اعتداءات وتخريب: هكذا تبدو "الظاهرة الهامشية" لعنف المستوطنين في الضفة الغربية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- أمس وصف رئيس الحكومة نفتالي بينت عنف المستوطنين في الضفة الغربية بأنه "ظاهرة هامشية"، لكن أرقام المؤسسة الأمنية والحديث مع منظمات فلسطينية يُظهران أن أحجام الهجمات توسعت وارتفعت. جاء كلام بينت على خلفية الجدل العام والسياسي الذي أثاره وزير الأمن الداخلي عومر بارليف، عندما دان عنف المستوطنين في حديث له مع مسؤولة رفيعة المستوى في إدارة بايدن.
- تُظهر أرقام المؤسسة الأمنية أنه في سنة 2021 سُجلت 135 عملية رشق حجارة على الفلسطينيين مقارنة بـ90 حادثة في سنة 2019، و250 حادثة عنف أُخرى مقابل 100 في سنة 2019، كما طرأ ارتفاع على عمليات العنف ضد القوى الأمنية، من 50 حادثة في سنة 2019 إلى 60 في السنة الأخيرة. منظمة "يش دين" [يوجد حساب]، التي تسجل حوادث العنف في الضفة، سجلت في الأعوام الثلاثة الأخيرة 540 حادثة عنف قام بها المستوطنون، فقط في 238 حادثة اختار الفلسطينيون التقدم بشكوى إلى الشرطة، بمساعدة المنظمة. ومن مجموع الشكاوى التي قُدمت، صدرت فقط 12 لائحة اتهام، وهذه فقط الحوادث التي وثّقتها منظمة "يش دين".
- أمّا منظمة بتسيلم، التي تجمع هي أيضاً الأرقام، فتقول إنها لاحظت ارتفاعاً يقدَّر بـ28% في حوادث عنف المستوطنين مقارنة بالعام الماضي (192 مقابل 247). صحيفة "هآرتس" سألت الشرطة عن عدد الملفات التي فُتحت بشأن حوادث عنف قومي في سنة 2021، لكن الشرطة رفضت إعطاء الرقم، وطلبت من الصحيفة تقديم طلب للحصول على حرية المعلومات.
- يقول مصعب صوفان، من قرية بورين، إن المستوطنين يرشقون منزله بالحجارة منذ بداية سنة 2000، وبعد مرور عامين انخفض خلالها عدد الهجمات، تدهور الوضع مجدداً في الأشهر الأخيرة. "هم يحطمون زجاج نوافذنا وألواح الطاقة الشمسية، وفي الماضي قتلوا أغنامنا، ويحاولون طردنا". يقول صوفان إن في كل هجوم يشارك نحو 20-30 مستوطناً تقريباً. وفي رأيه، يؤثر العنف في الأولاد والنساء بصورة خاصة. وقبل عدة أشهر، لاحظت عائلته نصب خيمة للمستوطنين بالقرب من المنزل، ومنها جاء الهجوم الأخير: "في كل مرة نتصل بالشرطة التي تأتي وتذهب من دون أن يحدث شيء".
- كثيرون من الفلسطينيين الذين تحدثت معهم "هآرتس" قالوا إنهم توقفوا عن تقديم شكوى إلى الشرطة لأن هذا لا يفيد. منظمة "يش دين" بدأت بتوثيق الأسباب التي تدفع الفلسطينيين إلى عدم تقديم شكاوى ضمن إطار مشروع " لن نشتكي". وفي إطار البحث الذي أجراه طاقم المشروع خلال الفترة 2019-2021، جُمعت 416 شكوى تقدّم بها الفلسطينيون إلى المنظمة. 43% من هؤلاء قالوا إنهم غير مهتمين بالتقدم بشكوى إلى الشرطة، وعندما سئلوا عن السبب، أعرب 51% منهم عن عدم ثقتهم بالسلطات الإسرائيلية، و20% عبّروا عن خوفهم من الانتقام، أو من خسارة أذونات العمل، و22% لم يذكروا السبب. وقال آخرون إنهم يئسوا من تقديم شكوى، أو أنهم موظفون في السلطة الفلسطينية، ولذلك لا يستطيعون تقديم شكوى في إسرائيل.
