هل حانت ساعة الحقيقة لكيفية التصرف إزاء "حماس"؟
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- منذ عملية "حارس الأسوار" في أيار/مايو 2021، تواصل إسرائيل، بمساعدة الوساطة المصرية، محاولاتها للتوصل إلى اتفاق تسوية مهمة مع "حماس". وقد أعلنت الزعامة الإسرائيلية في أكثر من مناسبة، بعد عملية "حارس الأسوار"، أن "ما كان سابقاً لن يستمر"، وحرصت على التشديد على أن أي تسوية في قطاع غزة يجب أن تشمل استعادة جثمانيْ الجنديين أورون شاؤول وهدار غولدمان، وإعادة الأسيرين المدنيين اللذين تحتفظ بهما "حماس". كما سُمع كلام آخر ضعيف بشأن وقف عملية تعاظُم القوة العسكرية للحركة. في المقابل، شددت"حماس" على أنها تميز، بوضوح، بين اتفاق تسوية يتضمن إعادة إعمار القطاع وتحسين الوضع الإنساني في المنطقة، وبين المفاوضات بشأن استعادة الجثمانين والمدنيَّيْن. كما أوضحت الحركة أنها لا تنوي قط البحث في مسائل لها علاقة ببناء قوتها العسكرية؛ وعملياً، منذ انتهاء عملية "حارس الأسوار"، هي توظف جهداً كبيراً في تجديد مخزونها وإعادة بناء بنيتها العسكرية التحتية، وتطوير وسائل عسكرية-صواريخ دقيقة وثقيلة، ومسيّرات، وكذلك قوة بحرية.
- في الأيام الأخيرة احتفلت "حماس" بمرور 24 عاماً على تأسيسها، من خلال مسيرات جماهيرية في قطاع غزة وخارجه، أطلق خلالها زعماء الحركة في القطاع تهديدات متكررة، ووجهوا إنذاراً واضحاً إلى إسرائيل بأن الحركة تنوي التصعيد في نهاية كانون الأول/ديسمبر، إذا لم يحدث تقدّم ملموس نحو التسوية، وفق الشروط التي وضعتها الحركة.
- في المقابل، ترفع "حماس" رأسها في الضفة الغربية وتتحرك بصورة استفزازية حيال السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من منع رفع أعلام "حماس"، فإنه سُجّلت مسيرات قام بها مسلحون من نشطاء "حماس" في جنين ومدن أُخرى في الضفة، وكذلك حوادث عنف قامت بها خلايا طلابية تابعة لها في حرم جامعتيْ بير زيت والنجاح، حيث ارتدوا زي الحركة ورفعوا أعلامها.
- شكّل قرار "حماس" إطلاق صواريخ نحو القدس في 10 أيار/مايو 2021، والذي أدى إلى عملية "حارس الأسوار"، تغييراً في استراتيجية عمل زعامة الحركة التي قررت الخروج عن قواعد اللعبة حيال إسرائيل؛ وجعل "حماس" في موقع المُدافع عن القدس، وعن الفلسطينيين في القدس، وعن الأماكن المقدسة؛ وإحراج السلطة الفلسطينية وزعزعة مكانتها واستقرارها- وترسيخ موقعها كبديل من "فتح" والسلطة الفلسطينية. جرت عملية "حارس الأسوار" على مستويين متوازيين: بينما ركزت "حماس" على البعد الذي يتعلق بالوعي، وكانت المعركة الحركية (الصواريخ) وسيلة لترسيخ مكانتها كقائدة للنضال الفلسطيني في وعي الجمهور الفلسطيني والإسرائيلي في آن معاً؛ ركز الجيش الإسرائيلي على البعد الحركي وعلى الإنجازات المتعلقة بالأهداف العسكرية التي دُمرت، وعدد نشطاء "حماس" الذين أصيبوا، ومن خلال تمجيد قدراته العملانية والاستخباراتية.
- وفي الواقع، إن التغيير في استراتيجية عمل "حماس" كان أوسع بكثير. زعامة "حماس" في قطاع غزة، التي كانت تركز حتى ذلك الحين على قضايا القطاع ولم تُظهر اهتماماً خاصاً بالضفة الغربية، قررت تحويل الضفة إلى رافعة للدفع قدماً بأهدافها في القطاع وتعزيز مكانتها وزعامتها عموماً. وهكذا ارتفع حجم التدخل فيما يجري في الضفة الغربية، وانتهجت زعامة الحركة في غزة مع صالح العاروري، المسؤول عن الضفة الغربية في قيادة "حماس"، "استراتيجية المقاومة المزدوجة" )"Dual Resistance Strategy")، ومعناها السعي للمحافظة على هدوء أمني في قطاع غزة، إلى جانب مسعى مكثف لتأسيس شبكة في الضفة الغربية للقيام بأعمال إرهابية ضد إسرائيليين في أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفي إسرائيل... بالإضافة إلى هذه الجهود، تعمل الحركة، بمساعدة وبتوجيه إيراني، وبالتنسيق مع حزب الله، على تطوير شبكة عسكرية أيضاً في الجنوب اللبناني. كما تعمل على تأجيج الوضع في القدس الشرقية وتحاول إقامة قنوات اتصال بالمواطنين العرب في إسرائيل.
