خطاب بينت في الأمم المتحدة يدل على محنة استراتيجية
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • الجزء الإيراني من خطاب رئيس الحكومة نفتالي بينت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة يدل قبل كل شيء على المحنة الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل في الفترة الحالية جرّاء التقدم السريع للمشروع النووي الإيراني، وفي ضوء تبدُّل السلطة في طهران. لقد استغل بينت منبر الأمم المتحدة كي يوجه نداء يائساً إلى الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا من أجل أن يكونوا أكثر تشدداً في علاقتهم بإيران، أي أن يستخدموا في الأسابيع المقبلة وسائل إضافية إلى الوسائل الدبلوماسية لكبح اندفاعة إيران نحو سلاح نووي.
  • في إسرائيل يشعرون بالقلق، في الأساس لأن القيود التي وضعها الرئيس السابق حسن روحاني على طموحات النظام الإيراني بشأن الوصول إلى سلاح نووي لم تعد موجودة منذ وصول المحافظ المتشدد آية الله إبراهيم رئيسي ورجاله إلى الحكم. ونشأ وضع عدم وجود طرف في الزعامة الإيرانية يمكنه أن يعدّل قليلاً من الخط الهجومي الذي يقوده المرشد الأعلى خامنئي مع الحرس الثوري والبرلمان. ويتخوفون في إسرائيل من أنه إلى أن تنتبه الولايات المتحدة وحلفاؤها وتفهم حقيقة ما يسعى له النظام الجديد، ستصبح إيران دولة على حافة النووي ـ وربما عشية تجربة أول انفجار نووي.
  • محنة حكومة بينت التي تجلت في خطابه في الأمم المتحدة ناجمة عن حقيقة عدم امتلاك إسرائيل خياراً عسكرياً تقليدياً ناجعاً يمكنه أن يقضي بقواه الذاتية وبثمن معقول على النيات الإيرانية النووية قبل وقت قصير من تحقيقها. إسرائيل بحاجة، ليس فقط إلى القضاء على إمكان حصول إيران على قدرة نووية عسكرية، بل أيضاً إلى منعها من إعادة بناء هذه القدرة عدة أعوام.
  • للأسف الشديد، بالاستناد إلى ما نُشر (مقال رئيس الحكومة السابق إيهود باراك ومقال إيهود أولمرت) [يمكن مراجعة ترجمة مقال أولمرت في عدد النشرة 27/9]، يمكن التقدير أنه إذا استُخدمت الإمكانات الذاتية الموجودة حالياً في الترسانة الإسرائيلية، فيمكن ألّا تكون فعاليتها مثالية، وسندفع ثمناً باهظاً في الأرواح والأضرار التي سيتكبدها الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهذه أخبار سيئة.
  • الأخبار الجيدة أن المقصود هو فقط وضع حالي. كل مَن يعرف إسرائيل وقدراتها التي طورتها وتطورها يمكنه التقدير أنه سيكون لدينا في المستقبل غير البعيد خيارات عسكرية تقليدية موثوق بها وناجعة لشن هجوم على "الدائرة الثالثة" (على مسافة 1000 كيلومتر من أراضي إسرائيل) لا تنطوي على إراقة دماء كثيرة. يمكن الافتراض أيضاً أن هذا العمل بدأ. المشكلة هي ما الذي سيجري إذا سبقنا خامنئي ورئيسي في السباق وحصلا على سلاح نووي، أو ما هو قريب منه، قبل أن نكون نحن أو حلفاؤنا قادرين على إحباطه؟
  • في مثل هذا الوضع ستنتقل المواجهة من المستوى التقليدي إلى مرمى الألعاب النووية. إسرائيل والولايات المتحدة والأوروبيون ليسوا قادرين على منع إيران من الحصول على سلاح نووي، بل فقط على ردع آيات الله عن استخدامه. هذا الوضع من الردع النووي المتبادَل كان قائماً بين الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. في أيامنا هذه يمكن لكوريا الشمالية الصغيرة أن تهدد بواسطة قدراتها النووية وصواريخها دولة عظمى مثل الولايات المتحدة واليابان وتبتزهما. ومن الواضح أن هذا ما يريد الإيرانيون تحقيقه عندما يصبحون دولة على عتبة النووي، أو دولة نووية بكل معنى الكلمة. كوريا الشمالية هي النموذج الذي يحاول الإيرانيون تقليده، ولا يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها بقبول ذلك، نظراً إلى طبيعة النظام الإيراني الأصولية. إسرائيل مصرة، وعن حق، على عدم الوصول إلى مثل هذا الوضع حين يمنع الردع، المعرّض للتآكل، وحده إيران من استخدام سلاح نووي ضدنا.
