يجب أن نتحدث عن الجيش، وهذا الحديث لن يكون سهلاً
تاريخ المقال
المصدر
- عندما يُطلب من ضباط رفيعي المستوى في الجيش الدفاع عن عمل أو عن تقصير ما في الجيش، هم يسارعون إلى التذكير بأن الجيش هو المؤسسة التي تحظى بالكثير من الاحترام في إسرائيل. وهذا صحيح فعلاً، ففي كل استفتاء يُسأل فيه الجمهور عن مدى ثقته بمختلف المؤسسات يأتي الجيش في المرتبة الأولى، قبل رئيس الدولة وجهاز القضاء، وقبل الحكومة والكنيست ووسائل الإعلام بكثير.
- وهذه الصورة لا تشكل مفاجأة، المفاجأة لو كان الأمر مختلفاً، وذلك لأسباب واضحة وهي: إن الجيش الإسرائيلي هو جيش الدفاع عن الدولة التي تعيش في صراع أمني منذ قيامها؛ هو جيش الشعب، نحن الذين خدمنا فيه، وأولادنا من بعدنا. ونحن الذين نعطيه معظم الموارد بكل معنى الكلمة: الميزانية وشرعية العمل، ونقدّر خدماته. التشكيك في قدرته أو في صدقية أعماله يوازي تقريباً التشكيك في صدقية حياتنا ومستقبلنا.
- الثقة بالجيش لا تنبع، طبعاً، من فحص جذري لعملياته. وفي الواقع، عندما تسأل الجمهور عن نتائج العمليات العسكرية، عملية "حارس الأسوار" على سبيل المثال، فإن تقديره متوسط جداً، لكن تبرير ذلك أن الجيش نفّذ ما طُلب منه، وأن المستوى السياسي هو المذنب. وكوني عالجت هذا الموضوع منذ عشرات الأعوام، أستطيع القول إن الجمهور الإسرائيلي يتهرب من نقاش حقيقي لقدرة الجيش وعملياته، مقارنة بالموارد التي توظَّف فيه والتحديات الحقيقية التي يواجهها. وتظهر المسألة كسؤال الأم عن ابنها.
- لكن عندما نفحص الصورة في العمق نكتشف تصدعات. فقد أظهرت استطلاعات متعددة أن الثقة بالجيش ليست هي فقط التي تراجعت - بعد أن اتضح ضلوع الجيش في مسائل الكورونا المتعددة، انخفضت نسبة الثقة بالجيش 10%، بحسب المعهد الإسرائيلي للديمقراطية- بل إن هذه الثقة أيضاً محصورة فقط في الأداء العملاني للجيش، المجال الذي نخاف من المس به. عندما نسأل عن أمور أخرى، من الصعب التصديق أن الجمهور يعتقد أن الجيش هو مؤسسة ناجعة، وأنه فعلاً يلتزم بالقيم، ويكيّف نفسه مع حاجات المرحلة، لكن من جهة أُخرى، يعتقد الجمهور أن عملياته ناجحة.
- أعتقد أن هناك علاقة واضحة بين الأمور، فالجمهور لم يصدق، بصورة خاصة، الكلام عن "نصر ساحق" في عملية "حارس الأسوار"، والكتابات الدعائية عن "الحرب الرقمية الأولى"، وتضخيم الضربة الاستراتيجية التي وُجهت إلى "حماس" في "تفجير المترو"، الذي سرعان ما تبين أنه لم يؤدّ إلى مقتل أحد تقريباً. لكن الجمهور لا يترجم هذه المواقف من خلال التعبير عن عدم ثقته بالقدرات العملانية للجيش، لكنه يعبّر عن شكوكه عندما نسأله ما إذا كان الجيش ناجعاً وملائماً لعصرنا.
- الرقم المهم الذي كشفه الاستطلاع الأخير لمعهد الديمقراطية هو أن أغلبية الجمهور اليهودي تؤيد إلغاء الخدمة الإلزامية ونموذج "جيش الشعب"، والانتقال إلى جيش متطوعين - مرتزقة، وهو ما يُطلق عليه عموماً "جيش محترف". وهذا الرقم مهم بالنسبة إلى إسرائيل لأن الجيش، منذ أيام بن غوريون، هو بوتقة الصهر ورمزها الأبرز، وهذا الرقم مثير للدهشة بالنسبة إلى الجيش بحد ذاته، لأنه إذا كان نموذج الخدمة فيه قد عفا عنه الزمن، فما معنى ذلك بالنسبة إلى قدراته. مَن لا يفهم أن هذا الرقم والأرقام الأُخرى التي تظهر في كل استطلاع هي تعبير عن أزمة، فإنه يدفن رأسه في الرمل.