- بالاستناد إلى مديرة قسم الأبحاث في "يش دين" زيف شطهل، لاحظت المنظمة في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً في عدد حوادث العنف، وفي خطورتها، بالإضافة إلى تراجُع واضح في استعداد الفلسطينيين لتقديم شكوى إلى الشرطة. وقالت "كما هو معروف، عنف المستوطنين ليس ظاهرة جديدة. ومن الواضح أنه بعد أعوام طويلة من عدم فرض القانون بصورة فعالة ضد المجرمين والدعم الخفي من جانب سلطات الدولة، ازدادت هذه الظاهرة قوة، وأصبح المشاغبون أكثر جرأة، وزادوا في وتيرة اعتداءاتهم وضررها"...
- التقرير الذي نشرته منظمة "السلام الآن" مؤخراً فحص أماكن الحوادث التي تحدثت عنها "يش دين" من سنة 2012 وحتى تموز/يوليو 2021. وبحسب التقرير، 63% من الحوادث وقعت بالقرب من بؤر استيطانية غير قانونية. وأكد مصدر أمني في حديث مع "هآرتس" هذا الرقم، وقال إن الارتفاع في الجريمة القومية مرتبط بالبؤر والمزارع الاستيطانية في الضفة الغربية. وأضاف: "في منطقتيْ يتسهار وشيلوه طرأ ارتفاع في معدل الجريمة - سواء من خلال اقتلاع أشجار الزيتون، أو رشق الحجارة على سيارات الفلسطينيين على تقاطع الطرق". هناك منطقة أُخرى شهدت ارتفاعاً في حوادث العنف هي جنوب جبل الخليل الذي شهد في الأعوام الأخيرة بناء عدد من البؤر والمزارع الاستيطانية.
- في أيلول/سبتمبر، ارتُكبت جريمة قومية هي من أخطر الحوادث التي وقعت مؤخراً، إذ وصل عشرات المستوطنين إلى القرية الفلسطينية خربة المفكرة، ورشقوا المنازل بالحجارة، وهو ما تسبب بجرح طفل يبلغ من العمر 3 أشهر، هو محمد حمامده. وعلى الرغم من وجود الجنود في المنطقة وكل الشهادات التي أكدت ضلوع عشرات الإسرائيليين في الحادثة، فإنه لم يصدر حتى اليوم سوى كتابيْ اتهام ضد شابين صغيرين من منطقة جنوب جبل الخليل.
- يعلّق المدير العام لمنظمة بتسيلم على ذلك بالقول: "الكلام عن هذه الحادثة أو تلك يضيّع الصورة الكبيرة، ما يجري هنا هو واقع دائم يهدف إلى تحقيق إنجازات استراتيجية لها علاقة بالسيطرة على أراضٍ فلسطينية. وهذا الأمر تقوم به إسرائيل بوسائل عديدة، جزء منها ممنهج بموافقة المحاكم، وأحياناً بواسطة العنف الذي له نتائج استراتيجية". في التقرير الذي نشرته المنظمة تحت عنوان "عنف الدولة"، جرى فحص كيف يؤدي العنف الذي يُمارَس ضد الفلسطينيين حول البؤر والمزارع الاستيطانية إلى إبعادهم عن أراضيهم وسيطرة البؤر عليها. يقول المدير العام للمنظمة: "يوجد هنا منظر دعائي مريح جداً لإسرائيل. الدولة والمستوطنون يريدون نهب أراضي الفلسطينيين".
- في هذه الأثناء، يدفع وزير الدفاع قدماً بخطة تقضي بدعم الشرطة بعدد من الجنود كي تتمكن من التفرغ للعمل في إقليم الضفة الغربية والاهتمام بمهمات لها علاقة بالجريمة القومية. وقد وُلدت هذه الخطة بعد نقاش أجراه قبل بضعة أشهر وزير الدفاع، ورئيس الأركان، ورئيس الشاباك، والمفوض العام للشرطة الذي قال إن الشرطة تعاني جرّاء نقص في اليد العاملة.