صمت الجناح اليساري في الحكومة الإسرائيلية على التصريحات التي تلغي سلفاً أي إمكانية لاستئناف الحوار مع الفلسطينيين مُعيب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لا شك في أن الاجتماع الذي عُقد بين وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس والرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله هذا الأسبوع هو بمثابة اختراق حيوي ومهم بعد أكثر من عشرة أعوام من الجمود السياسي. وعلى الرغم من أن الإثنين حرصا على التشديد على أن الحديث يدور حول اجتماع شبه تقني جرى التركيز خلاله على بحث قضايا أمنية واقتصادية فقط، إلا إن مجرد عقْده بصورة علنية ينطوي على رسالة إيجابية ضد السياسة الخطِرة الرامية إلى تعزيز قوة حركة "حماس" على حساب السلطة الفلسطينية، والتي تركها وراءه رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو.
  • وفقاً لغانتس، بحث الإثنان مسألة تعزيز التنسيق الأمني، واتفقا على سلسلة من الخطوات التي من شأنها أن تخفف الضائقة الاقتصادية في مناطق السلطة الفلسطينية. وبحسب تحذيرات مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الشرق الأوسط أول أمس (الإثنين)، فإن السلطة الفلسطينية على وشك الانهيار اقتصادياً لعدة أسباب، بينها قرار الحكومة الإسرائيلية اقتطاع أموال من الضرائب الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل. وذكرت تقارير إعلامية أن غانتس وعباس توصلا إلى تفاهمات، بينها قيام إسرائيل بمنح السلطة الفلسطينية قرضاً بقيمة 500 مليون شيكل.
  • في هذا السياق يجدر التذكير بأنه بعد انفجار وباء كورونا وعدت إسرائيل بأن تنقل إلى السلطة الفلسطينية رزمة مساعدات بقيمة 800 مليون شيكل، لكنها لم تفعل. هذا هو ثمن السياسة الشعبوية: بيد واحدة تقوم إسرائيل باقتطاع أموال من الضرائب الفلسطينية التي تجبيها بسبب الضغط الجماهيري ضد دفع رواتب للأسرى في السجون الإسرائيلية، وباليد الأُخرى تضطر إسرائيل إلى نقل هبات وقروض من أجل منع انهيار السلطة الفلسطينية.
  • ولكن ثمة أمور أُخرى لم تتغير مع تسلُّم حكومة التغيير مهمات الحكم في إسرائيل: رئيس الحكومة نفتالي بينت سارع إلى التنصل من الاجتماع [بين غانتس وعباس] خوفاً من ردات الفعل في صفوف اليمين. وقال مصدر مقرب منه لوسائل إعلام إنه "لا توجد أي عملية سياسية في مقابل الفلسطينيين، وكذلك لن تكون عملية كهذه." وفي وقت لاحق أضيفت إلى هذه الأقوال تسريبات بموجبها هاجم "مقربون من بينت" غانتس واتهموه بما ليس أقل من "المساس باستقرار الحكومة"، وذلك على الرغم من أن هذا الاجتماع تم بتنسيق مسبق بين جميع أطراف الحكومة، بحسب رواية بينت.
  • إن ردة فعل بينت على الاجتماع معيبة، وكذلك صمت الجناح اليساري في حكومته على التصريح الطفولي الذي يلغي سلفاً أي إمكانية لاستئناف الحوار مع الفلسطينيين. إن أقوال بينت هذه تُضاف إلى تصريحات أدلى بها في سياق المقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" عشية قيامه بزيارة إلى الولايات المتحدة، ووفقاً لها فإن حكومته لن تُجري مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين، وستستمر في سياسة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. وسوّغ بينت مقاربته هذه بحجة التنوع السياسي المعقد لائتلافه الحكومي، وقال "إن ما أفعله هو البحث عن طريق وسط."
  • عملياً، الجمود السياسي وتوسيع المستوطنات ليسا "طريق وسط". إن معنى ذلك هو خنوع الجناح اليساري في الحكومة للجناح اليميني الذي لا يُعتبر أكثرية فيها. ولقد حان الوقت كي يستوعب معسكر الوسط- اليسار أن بنيامين نتنياهو استُبدل، وأنه لا يجوز تقديس أي تسوية لمنع عودته نظرياً، وبالتأكيد لا يجوز تقديس كهذا إذا كان الثمن هو التأييد الواضح لمعارضة العملية السياسية.