من حرب لبنان الثانية إلى حرب إقليمية
تاريخ المقال
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية
تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
- سيناريو الحرب المقبلة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله يتطور مع مرور الزمن من النقطة التي انتهت عندها الحرب الأخيرة. الدروس التي استخلصها الطرفان تضع الخطوط العريضة للقتال المتوقع في الحرب المقبلة.
- قرار شن هجوم للجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة لحرب لبنان الثانية كان موضع خلاف. وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي مثلت إسرائيل في صوغ القرار 1701 المتعلق بوقف إطلاق النار، ادّعت أنه من اللحظة التي تبلور فيها اقتراح الاتفاق لم يعد من ضرورة للهجوم. بدا لاحقاً أن الهجوم الذي لم يحدث ساهم إلى حد لا بأس به في الاستقرار النسبي الذي نشأ على الحدود اللبنانية منذ ذلك الحين، لأن قيادة حزب الله أدركت جيداً تداعيات مثل هذا الهجوم: لو لم يتوقف الهجوم بواسطة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار لوصلت القوات الإسرائيلية إلى نهر الليطاني خلال أقل من يوم وفرضت حصاراً على أغلبية القوات المقاتلة لحزب الله. من أجل تفويت الفرصة الإسرائيلية سارع حزب الله إلى قبول وقف إطلاق النار. لقد أدرك الحزب أن هناك خطوة تفصل بينه وبين الهزيمة وسارع إلى استخلاص الدروس في إعادة تقييم منهجية يمكن رؤيتها من خلال 4 اتجاهات:
- تحسين الاستعدادات للقتال الدفاعي في القرى، وفي المحميات الطبيعية، وفي المسالك الجبلية، من خلال استخدام كل المكونات التي أثبتت نفسها في القتال، بينها: منظومات دفاعية في مناطق جبلية وعرة؛ تحصينات تحت الأرض في القرى؛ منظومات مضادة للطائرات متنقلة ومنظومات نار للمساعدة.
- نشر قوات ومراكز لإطلاق النار في كل المنطقة، وصولاً إلى بيروت، بما في ذلك البقاع، بصورة تمنع الجيش الإسرائيلي من محاصرة أغلبية قوات الحزب في عملية قصيرة وسريعة تصل إلى نهر الليطاني. القوات الإسرائيلية التي ستتمركز بعد المعركة على ضفة الليطاني ستجد في مواجهتها منظومات عميقة منتشرة في كامل المنطقة. بهذه الطريقة يريد حزب الله منع الجيش الإسرائيلي من تحقيق نصر سريع عبر التشكيك في جدوى الهجوم الإسرائيلي.
- تعاظُم كمّي ونوعي واسع النطاق لقوة النيران الصاروخية. فعشية حرب لبنان الثانية كان التقدير أن لدى حزب الله أكثر من 15 ألف قذيفة وصاروخ. منذ ذلك الحين اتسعت المنظومة الصاروخية نوعاً وكمّاً، والتقدير الآن أن لدى الحزب أكثر من 150 ألف صاروخ، وهو ما يمنحه قدرة كبيرة على الصمود إذا نجح الجيش، كما في سنة 2006، في تدمير جزء من المنظومة الصاروخية بضربة جوية استباقية.
- رئاسة الأركان العامة وقيادة المنطقة الشمالية يدركان جيداً التطورات التي حدثت في العقيدة القتالية لحزب الله ويستعدان لمواجهتها بأساليب عمل ملائمة. من هذه النواحي نقطة البدء بالحرب المقبلة على الحدود اللبنانية يمكن أن تكون تحدياً جديداً للجيش الإسرائيلي ومواطني إسرائيل.
من حرب الساحة إلى حرب إقليمية
- حرب 2006 لم تتخط الساحة اللبنانية. صحيح أن قطاع غزة شهد قتالاً، لكن قيادة المنطقة الجنوبية قادت القوات بنفسها ولم تحتاج إلى اهتمام هيئة الأركان العامة ومواردها. في هذه الأثناء لم يكن لدى "حماس" القذائف والصواريخ بكميات ونوعيات تعطل وتيرة الحياة في المراكز السكانية في إسرائيل، باستثناء مستوطنات غلاف غزة. لكن منذ ذلك الحين تحولت "حماس" إلى تهديد لا يمكن تجاهله. وبوحي من حزب الله تبنت التنظيمات المسلحة في غزة وجهة نظر قتالية مشابهة، وتتبادل فيما بينها التجارب المشتركة وتستخلص دروساً تنظيمية وعملانية كثيرة من سلسلة العمليات التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في العقد الأخير.
- هذه التطورات أدت إلى تحول مهم في وضع إسرائيل الاستراتيجي الذي اعتمد منذ توقيع اتفاق السلام مع مصر (1979) على فرضية أن الحرب تجري في بؤرة أساسية لجبهة واحدة. في الوضع الجديد، لدى اندلاع الحرب مع حزب الله قد تجد إسرائيل نفسها تحت نيران القذائف والصواريخ التي ستتساقط على مدنها ومنشآتها الاستراتيجية (بما فيها قواعدها الجوية) أيضاً من قطاع غزة.
- في صيف 2006 تمركز القتال فقط على الساحة الشمالية في لبنان. وبقيت قوات ضئيلة العدد في الجولان لأنه لم يكن هناك خطر من أن يشارك الجيش السوري في الحرب. في العصر الجديد، وفي ضوء الاحتمال المتزايد للقتال في سورية جرّاء تمركُز ميليشيات شيعية كبيرة تسيطر عليها إيران هناك، سيكون على الجيش الإسرائيلي أن يكون جاهزاً لنشوب قتال في الساحة السورية بالتوازي مع الجهد الأساسي في لبنان. بالإضافة إلى ذلك يجب أن نضيف: من جهة، الوجود الروسي في سورية وفرضه قيوداً على حرية العمل الإسرائيلي خلال الحرب، ومن جهة أُخرى "عقيدة قاسم سليماني" التي تدعو إلى محاصرة إسرائيل "بحلقة نيران" من القذائف والصواريخ، بدءاً من لبنان، مروراً بسورية والعراق (وإيران نفسها)، وصولاً إلى اليمن. من هذه الناحية كانت حرب لبنان الثانية الفصل الأخير من الحقبة التي كانت فيها إسرائيل قادرة على تركيز القتال على جبهة واحدة. الحرب المقبلة ستكون على الأرجح حرباً إقليمية.
- هذا التحول الاستراتيجي يتطلب زيادة كبيرة في عدد قوات الجيش الإسرائيلي واستعداد الجمهور الإسرائيلي لحرب لم يشهد مثيلاً لها منذ حرب 1948.