وزير الخارجية يائير لبيد نسي أن هناك احتلالاً إسرائيلياً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لو أن الصحافي يائير لبيد وقّع المقال الذي كان عنوانه "الأيام المئة الأولى لسياسة خارجية مختلفة" ("هآرتس"، 20/9/2021)، وليس رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية، لما كان هذا النص وصل إلى الطباعة. فإن مَن يحلل سياسة إسرائيل الخارجية من دون ذكر الاحتلال [في أراضي 1967] الذي عمره 54 عاماً ونيفاً، هو في أفضل الحالات غبي، وفي أسوأ الحالات مضلل يستخف بذكاء القرّاء. ولا شك في أن لبيد ليس غبياً، ولذا فإن الخيار الثاني هو الأرجح في هذه الحالة.
  • دعونا نبدأ بتجربة وزير الخارجية في الإقناع بأنه "خلال ثلاثة أشهر من العمل الشاق" [كما كتب في المقال المذكور] نجحت الحكومة الإسرائيلية الجديدة في تسخين العلاقات مع مصر والأردن "من دون أن تضطر إسرائيل إلى التنازل حتى عن مصلحة وطنية حيوية واحدة". لا يفسر لبيد ما هي المصالح الوطنية الحيوية التي لم تتنازل إسرائيل عنها. فهيا نحاول التنبؤ. فإذا كان يقصد أن تعميق الاحتلال وتجميد العملية السلمية حتى الموت هما مصلحة وطنية حيوية فإنه حقاً يستحق أن يكون في الحكومة. ولا يمكن القول إن رفع علم إسرائيل إلى جانب رئيس الديمقراطية المصرية الكبرى هو إنجاز تاريخي، وسيجلب الخلاص لشعب إسرائيل. إن ذلك هو بهذا القدر أو ذاك مثله مثل النجاح التاريخي لحكومة بنيامين نتنياهو في نقل الأثاث من مبنى سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب إلى مقرها في القدس. وإذا كان تدهور إسرائيل الأخلاقي في أعماق الأبارتهايد يُعتبر مصلحة وطنية حيوية فإن الحكومة تستحق هذا المديح على عدم اهتمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
  • بحسب لبيد، نجحت هذه الحكومة في تحقيق حلم يتسحاق شامير "السلام في مقابل السلام"، ولتذهب صيغة "الأرض في مقابل السلام" إلى الجحيم، وهي الصيغة التي طرحها اليسار. إذا كان الأمر هكذا فما هو الفرق بينها وبين سابقاتها من الجناح اليميني؟ لأنه حتى نتنياهو لم يتنازل عن أي ذرة تراب في مقابل السلام مع الإمارات العربية المتحدة والسودان والمغرب والبحرين. ومثل رئيس الحكومة نفتالي بينت، فإن نتنياهو أيضاً رفض لقاء محمود عباس، وهو كذلك قام بتسمين المستوطنين ورفض حل الدولتين. ربما هذا هو المكان الصحيح للتذكير بأن رئيس المعارضة لبيد أثنى في حينه على "خطة السلام" التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ["صفقة القرن"] لأنها قامت بإعادة احتمال حل الدولتين إلى الساحة السياسية كأساس للمفاوضات. لكن يبدو أن المستقبل السياسي الذي يُرى من ديوان رئيس الحكومة البديل يختلف عما يُرى من مكتب زعيم المعارضة ورئيس حزب "يوجد مستقبل".
  • أما تفسير لبيد بأن الأميركيين والأوروبيين ومثلهم أيضاً الزعماء العرب قللوا من الاهتمام العلني بكل ما يتعلق بالنزاع فلا يكمن في الآمال التي يعلقونها على الحكومة الجديدة، بل العكس هو الصحيح. فبعد الانتخابات الأخيرة توصّل زعماء الدول الديمقراطية المتنورة والجيران العرب إلى استنتاج فحواه أن الجمهور في إسرائيل وقادته يفضلون العيش مع الاحتلال على دفع ثمن إنهائه.
  • إن اليأس يصرخ من أقوال شيوخ طواقم السلام الأميركية، مثل السفيرين السابقين دنيس روس ومارتن إنديك وغيرهما، نجوم المسلسل الوثائقي "العامل الإنساني" لدرور موريه. ويتصرف الرئيس الأميركي جو بايدن وفقاً لإرث عدد من أسلافه الذين حاولوا النبش في الصراع واكتووا بناره فقالوا: "لا نستطيع أن نرغب في السلام أكثر من طرفي النزاع نفسيهما". وعلاقة بايدن الحميمة بحكومة بينت - لبيد ترتكز على اشمئزازه من أتباع الإدارة الأميركية القديمة أكثر مما ترتكز على حب الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
  • وخلافاً لنتنياهو الذي رسخ السياسة الخارجية على "فكرة كئيبة" تقول إن التحالف مع الولايات المتحدة يرتكز على مصالح مشتركة، يؤمن وزير الخارجية لبيد بأن العلاقات مع الولايات المتحدة تقوم على قيم مشتركة. فهل سرقة الأرض من السكان الأصليين العاجزين ما زالت قيمة مشتركة للولايات المتحدة والمشروع الصهيوني؟ يقول لبيد إن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، مثل الآباء المؤسسين للصهيونية، طمحوا إلى مجتمع مثالي يقوم على الحرية. وأضاف: "الأميركيون نظروا إلينا ورأوا فينا شيئاً من أنفسهم". فهل قصد أن الأميركيين ينظرون إلى السجناء الإداريين المسجونين في إسرائيل من دون محاكمة ويتذكرون السجناء الذين تعفنوا في معتقل غوانتانامو؟ أو يشاهدون شهادات الجنود الذين خدموا في الخليل في موقع منظمة "لنكسر الصمت" (التي يحب لبيد تشويه سمعتها) ويتذكرون جرائم الحرب التي نفذتها دولتهم في فيتنام وفي كوريا؟ يبدو أن لبيد يعتقد أن قرّاء "هآرتس" هم مجموعة من الجهلة الذين يمكن إخبارهم بأن "القيم" هي الموضوع الأساسي في الساحة الإسرائيلية – الأميركية. وكأنهم لم يسمعوا في أي يوم عن اللوبي اليهودي "الأيباك"، الذي لو لم يفرض رعبه على أعضاء الكونغرس لما كانت إسرائيل تستطيع العمل في المناطق المحتلة كما تشاء لعشرات السنين.
  • وكشف وزير الخارجية لنا أن طلاباً في الولايات المتحدة وفي أوروبا يتظاهرون ضد إسرائيل "لأنه كان لدينا فشل إعلامي وقيمي". وبحسب رأيه، يصوت أميركيون سياسيون ضد إسرائيل "لأن لا أحد شرح لهم موقفنا في الرواية". فليتفضل وزير الخارجية ويشرح لمواطني الدولة موقفنا في الرواية. فمن مقاله تعلمنا أنه لا يوجد نزاع أو احتلال أو شريك أو أمل. وأعتقد أن صحافياً يحترم نفسه لم يكن ليتجرأ على أن يخرج هذا النص من تحت يده، ولا حتى الصحافي يائير لبيد.