- هدف "حماس" في إطار استراتيجية المقاومة المزدوجة هو التوصل إلى اتفاق تسوية في قطاع غزة، يشمل رفع الحصار ويسمح بإعادة إعمار غزة وتحسين الوضع الإنساني. وستتيح عملية إعادة الإعمار للحركة تعزيز شرعيتها الجماهيرية والسياسية في القطاع وخارجه، وترسيخ مكانتها كقائدة للنضال الوطني الفلسطيني بصورة أنجح من السلطة الفلسطينية و"فتح". كما تهدف التسوية إلى السماح لـ"حماس" بتعزيز بنيتها التحتية قبيل جولة المواجهة المقبلة مع الجيش الإسرائيلي...
- تتجلى مظاهر تعاظُم القوة العسكرية لـ"حماس" في الضفة الغربية في الارتفاع البارز في الاعتقالات التي تقوم بها القوات الأمنية الإسرائيلية، وفي كشف وإحباط العديد من الشبكات الإرهابية والهجمات. وتشير الأرقام إلى اعتقالات يومية وإحباط عدد كبير من عمليات رشق الحجارة والزجاجات الحارقة وهجمات الطعن والدهس. ثمة دليل آخر على إصرار "حماس"، هو ضعف الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مواجهة عمليات "حماس". في عدد من الحالات، تمتنع القوى الأمنية الفلسطينية من الدخول في مواجهة مباشرة مع نشطاء "حماس"، حتى إذا كانوا مسلحين ويتحركون بصورة علنية ضد السلطة الفلسطينية، كما يحدث في جنين أو في حرم الجامعات. في حالات أُخرى، حققت القوى الأمنية نجاحاً محدوداً، لكنها تتعرض لانتقادات شعبية متزايدة، ويبرز تآكل في تأييدها وفي شرعيتها.
- بناءً على ذلك، منذ عملية "حارس الأسوار"، يبدو أن الكلام الإسرائيلي "ما كان قبل حارس الأسوار لن يكون بعدها" صحيح، لكن ليس بالطريقة التي أمِلت بها الزعامة الإسرائيلية. فالوضع الاستراتيجي لـ"حماس"، بعد جولة المواجهة، هو أفضل بكثير مما كان قبلها. فقد خففت إسرائيل حصارها الأمني على القطاع كما لم تفعل منذ استيلاء "حماس" على السلطة في قطاع غزة. وبالإضافة إلى إعطاء 10 آلاف إذن للعمال في غزة للعمل في إسرائيل، قُدمت أيضاً تسهيلات في تصدير السلع ودخول المواد المزدوجة الاستخدام إلى غزة. مصر أيضاً خففت بصورة كبيرة القيود على معبر رفح، وبدأت بتنفيذ عدد من المشاريع لإعادة بناء غزة، من خلال إدخال مواد بناء غير مراقبة إلى المنطقة. علاوة على ذلك، بعد العملية لم تتحسن فقط الظروف الإنسانية في القطاع، بل أصبحت "حماس" أكثر قوة في الساحة الفلسطينية من الناحية السياسية، وفي كل ما له علاقة بشبكاتها العسكرية خارج قطاع غزة، بما في ذلك في الجنوب اللبناني، وفي الأساس أصبحت أكثر ثقة بنفسها. وذلك على الرغم من الإحساس بتشديد الحصار على غزة بعد الانتهاء، مؤخراً، من بناء العائق الأمني الذي أقامته إسرائيل على الحدود مع القطاع.
- يجب التعامل بجدية مع الإنذارات التي يوجهها زعماء "حماس" في غزة، لأنها تكشف الواقع بوضوح، وكيف يريدون الدفع قدماً بالأهداف الاستراتيجية للحركة. في هذه الأثناء، كل تحسن وإنجاز لـ"حماس" هو خسارة للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يزيد في تآكل فعالية عملها في مناطق الضفة الغربية، ويقود إلى زيادة الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي وبين السكان المدنيين وتفشّي العنف على نطاق واسع.
- لقد نجحت إسرائيل في إعادة الهدوء الأمني إلى قطاع غزة بعد عملية "حارس الأسوار"، لكن ثمن الهدوء بمصطلحات استراتيجية أكبر بكثير من الثمن الذي تستعد إسرائيل لدفعه.
- "حماس" التي طورت قدرات عسكرية مثيرة للقلق ومصرّة على تطوير شبكات عسكرية في الضفة الغربية وفي الجنوب اللبناني، بالإضافة إلى مسعاها السياسي حيال المواطنين العرب في إسرائيل وتوثيق تعاونها مع إيران، تحولت إلى العدو الأخطر، عموماً، في أي معركة على جبهة أُخرى غير الساحة الجنوبية، أو في المواجهة مع إيران، خصوصاً.
- هذا هو الوقت الذي يتعين على إسرائيل إعادة درس خطواتها حيال "حماس". كما يتعين عليها تقويض استراتيجيا "حماس" في المقاومة المزدوجة والقضاء عليها، وأن توضح لها أن أي عملية إرهابية في الضفة الغربية أو في الجنوب اللبناني هي مثل عملية إرهابية في قطاع غزة، والمسؤولية ستتحملها زعامة "حماس" في القطاع، التي ما عادت تخفي تدخّلها في ساحات خارج ساحة القطاع. يجب على إسرائيل أن تأخذ المبادرة في التوقيت الذي يناسبها، وليس التوقيت الذي تفرضه عليها "حماس"، لتوجيه ضربة قاسية إلى البنى العسكرية للحركة في كل ساحات عملها-حتى لو كان الثمن المسّ بفرص التوصل إلى تسوية. الامتناع من ذلك يمكن أن يبدو كبديل سيئ وأخطر بكثير من عدم وجود تسوية.