن عباس ليس شريكاً، وأنه لا احتمال لحدوث اختراق مع مَن يرفع الدعاوى ضد جنود الجيش الإسرائيلي في محكمة لاهاي الدولية. باختصار، بينت لا يعتزم التجريب. كما أن لبيد قلّل، هو الآخر، من أهمية اللقاء، وأعلن أنه ما من شيء يدعوه إلى لقاء عباس في المدى المنظور، إلّا إذا كان ثمة مبرر سياسي.
  • في إثر اللقاء، تعرّض وزير الدفاع لـ "نيران صديقة" في الائتلاف من طرف أولئك الذين يسعون للاحتفاظ بالقاعدة في اليمين، ولهجوم غرائزي من المعارضة، لكنه لم يرضخ للنقد. وقال أموراً صحيحة تلزم كل زعيم إسرائيلي، فحواها أن المسؤول عن إرسال الجنود إلى المعركة مسؤول أيضاً عن منع الحرب.
  • إن وزير الدفاع يحسن صوغ المعادلة: العلاقات الطيبة مع القيادة الفلسطينية تعدّ مصلحة إسرائيلية صرفة لا تقل عن كونها حاجة للفلسطينيين. في المقابل، إن إعلانات بينت ولبيد تحبط احتمال الحوار ولا تخلق مناخاً وأفقاً سياسياً. ويبدو أن سبب ذلك سياسي، كما يمكن أن نفهم من تلميح غانتس إلى أنهما يتحدثان في الغرف المغلقة بصورة مختلفة. للأسف الشديد، تتحدث حكومة إسرائيل بصوتين، غير أن صوت غانتس هو صوت الراشد المسؤول.