إسرائيل تصرح بأنها لن تسمح بتحوّل إيران إلى دولة نووية لكنها سلّمت بأنها دولة على عتبة النووي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • السياسة الإسرائيلية المتعلقة بسعي إيران للحصول على قدرة نووية عسكرية تتلخص في جملة واحدة تقول كل شيء من دون أن تعني شيئاً. "إسرائيل لن تسمح لإيران بالحصول على قدرة نووية عسكرية". أحياناً نسمع جملة أُخرى مشابهة - "إسرائيل لا تستطيع العيش مع إيران نووية". هاتان الجملتان تلخصان السياسة الإسرائيلية القائمة منذ 30 عاماً وستكونان محور الاجتماع المرتقب بين رئيس الحكومة نفتالي بينت والرئيس الأميركي جو بايدن، والذي سيشهد بحث المفاوضات الدائرة بين الدول العظمى وبين إيران من أجل بلورة اتفاق نووي جديد. لكن ماذا يعني هذا بالضبط؟
  • لنبدأ من النهاية. عملياً، إيران اليوم هي دولة شبه نووية. بحسب تعريفات معينة، يمكن اعتبارها دولة على عتبة النووي، لكن إيران لا تملك قدرة نووية عسكرية وهنا يكمن الاختلاف الكبير والارتباك في المفاهيم. عندما تصرّح جهات إسرائيلية بأنها لن تقبل قط سيناريو إيران نووية فهي تعبّر عن مصلحة حقيقية جدية وسياسة واضحة. عندما يعلن بايدن أن "إيران لن تصبح نووية خلال ولايته" فهو يقصد ما يقوله. لكن في الحالتين التصريحات لا تتعارض بالضرورة مع الوضع القائم، لكنها تقر بواقع أن إيران اليوم هي دولة على عتبة النووي، بحسب تعريفات معينة. هذا يعني أن إسرائيل والولايات المتحدة تعرفان كيف تتعايشان مع ذلك. ليس بسلام، لكنهما تتعايشان مع هذا الواقع مع أو من دون اتفاق نووي جديد.
  • هناك تصريحات أُخرى مصاغة بطريقة مختلفة. "لا يمكن لإسرائيل الموافقة على المزيج المدمر بين نظام إسلامي راديكالي يهدد بمحو إسرائيل وسلاح نووي"، هذا أحد هذه التصريحات. هناك أيضاً تهديدات عامة، مثل "كل الخيارات مطروحة على الطاولة"، وكلمات سحرية، مثل "الردع". هناك أيضاً نقاشات علنية بشأن "إمكان هجوم إسرائيلي"، و"نافذة الفرص"، أو "إلى متى تستطيع إسرائيل عرقلة تقدم إيران".
  • عملياً، منذ بداية التسعينيات السياسة المعلنة والعمليات العسكرية والاستخباراتية السرية ضد إيران ووكلائها في الشرق الأوسط والتحركات الدبلوماسية والعامة، كلها مستقاة من خط استراتيجي أعلى مفاده "إيران لن تصبح نووية". لكن مع وضوح الصيغة هناك لغة غير دقيقة دائماً وأحياناً مضللة، في الأساس عندما يستخدمون مصطلحات مختلفة ومتغيرة - مثل دولة نووية، وقدرة عسكرية نووية، ودولة على عتبة النووي، وأجهزة طرد حديثة، ويورانيوم مخصّب، وبلوتونيوم، وزمن القفزة، وصاروخ مع رأس حربي نووي، وقدرة إطلاق، واتفاق نووي.
  • المصطلح الأكثر دلالة على خلفية المحادثات النووية هو دولة على عتبة النووي، والمعروف أيضاً بـ"الدولة النووية النائمة"، أو "دولة دوارة مفك براغي". المصطلح يصف دولة لديها رزمة كاملة – تكنولوجيا وعلم ومكونات ووسائل - تسمح لها ببناء سلاح نووي أو منشأة عسكرية نووية واحدة خلال أسابيع أو بضعة أشهر، لكنها تمتنع من القيام بذلك لاعتبارات متعددة.
  • كي تتحول إيران إلى "دولة على عتبة النووي" يجب أن يكون لديها كميات كافية من اليورانيوم المخصّب. ومن أجل صنع قنبلة نووية واحدة تحتاج الدولة إلى 220 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب على درجة 20%، وهي بحاجة إلى الوصول إلى قدرة تخصيب تصل إلى 93%. عملياً، دولة على عتبة النووي هي دولة خصّبت يوارنيوم على درجة 93%، لكنها اختارت عدم الذهاب حتى النهاية وإنتاج مواد القنبلة. من ناحية التخطيط للأمن القومي الاستراتيجي، يمكن اعتبارها دولة على عتبة النووي عندما يكون لديها كميات كافية على درجة تخصيب 20% مع قدرة تخصيب إضافية من دون أن تقوم بذلك، في الأساس عندما يكون المقصود تهديداً حقيقياً، أو شبه تهديد أمني.
  • المدة الزمنية التي تفصل بين القدرة وبين إنتاج القنبلة، سواء أكانت ستُلقى من طائرة كما في قنبلة هيروشيما وناغازاكي في سنة 1945، أم إذا كانت مركّبة على رأس متفجر لصاروخ باليستي بعيد المدى - هو زمن القفزة Breakout Time)). الاختلاف في تعريف دولة على عتبة النووي هو الاختلاف الاستخباراتي في تقدير زمن القفزة، بالإضافة إلى عدم الدقة الذي ينطوي عليه أي تقدير استخباراتي من هذا النوع.
  • ... المشكلة الأساسية في دولة على عتبة النووي ليست المدة الزمنية المطلوبة كي تتجاوز العتبة والقرار للقيام بذلك، بل حقيقة استخدام ذلك كتهديد، إذ تفترض إيران أنها قادرة على العمل بحُرية ولديها قدرة على المناورة - أي الاستمرار في تطوير صواريخ دقيقة، وزعزعة أنظمة، ومنح الحماية للإرهاب، وضرب سفن تجارية، وسائر العمليات المنسوبة إليها في الفترة الأخيرة.
  • لا تزال إسرائيل ملتزمة بمبدأ "لن نسمح بإيران نووية"، لكن عملياً، هي تعترف بواقع أن إيران دولة على عتبة النووي بكل معنى الكلمة، وتفترض أن خططاً معينة تخلق ردعاً كافياً. الولايات المتحدة أقرت بواقع أن إيران دولة على عتبة النووي. السؤال الكبير: هل الاتفاق النووي الذي تجري بلورته سيحدّ من قدراتها على التطوير بصورة دراماتيكية كما فعل الاتفاق السابق، أو سيعوض عن التقدم الذي حققته إيران منذ سنة 2019 عندما انتهكت القيود، رداً على انسحاب الولايات المتحدة الأحادي الجانب من الاتفاق في أيار/مايو 2018. في تقدير الاستخبارات في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، إيران لا تقوم بتطوير سلاح نووي، لكن مَن سيردعها عندما تخرق الاتفاق؟ في المقابل، إذا لم يوقَّع اتفاق - وهذا سيناريو محتمل - فمَن يردع إيران عن تجاوز العتبة إذا قررت القيام بذلك؟
  • التحدي المطروح الآن هو الحاجة إلى العمل مع الولايات المتحدة على بلورة سياسة ردع منسقة تعتمد على خطط واضحة، رداً على السيناريوهين. هذا ما سيحاول رئيس الحكومة نفتالي بينت الاتفاق عليه مع الرئيس بايدن. في هذه المرحلة هذا جوهري أكثر من معركة مقاطعة بوظة بن أند جيري.