العائق الأمني على حدود القطاع يثبت أن إسرائيل لا تريد احتلال قطاع غزة بل تحصّن نفسها منه
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في الماضي غير البعيد، وقبل بضعة أعوام، عندما كان دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، تخيّل بناء جدار منيع على طول الحدود مع المكسيك، وأرسل ضباطاً أميركيين في مهمة دراسية إلى إسرائيل. في البنتاغون، أرادوا الاستعانة بالخبرة التي راكمتها خلال عملية إقامة الجدار على طول الحدود مع قطاع غزة إذا طُلب منهم تحقيق مشروع رئيسهم الطموح. منذ ذلك الحين، الناخبون الأميركيون استيقظوا وطردوا ترامب من البيت الأبيض، وأيضاً حلم الجدار الذي لم يشهد العالم مثيلاً له من قبل. لكن يوم الثلاثاء أنجزت إسرائيل مشروعها.
  • المشروع الإسرائيلي الأكثر تواضعاً بكثير من المشروع الأميركي بلغت تكلفته قرابة 3 مليارات ونصف المليار شيكل، واستغرق 3 أعوام ونصف العام. وفي ختامه أقيمَ حول القطاع جدار يبلغ طوله 65 كيلومتراً، استُخدم في بنائه 140.000 طن من الحديد والفولاذ. ويبلغ ارتفاع العائق 6 أمتار فوق الأرض، وأقيم جدار ضد الأنفاق تحت الأرض تتحفظ المؤسسة الأمنية عن إعطاء تفصيلات عن عمقه، وهو مزود بأجهزة استشعار وكاميرات. في المدارس العسكرية يعلمون بأن خط التماس يكون دائماً قابلاً للاختراق، لكن الخط الحالي يبدو محصّناً أكثر من محاولات إسرائيل المرتجلة منع التسلل من غزة.
  • يتفوق الجيش الإسرائيلي بصورة واضحة على التنظيمات الفلسطينية في القطاع، لكن أحياناً القوة هي أيضاً نقطة ضعف يستغلها الخصم الأكثر ضعفاً. والتفوق العسكري بالذات جعل إسرائيل أكثر حساسية إزاء الخسائر، وأقل استعداداً للتضحية. منذ الانفصال عن غزة في سنة 2005، انتهجت الحكومات الإسرائيلية خطاً واحداً تقريباً، على الرغم من أن رؤساء الحكومات كانوا غالباً ما يهاجمون أسلافهم ويتهمونهم بالكذب وإظهار الضعف. جميع الحكومات، بغض النظر عن هويتها السياسية، امتنعت بقدر الإمكان من خوض حرب شاملة ضد غزة، وبالتأكيد من القيام بمناورة برية واسعة فيها.
  • بعد مرور 3 أعوام على أكبر عملية عسكرية في غزة، الجرف الصامد في سنة 2014، تحدث رئيس الحكومة، آنذاك، بنيامين نتنياهو بصراحة نادرة خلال نقاش مع العائلات الثكلى في الكنيست تتعلق بخلاصات مراقب الدولة بشأن العملية، فقال: "نحن لا نريد حرباً في الجنوب. بذلنا كل السبل لمنعها. وكانت نيتي في تلك الفترة، إذا طُلب منا، أن نقوم بها بأقل ثمن ممكن". وأضاف: من واجبنا تقليص هذا الثمن بقدر الممكن... "
  • وكبديل من العمليات التي تتسبب بوقوع إصابات كثيرة، وبدلاً من الاحتلال، حصّنت إسرائيل الدفاع. في البداية، خلال فترة حكومة أولمرت- بيرس، جرى تطوير المنظومة الاعتراضية القبة الحديدية. واصلت "حماس" والجهاد الإسلامي إطلاق الصواريخ، لكن بدءاً من سنة 2011 وما بعدها أصبحت هذه الصواريخ أقل نجاعة. وخلال بضعة أعوام، من المفترض أن يتحسن الحل إذا نجحوا في تطوير الرد الاعتراضي بواسطة منظومة الليزر الكهربائية. لكن في عملية الجرف الصامد، عثر الفلسطينيون على مسار آخر للالتفاف على القبة الحديدية، وهو التسلل عبر الأنفاق. المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية أهملا الاستعداد لمواجهة ذلك، بحسب ما كشف تحقيق "هآرتس"، وبعده تقرير مراقب الدولة. وكانت النتيجة إثارة قلق الجمهور وإلقاء ظل ثقيل على الإنجازات القليلة للعملية.
  • لا يؤمن نتنياهو بالجيرة، بل بالجدران. ففي أعقاب العملية، بدأ العمل على مشروع الجدار كرافد مكمّل للمنظومة الاعتراضية. ومثل الجدار الذي أقيمَ سابقاً على طول الحدود المصرية، فإن العائق في غزة مشروع ضخم ومكلف. يمكن القول إنه كان في الإمكان استخدام المال بصورة أفضل بكثير، مثل تحسين الجهاز الصحي والتعليمي. على الرغم من ذلك، قامت المؤسسة الأمنية بعمل مثير للإعجاب – الرجل الذي عمل على جميع خطط الجدار منذ عقدين هو العميد عيران أوفير. من خلال بناء العائق في سيناء، أوقف نتنياهو بصورة كاملة تسلُّل طالبي اللجوء وهجرة العمال من أفريقيا. ولأن النضال الفلسطيني يتعلق بذلك، من المعقول أن يبحثوا في غزة، وأن يجدوا وسائل غير مباشرة (توظف "حماس" الآن في التهريب وإنتاج الطائرات من دون طيار والمسيّرات)؛ ومع ذلك، فإن الجدار الجديد يحمل رسالة إلى "حماس"، مفادها: الآن سيكون من الصعب عليكم جداً العبور.
  • في مطلع العام المقبل سيجري، بعد تأخير كبير، افتتاح مشروع شبيه بإقامة جدار على الحدود مع لبنان. أجزاء من هذا الجدار في الشمال بُنيَت في السبعينيات ضد مقاتلي "فتح". البعض الآخر أقيم تقريباً بالتزامن مع انسحاب الجيش الإسرائيلي في سنة 2000، وتآكل منذ ذلك الحين. في الجوار الذي تتحرك فيه إسرائيل، يبدو أن بناء الجدران سيتواصل، وسيكون جزءاً جوهرياً من الرد الأمني المستقبلي.
  • لكن بالذات، في اليوم الذي يعلن فيه وزير الدفاع ورئيس الأركان الاحتفال بانتهاء الجدار، يجب أن نتساءل: ما هي القدرات الهجومية؟ النقاش الدائر الآن في كل وسائل الإعلام عن شن هجوم على إيران ليس ذي صلة فعلاً، ولا يعتمد على وقائع. مَن ينتظر من الجيش الإسرائيلي، الذي تقريباً لم يهتم بذلك بصورة عملية خلال الأعوام الستة الأخيرة، أن يهاجم في صباح الغد المنشآت النووية، هو ببساطة لا يفهم عمّا يتحدث. لكن السؤال المركزي والأكثر إلحاحاً: ما الذي يقدر الجيش على القيام به إذا نشأ تصعيد على جبهتين في وقت واحد (لبنان وغزة)، أو ثلاث جبهات (مع الضفة الغربية). حينها، سيكون مطلوباً استخدام، ليس فقط القدرات العالية والمؤكدة لسلاح الجو وشعبة الاستخبارات، بل أيضاً استخدام القوات البرية التي لم تواجه تحدياً مشابهاً منذ عدة عقود.