على إسرائيل ألّا تقع في فخ التطبيع مع سورية
تاريخ المقال
المصدر
- يبدو أن الأسد أصبح يجلس مرتاحاً على كرسي الرئاسة، بعد عقد من حرب أهلية شرسة ونبذ العالم العربي. ففي الأشهر الأخيرة أطلقت دول المنطقة سلسلة خطوات وزيارات هدفها إعادة الرئيس السوري إلى حضن العالم العربي، مثل زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، وفتح البحرين سفارة لها في العاصمة السورية، وحديث العاهل الأردني الملك عبد الله عن استئناف العلاقات الاقتصادية، والتحرُّك الإقليمي للدفع قدماً بصفقة نقل الغاز المصري من الأردن عبر سورية إلى لبنان، وكذلك الدعوات المتزايدة إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية التي أُبعدت منها في بداية الحرب الأهلية.
- على الرغم من أن دول المنطقة امتنعت من البحث علناً وبالتفصيل في التنازلات المطلوبة من سورية، فإنه من الواضح للجميع أن المنتظر هو الحد من التدخل الإيراني في أراضيها من دون الحديث عن فك التحالف مع إيران. مؤخراً، كشفت صحيفة الشرق الأوسط عن خطة أردنية تقترح على الدول العربية تطبيع علاقاتها مع الأسد، وتشمل فتح ممثليات وزيادة التجارة والاستثمارات الاقتصادية لإعادة إعمار الدولة المدمرة. كما تضمنت الخطة في مرحلة متقدمة انسحاب القوات الأجنبية من سورية، باستثناء القوات الروسية بالطبع.
- الخطوات الأخيرة في المنطقة ناجمة عن مزيج من فشل خطة "الضغط الأقصى" على الأسد من أجل إحداث تغيير سياسي في سورية، بل على العكس زيادة الوعي بأن الأسد موجود وسيبقى، ولا بديل منه؛ والتراجع المستمر في التأثير الأميركي في المنطقة، بالإضافة إلى تعاظُم مكانة روسيا حليفة الأسد؛ وأخيراً، اعتبار دول المنطقة إيران عدواً مشتركاً يجب إضعافه.
- هناك من يدّعي أنه بتشجيع وضغط بسيط من روسيا، سيبدأ الأسد بالتفكير في أن حل مجمل مشكلات بلده يمكن أن يأتي من الدول السنية، وليس من شريكته الطبيعية إيران. هذا الإدراك يمكن أن يقرّبه من الدول السنية العربية، ومن الولايات المتحدة، وفي المستقبل من إسرائيل.
- وعلى الرغم من أن التطبيع بين سورية وإسرائيل ليس مطروحاً الآن، فإن التحرك الإقليمي يفرض على إسرائيل إعادة تقييم سياستها حيال سورية. اتفاق إقليمي واسع (متعدد الأطراف) يمكن أن يحوّل إسرائيل إلى شريكة صامتة تقبل قواعد اللعبة؛ أي الاعتراف بالأسد، والتعهد بالامتناع من استخدام القوة لزعزعة مكانته والمس بالسيادة السورية، وذلك مقابل انفصال سورية عن المحور الشيعي وإخراج إيران ووكلائها من أراضيها.
- لكن على الرغم من التسوية التي تهب على المنطقة، فإنه يتعين على إسرائيل التصرف بمسؤولية وعدم التسرع في الانجراف مع تيار التطبيع نحو الاعتراف مجدداً بالرئيس السوري. الأسد هو الذي سمح بتمركز إيراني بعيد الأجل في سورية، وهو الذي خلق التهديد الأمني المباشر والأخطر على إسرائيل من الحدود الشمالية. عائلة الأسد مدينة حتى أجل طويل لإيران، ولا سيما بعد الاستثمار الإيراني غير المسبوق في إنقاذ الأسد من المصير الذي واجهه زعماء آخرون سقطوا في ثورة الربيع العربي.
- من هنا، فإن النظرة الإقليمية مضللة - والاعتراف بالأسد لا يضمن قطع علاقته بإيران. ولا يمكن التسرع في الاستنتاج، بحسب التقارير الأخيرة بشأن قرار الأسد تنحية قائد فيلق القدس الإيراني في سورية (الذي يبدو أنه كان مخطَّطاً أن ينهي خدمته قبل بضعة أشهر)، بأن ذلك يدل على تغيير في سياسة سورية إزاء إيران كما يرغب كثيرون في الاعتقاد.
- وفي الواقع، بعد أعوام من التعلم من الروس ومن الإيرانيين يبدو أن الأسد حسّن قدراته السياسية على المناورة بين اللاعبين من أصحاب المصالح المتنافسة، والامتناع من التزامات مفصلة وعلنية بصورة تسمح له اليوم بالسير بين النقاط، بين العالم السني وبين إيران. علاوة على ذلك، حتى لو غيّر الأسد جلده وأصبح مهتماً بطرد الإيرانيين، فإن أعواماً طويلة من التمركز الإيراني العميق، ومن التسلل إلى الـ DNA السوري، وإلى الجيش والمجتمع والثقافة، ستجعل من الصعب كثيراً إخراجهم من سورية.
- بالنسبة إلى مسألة الاعتراف بالأسد، من الأفضل أن تترجم إسرائيل إنجاز التطبيع لبلورة جبهة موحدة وفاعلة مع الدول السنية ضد تآمر إيران التي تُعتبر تهديداً مشتركاً. وعلى الرغم من هذا كله، إذا فكرت إسرائيل في الانضمام إلى التسوية الإقليمية المطروحة حيال سورية، فإن من الأفضل أن تفعل هذا بصورة واعية، وأن تضع لائحة مطالب واضحة بشأن طبيعة وحجم تقليص وجود إيران ووكلائها في سورية. بالإضافة إلى ذلك، ضمان القدرة على رصد ومتابعة التغييرات على الأرض والمحافظة على حرية التحرك الإسرائيلي في الجو. إلى أن يحدث هذا، يبدو أن إسرائيل ستبقى اللاعب الوحيد في المنطقة، الذي يعمل باستمرار وبقوة ضد إيران بصورة قد تؤدي إلى تقليص وجودها العسكري، لكن ليس نفوذها.