  • لهذا، من المهم الآن متابعة السباق الإيراني النووي، وحتى تصبح لدينا قدرة كي نقوم بالعمل بأنفسنا من دون أن ندفع ثمناً باهظاً، إسرائيل مضطرة إلى مناشدة الولايات المتحدة والأوروبيين للتحرك بحزم أكبر لكبح إيران، وليس فقط من خلال القناة الدبلوماسية البطيئة والمضللة، ومن خلال محادثات غير مباشرة في ڤيينا، بل بواسطة تحركات حقيقية تقوم بها فوراً (من الأفضل أن تكون بمشاركة إسرائيل وبالتعاون معها) على ثلاثة صعد: عقوبات (تشمل مكونات تكنولوجية ضرورية في البرنامج النووي)؛ إلحاق أذى مادي موضعي بمنشآت واستخبارات وسايبر؛ وخلق أجواء تهدد صمود النظام في طهران بواسطة شبكات التواصل الاجتماعية. هذا تحديداً ما لمّح إليه بينت عندما قال إن الكلمات وحدها لا توقف أجهزة الطرد المركزي.
  • لكن نداء الاستغاثة الذي وجّهه بينت إلى بايدن ليس محصوراً بطلب تغيير السلوك إزاء نظام خامنئي ورئيسي. يتخوف بينت من عدم استعداد الإدارة في واشنطن لتزويد إسرائيل بالعتاد والتكنولوجيا الضروريين لتطوير قدرة هجومية ذاتية دقيقة ومدمرة طويلة الأجل. الأميركيون يملكون مثل هذه التكنولوجيا، أو أنهم أصبحوا في مراحل متقدمة في تطويرها، لكن البنتاغون ليس مستعداً لبيعها أو نقلها إلى إسرائيل، ولا في إطار تطوير مشترك.
  • المقلق في الأمر هو الرفض الأميركي الناجم، ليس فقط عن تخوف الرئيس الأميركي من الجناح التقدمي في حزبه، بل في الأساس لأن الإدارة الحالية في واشنطن ليست معنية بأن تصبح لدى إسرائيل قدرة هجومية ذاتية ناجعة في الدائرة الثالثة، التي من المؤكد أنها ستؤدي إلى توريطهم عندما تُستخدم. يحاول بايدن والعاملون معه التركيز حالياً على حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية السياسية في داخل الولايات المتحدة، وعلى المواجهة مع الصين، ولا يريدون إزعاجاً من الشرق الأوسط.
  • في واشنطن يعلمون بأن هجوماً إسرائيلياً على إيران سيؤدي بالتأكيد إلى رد انتقامي إيراني، ليس فقط ضد إسرائيل، بل ضد جنود وقواعد وطائرات أميركية موجودة في منطقة الخليج الفارسي، وضد الحلفاء العرب للولايات المتحدة. المشكلة أن الرفض الأميركي إعطاء المؤسسة الأمنية والصناعات الأمنية الإسرائيلية ما تطلبه سيبطىء عملية بناء خيارات عسكرية إسرائيلية ذاتية، وسيسمح لإيران بصورة غير مباشرة بالوصول إلى وضع استراتيجي مهم قبل أن تستطيع إسرائيل الوصول إلى ما تريده بصورة مستقلة.
  • على الرغم من معرفة بينت بهذا كله، إلا إنه امتنع من الدخول في مواجهة علنية مع الأميركيين والأوروبيين في خطابه في الأمم المتحدة. لقد رأى بينت ما جرى جرّاء غطرسة سلفه الذي تشاجر مع إدارة أوباما وحرّض ترامب على الانسحاب من الاتفاق مع إيران - وقد تعلّم الدرس. مع ذلك، هو لم يكبح نفسه، وضمّن خطابه تهديداً مبطناً عندما قال إن "المشروع النووي الإيراني وصل إلى الحد الفاصل، وكذلك صبرنا". وهذا يعني أنه إذا لم تتحركوا فنحن سنفعل ذلك مع ما لدينا. ونحن سندفع الثمن، لكنكم أيضاً ستتورطون، وعليكم التفكير في ذلك.