خسارة أنهم لم يدفعوا لقاء آراد مثلما دفعوا لقاء شاليط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • الصدفة فقط هي التي أعادتنا هذا الأسبوع، بالتزامن، إلى قضيتين من الماضي لا تفارقاننا منذ أعوام عديدة: سقوط رون آراد وجلعاد شاليط في الأسر.
  • لا شيء أقسى من الأسر. وبعد سماحكم، فسأروي عن والدي نفتالي، الذي تجند في صفوف الجيش البريطاني في سنة 1941 ضمن "فيلق الرواد الملكي" للمشاركة في القتال ضد ألمانيا وسقط في أسر القوات النازية في نيسان/أبريل من العام ذاته، في مدينة كالاماتا اليونانية. أمضى في الأسر أربعة أعوام رهيبة حتى الإفراج عنه في سنة 1945. ربما كان هذا سبب حساسيتي الزائدة تجاه موضوع الأسر، وربما كان لدى الجميع حساسية تجاه مصير آراد وشاليط القاسي.
  • على أية حال، فقد ذكر نفتالي بينت رون آراد في خطابه في الكنيست، هذا الأسبوع. روى أن مندوبي "الموساد" انطلقوا، الشهر الماضي، لتنفيذ عملية "معقدة وجسورة"، هدفها جمع تفاصيل جديدة عن مصير طيار طائرة الفانتوم الذي سقط في أسر حركة "أمل" في تشرين الأول/أكتوبر 1986، بعد اضطراره إلى مغادرة طائرته قرب مدينة صيدا.
  • فور إنهاء خطابه مباشرة، انقض كثيرون على بينت، من جميع الأطراف، بادعاء أنه لم يكن يتعين عليه الإفصاح عن أي شيء وأن العملية مُنيت بالفشل أصلاً. إذاً، دعوني أقول: أولاً، العملية تكللت بالنجاح. فقد ركّزت ودفعت الجهود المبذولة من أجل العثور على جثة آراد. والأهم من هذا، أن ما قاله بينت شكّل رسالة إلى الجمهور الواسع مفادها أن الدولة لا تتخلى عن جنودها. فهي تبذل جهوداً جبارة لمعرفة مصائرهم وإعادتهم إلى بيوتهم وأهاليهم، حتى ولو بعد 35 عاماً. إنها قيمة الضمان المتبادل المهمة، بل الحاسمة بالنسبة إلى الجنود الخارجين إلى الحرب.
  • وهذا هو بالضبط السبب الذي يدفعنا إلى توجيه النقد الحاد إلى القادة السياسيين الذين أحجموا عن تنفيذ صفقة تبادل أسرى من أجل رون آراد الذي شوهد في قيد الحياة للمرة الأخيرة في أيار/مايو 1988، بعد عام ونصف العام من سقوطه في الأسر. ويبدو أنه قُتل بعد ذلك. طوال فترة السنة ونصف السنة تلك، جرت اتصالات بغية تبادل أسرى، إلا إن رئيس الحكومة يتسحاق شامير ووزير الأمن يتسحاق رابين رفضا عقد الصفقة. كانا يخشيان التعرض لموجة من الانتقادات بسبب الإفراج عن "مخربين أيديهم ملطخة بالدماء". لكن هذا هو العبث اللامعقول بحد ذاته. فمن الجهة الأولى، يجري على مدار عشرات الأعوام تنفيذ عمليات خطِرة جداً وتعرّض حيوات المشاركين فيها للخطر فيما وراء خطوط العدو، في إطار محاولات الوصول إلى جثة رون آراد، لكن من الجهة الأُخرى ليس هناك استعداد للمخاطرة الكامنة في إطلاق سراح "مخربين"، بينما المكسب عظيم جداً: إعادة جندي وهو في قيد الحياة.
  • هذا الأسبوع أدلى نوعام شاليط بتصريحات ضمن مقابلة صحافية أُجريت معه بمناسبة مرور عشرة أعوام على الإفراج عن ابنه جلعاد من أسر حركة "حماس" في غزة. في سنة 2009 توصل الوسيط عوفر ديكل إلى صيغة لتبادل الأسرى مع حركة "حماس"، إلاّ إن رئيس الحكومة إيهود أولمرت تصرّف كما تصرّف شامير ورابين ورفض الصفقة المقترحة. هو أيضاً كان يتخوف من موجة النقد المحتملة. هو أيضاً قال إنه لا يجوز إطلاق سراح "قتلة أيديهم ملطخة بالدماء". لكن هذا هراء كبير، لأن كلا الطرفين أيديهم ملطخة بالدماء. أيدي "المخربين" نعم، لكن أيدي شامير ورابين وأولمرت كذلك أيضاً. نحن في خضم حرب، لا في لعبة ضامة.
  • عقب تنفيذ صفقة الإفراج عن شاليط (التي عقدها ونفذها بنيامين نتنياهو)، أدلى أولمرت بتصريحات صحافية تهجّم فيها على المفتدى من الأسر وكأنه لم يقاتل بما فيه الكفاية قبل أن يقع في الأسر. ماذا كان يريد؟ أن يحاول شاليط، الذي فوجئ بآسريه في الخامسة فجراً، إطلاق النار فيعود إلى بيته في تابوت، مثلما حدث لزميليه الآخريْن اللذيْن قُتلا؟
  • حين نُشر عن ثمن الصفقة، تعرّض نتنياهو لحملة انتقادات واسعة لإطلاق سراح 1,027 "مخرباً". هذه الانتقادات أيضاً هراء. فلو بقي المُحرَّرون ضمن صفقة شاليط في السجون، لقام آخرون بتنفيذ العمليات التي نفذها بعضهم لاحقاً. لا فراغ في "الإرهاب". في المقابل، لولا الصفقة، لكان شاليط قد اختفى في غزة نهائياً، تاركاً جرحاً ينزف في جسد المجتمع الإسرائيلي، تماماً مثلما هي الحال مع رون آراد الذي يواصل التخلي عنه آنذاك إضعاف مناعة المجتمع والجيش، على حد سواء.
  • يريد كل جندي أن يعلم بأن الدولة ستفعل كل شيء من أجل تخليصه من الأسر. وإذا ما تخلينا عن الأسرى فسيفكر الجنود مرتين وأكثر قبل أن يخطوا قُدماً في ميدان القتال. لذلك، كان الثمن الذي دُفع لقاء شاليط مُبرَّراً. خسارة أنهم لم يدفعوا الثمن ذاته لقاء آراد.