التباهي العلني لإسرائيل حفّز خطط إيران الانتقامية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد مرور عدة ساعات على الإجابات المتناقضة والمرتبكة قدمت إسرائيل أمس (الاثنين) رواية رسمية عن قضية قبرص: إيران هي وراء محاولة اغتيال المواطن الإسرائيلي في الجزيرة، والتي أُحبطت مؤخراً. خلفية الحادثة هي خلفية أمنية، الملياردير الإسرائيلي تيدي سغاي الذي يسكن في قبرص فترة من الزمن لم يكن هو المستهدَف في العملية. هذا ما جاء في البيان الصادر عن مكتب رئيس الحكومة نفتالي بينت، والذي صدر في ساعات ما بعد الظهر، بالاستناد إلى "مصادر أمنية". وزير الدفاع أيضاً قال كلاماً مشابهاً في جلسة كتلة أبيض - أزرق في الكنيست.
- من المعلومات التي جُمعت، يبدو حتى الآن أنها محاولة إيرانية غير محترفة لمهاجمة مواطنين إسرائيليين قد يكون الإيرانيون شكوا، عن طريق الخطأ، في أنهم يعملون في شركة لها علاقة بالمؤسسة الأمنية في إسرائيل، وخصوصاً في المجال السيبراني. قُرب قبرص النسبي من إسرائيل من جهة، ومن جهة أُخرى إمكان الاستفادة من التسهيلات في دفع الضرائب وتقليص جزء من رقابة وزارة الدفاع على العمليات التجارية، كل ذلك يجذب شركات إسرائيلية كثيرة إلى الجزيرة. أكثر من مرة نوقشت ووُقّعت صفقات مع دول ليس لها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل. وقبل توقيع اتفاقات التطبيع، كانت قبرص إحدى مراكز الاتصال المحورية بين رجال أعمال من إسرائيل والإمارات.
- الروايات التي تصل من قبرص تبدو متنوعة للغاية، فقبل أسبوع اعتقلت السلطات القبرصية مواطناً من أذربيجان يحمل جواز سفر روسياً اجتاز الجزء التركي من الجزيرة إلى الجزء اليوناني الجنوبي عن طريق معبر نيقوسيا. وعُثر في حوزة الرجل، الذي لاحقته الشرطة القبرصية قبل اعتقاله، على مسدس كاتم للصوت وذخيرة. ويمكن التقدير بحذر أن تحذيراً استخباراتياً من إحدى الدول المجاورة سبق اليقظة القبرصية، مثلما جرى في الماضي خلال محاولات هجوم مشابهة ضد أهداف إسرائيلية أُحبطت في أنحاء العالم.
- كالعادة، كذّبت إيران الاتهامات الموجهة ضدها، وادّعت السفارة الإيرانية في قبرص أن الاتهامات الإسرائيلية لا أساس لها. لكن التكذيبات ليست مقنعة. فإيران متورطة طوال أعوام في عشرات الهجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في شتى أنحاء العالم، ودائماً تكذّب أي علاقة لها بذلك. هكذا تصرفت أيضاً قبل نحو شهرين، عندما أرسل الحرس الثوري الإيراني مسيّرات لمهاجمة سفينة تملكها شركة إسرائيلية جزئياً، وهو ما أدى إلى مقتل عنصرين من طاقمها، هما مواطن بريطاني وآخر روماني. نأمل من الحكومة القبرصية بألّا تمر على الكشف عن الخطة الإيرانية مرور الكرام، وأن تطالب بتوضيح من طهران.
- الخطوة بحد ذاتها ليست مفاجئة. للإيرانيين حساب طويل مع إسرائيل على عمليات اغتيال علماء ذرّة نُسبت إليها، وتخريب منشآت نووية إيرانية، ومهاجمة ناقلات كانت تهرّب نفطاً إيرانياً إلى سورية، ومهاجمة قواعد ميليشيات شيعية في شتى أنحاء الشرق الأوسط. كما سبق أن حدث في الماضي، يتضح أن الإيرانيين يستخدمون عملاء يحملون هويات أجنبية. أحياناً كما جرى في الهجمات في تايلاند والهند، إذ تسبب عدم احترافية هؤلاء العملاء بفشل المحاولة.
- لكن السلوك الإسرائيلي حفّز خطط الانتقام الإيرانية. وفي الإمكان تبرير جزء كبير من العمليات الهجومية الإسرائيلية التي تحاول عرقلة تقدُّم المشروع النووي الإيراني وتقليص المساعدة الإيرانية للعمليات العسكرية في شتى أنحاء المنطقة، لكن من الصعب فهم التباهي بهذه الأعمال في كل المناسبات من أجل استفزاز طهران عن قصد. برز هذا الأمر في التقارير التي نُشرت عن مهاجمة الناقلات الإيرانية والتسريبات المتلاحقة عن تفاصيل عملانية ضد المشروع الإيراني. هذا الدفق من المنشورات يجبر إيران على الرد - والمشكلة أن إسرائيل ليس لديها وسيلة للدفاع عن أي هدف في الخارج مرتبط بها، ولو جزئياً، من السفن وصولاً إلى رجال الأعمال.
- هذه الثرثرات بدأت في أيام بنيامين نتنياهو، لكن خليفته نفتالي بينت لم يتخلّ عنها أيضاً. ليس واضحاً ما الذي دفع نفتالي بينت أمس إلى الإعلان أن الموساد عمل في دولة أجنبية للحصول على معلومات عن مصير الطيار المفقود رون أراد. إذا كان ليس هناك من نتائج واضحة للعملية حتى هذه الساعة، فما الذي كسبه بينت من الكشف عن عملية حساسة سوى القليل من العلاقات العامة التي سترتد عليه فوراً بسبب الانتقادات من المعارضة؟
- الخطوات الإسرائيلية تواجه رئيساً جديداً صقرياً في طهران. فقد أعلنت حكومة إبراهيم رئيسي الأسبوع الماضي إجراء مناورة عسكرية كبيرة على حدود أذربيجان، يبدو أن هدفها ردع جارتها الشمالية، على خلفية العلاقات الوثيقة مع إسرائيل. السياسة الإيرانية تصبح هجومية أكثر فأكثر، تحديداً على خلفية الإعلان المرتقب لعودة المفاوضات مع الدول العظمى بشأن الاتفاق النووي. هذا الأسبوع عُقد في واشنطن اجتماع استراتيجي دوري بين ممثلين للولايات المتحدة وإسرائيل. ومن الأمور التي سيقولها الضيوف لمضيفيهم إن هناك حاجة ملحة إلى اتخاذ خطوات صارمة علنية ضد طهران. من دون ذلك ليس لدى الأميركيين أي فرصة ليفرضوا على الإيرانيين تقديم تنازلات في المحادثات النووية.