- عميرام ليفين من الذين يحق لهم توجيه انتقادات قاسية إلى الجيش. ليس فقط لأنه كان قائداً لفرقة سييرت متكال، وقائد كتيبة مدرعة في حرب لبنان الأولى (1982)، وقائد المنطقة الشمالية في الأعوام التي شهدت ذروة الحرب ضد حزب الله، وكان أيضاً نائباً لرئيس الموساد؛ وليس فقط لأنه جُرح 4 مرات، وأصابته نيران العدو والنيران الخفية في حروب الجنرالات. ليفين هو قائد نادر، وأهميته الأصلية لا تكمن في تشكيلِه وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي، بل في الأساس في توجيه جيل كامل من القادة الذين كبروا معه في أيام "الحرب من دون إشارة" [المقصود المواجهات بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في الحزام الأمني في لبنان]....
- ينظر ليفين إلى الجيش ويرى مؤسسة تجد صعوبة في التوفيق بين الطريقة التي ترى فيها نفسها وبين ما يظهر فعلاً في المرآة ويبرز من حين إلى آخر في ساحة القتال أو في استطلاعات الرأي. وهذا ليس ذنب الجيش وحده، بل هو نتيجة أعوام كثيرة جداً لسياسيين شعروا بأنهم ضعفاء وليس لديهم شعبية مقارنة بالمؤسسة العسكرية، وجزء منهم لا يتعمق فيها، بل يكتفي بكليشيهات، مثل "أفضل سلاح جو في العالم"، أو "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، ولا يقوم هؤلاء بإجراء تقديرات ولا نقاشات لمسائل عميقة تتعلق بالجيش.
- انظروا بأي سهولة وسرعة اتُّخذت مؤخراً قرارات بالمليارات لها أهمية كبيرة في موضوع تقاعُد الجيش النظامي ورواتب الجنود النظاميين [مؤخراً اتُّخذ قرار بزيادة هذه الرواتب 50%]. انظروا إلى الحرج الذي يشعر به الجيش في موضوع قواته البرية، التي هي أساس القوة العسكرية إجمالاً التي يتحدثون عنها منذ عشرين عاماً من دون أن يحدث شيء.
- يجب أن نتحدث عن الجيش. قبل 23 عاماً عُيّن شاوول موفاز قائداً للجيش، وكان من أفضل رؤساء الأركان. ولدى تسلُّمه منصبه قال موفاز: "آمل أن أكون رئيس أركان السلام"، وخلال عامين وجد نفسه غارقاً في الحرب. في أي سيناريو معقول، حتى لو كان جريئاً سياسياً، سيبقى الصراع وإسرائيل بحاجة إلى جيش...
- يجب أن نتحدث عن الجيش، لأن الحكومات والمجالس الوزارية لن تصلح الوضع. ليس لديهم الشجاعة ولا المعرفة. عندما كنت رئيساً للجنة المتفرعة من لجنة الخارجية والأمن في الكنيست لشؤون العقيدة الأمنية وبناء القوة، قدمنا تقريراً من 70 صفحة عن خطة رئاسة الأركان المتعددة السنوات "جدعون". وجرى وضعه بتعاون وثيق بين اللجنة وبين الجيش وبموافقة رئيس الأركان آنذاك غادي أيزنكوت. في الجيش قرأوه بإمعان، ونائب رئيس الأركان آنذاك أفيف كوخافي الذي أصبح رئيساً للأركان اليوم شكّل طواقم لتحقيقه. عضو واحد من المجلس الوزاري المصغر طلب مني مناقشته هو يوآف غالانت، وهو اليوم رئيس المعارضة، وأشك في أن الآخرين، بينهم رئيس الحكومة الحالي، قرأوه.
- أغلبية الجمهور الإسرائيلي مع انتهاج موقف هجومي حيال تعاظُم القوة العسكرية لحزب الله، والتمركز الإيراني في سورية، واستفزازات "حماس". هذه المواقف يمكن أن تؤدي إلى حرب، فمنذ 40 عاماً لم تنشب حرب هنا بقرار، بل دائماً نتيجة تدهور لم يرغب فيه أحد الطرفين. وإذا حدثت حرب هنا في الشمال، فإنها ستكون مختلفة عن تلك التي نعرفها.
- دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي بصورة خاصة يجب أن يكونا مستعدين لهذه الحرب. يواجه الجيش في الأعوام المقبلة تحديات ضخمة في اليد العاملة، وفي توزيع الموارد وإعداد خطط فعلية ومهمة في مواجهة التحديات القريبة والبعيدة. وهو غير قادر على القيام بذلك إذا لم نتحدث كلنا عنها. إذا واصلنا القول انطلاقاً من الخوف، وليس انطلاقاً من معرفة أن كل شيء سيكون بخير، وأن القيادة تدرك ماذا تفعل، فيُعتبر ذلك جريمة بحق الجيش وبحق أنفسنا.