ماذا ينتظر مواطني إسرائيل إن هي هاجمت إيران؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • أصدر وزير الدفاع بني غانتس تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي للاستعداد لأي خيار عسكري حيال إيران. وكان قد بحث مع الإدارة الأميركية في واشنطن مسألة التعاون العسكري. ورصد الجيش خمسة مليارات شيكل من ميزانيته لغرض الاستعداد للخيار العسكري. بقيت مسألة واحدة فقط يجب تسويتها: كيف يتعين على مواطني دولة إسرائيل الاستعداد للخيار العسكري؟ ماذا ينتظرنا حين يخرج الهجوم إلى حيز التنفيذ؟ الجواب ليس مفاجئاً: لسنا مستعدين.
  • المعطى الوحيد الذي يمكن التسلي به هو ذلك الذي نشره إيهود باراك قبل عقد من الزمن، والذي يفيد بأن عدد القتلى سيكون أقل من 500، بينما تقول تقديرات خبراء أبحاث الأداء العسكري الذين عملوا في خدمة الجيش الإسرائيلي إن الثمن سيكون زهيداً - نحو 300 قتيل. وقد بلّغنا هؤلاء أن هذا التقدير يستند إلى عدد الصواريخ التي في حوزة إيران، وقدراتها في مجال إطلاق الصواريخ، والرد الذي يمكن للجيش الإسرائيلي أن يوفره على بعض هذه الصواريخ، ودرجة الدقة غير العالية التي تميزها.
  • في هذه الأثناء، ارتفع عدد الصواريخ التي تستطيع إيران استخدامها. بكم؟ هل ارتفعت درجة دقتها وكمية الدمار التي يمكنها زرعه؟ أين سيكون المئات من ذوي الحظ السيئ الذين سيصابون؟ هل في الضواحي النائية؟ أم في المدن الكبرى؟ ربما كان يجب تحديث الأرقام؟ الحقيقة هي أن هذه الأسئلة تافهة وليست ذات أهمية. فحتى مقابل عدو تتوفر عنه، كما نأمل، معلومات أكثر دقة، مثل حزب الله - كمية الصواريخ التي في حوزته تقدَّر بـ120 حتى 150 ألفاً - إسرائيل ليست مستعدة.
  • من المفترض أن يصاب المواطنون في دولة تنوي شن حرب بحالة من الهلع: أن يسارعوا إلى تفحُّص ملاجئهم، سلامتها وجاهزيتها، وإعادة فحص الكمامات الواقية من الغازات السامة، وإفراغ رفوف الحوانيت، وشراء تذاكر طيران إلى أي مكان في العالم، حتى لو إلى دول حمراء موبوءة بجائحة كورونا. وكان من المفترض أن تُجري حكومة تلك الدولة، التي تستعد لشن حرب، بعض التدريبات الواسعة على مستوى الدولة لإخلاء المواطنين في حالات الضرورة؛ كان من المفترض إلزام المستشفيات بالاستعداد لاستيعاب أعداد كبيرة من المصابين؛ وكان من المفترض تدريب الطلاب في المدارس على الخروج المنظم والسريع إلى الملاجئ؛ وكان من المفترض إعداد مواد إعلامية للبث في التلفزيونات تشرح للناس أين يمكنهم التجمع، ماذا عليهم أن يفعلوا وكيف يمكنهم الاختباء والاحتماء.
  • لكن الغريب إلى حد الجنون هو أن شيئاً من هذا كله لم يحدث. وعليه، فإن أحد الاحتمالين التاليين هو الصحيح: إمّا أن الحكومة لا تقصد حقاً هذه التهديدات التي تطلقها، ولذا، فليس ثمة خطر من أن ترد إيران على هجوم إسرائيلي ضدها، لأن هذا الهجوم لن يحدث؛ وإمّا أن الحكومة تعتقد أن الدفاع عن الدولة إزاء التهديد الإيراني لا يجب أن يشمل الدفاع عن مواطنيها وسلامتهم؛ أيضاً، من المتوقع أن يكون المواطنون الإسرائيليون، في المحصلة، مجرد ضرر ثانوي فقط؛ إذ ما معنى وقيمة 300، أو 500، أو 5000 قتيل؟ لأن الوطن أهم من جميع مواطنيه.
  • إذا ما أغلقنا زاوية عدد القتلى بادعاء أننا لا نصدق هذه التقديرات، لأن لا أرقام يمكن الاعتماد عليها حقاً، فسيكون السؤال التالي هو: كم من الوقت ستستمر هذه الحرب؟ نحن نرسم في خيالنا الوردي حالة ترسل فيها إسرائيل عدداً من أسراب الطائرات إلى إيران، تقصف وتفجّر المنشآت النووية فيها، وتتكبد عدداً من القتلى، وينتهي الموضوع خلال بضعة أيام. ولكن، ماذا لو قررت إيران الاستمرار في إطلاق الصواريخ، واستخدام صواريخ حزب الله، وتعطيل الملاحة البحرية في الخليج الفارسي حتى بعد عودة طائرات سلاح الجو الإسرائيلي إلى قواعدها بسلام؟ هل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تحمُّل الأضرار التي سيتكبدها والصمود حيالها؟ هل ستواصل الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب إسرائيل حتى بعد عصيانها، وعلى الرغم منه؟
  • تُعلمنا التجربة أن إسرائيل غير قادرة على خوض حروب طويلة المدى، حتى لو كانت تحظى بتأييد عالمي. حرب الاستنزاف مع إيران، حتى لو لم توقع أعداداً غير محتملة من القتلى بين المواطنين، فإنها تتطلب تمويلاً هائلاً، وهو ما يعني المسّ، بدرجة خطِرة، بجودة الحياة ومستوى الخدمات، إلى جانب فرض ضرائب طوارئ استثنائية. لم تُعرَض على المواطنين في إسرائيل أي خطط اقتصادية توضح حجم الضرر المتوقع في مثل هذا السيناريو. عليهم فقط أن يصدقوا أن التهديد الإيراني حقيقي وجدي. لكن ليس هذا فحسب، بل عليهم أن يثقوا بأن الحكومة مستعدة لجميع السيناريوهات. كما حدث في سيناريو كورونا، مثلاً.