الجيل العربي الشاب في إسرائيل هو أساس المشكلة ومصدر الحل
تاريخ المقال
المصدر
- الشرخ الحاد الذي نشأ بين العرب واليهود في أيار/مايو الماضي كان أكثر من تعبير عن الحرمان الاجتماعي والسياسي، أو نتيجة تحريض جهات متطرفة في المجتمع العربي. لقد جسدت أحداث أيار/مايو بقوة ضائقة الجيل العربي الشاب في إسرائيل، والتي تعبّر في جوهرها عن أزمة داخلية حادة يعيشها المجتمع العربي منذ عدة أعوام.
- الشباب الذين كانوا في طليعة أعمال الشغب، وخصوصاً في المدن المختلطة، لم يكونوا عملاء للشاباك، وأغلبيتهم الساحقة لم تكن أيضاً "جنوداً" في خدمة منظمات إجرامية، أو نشطاء في تنظيمات متطرفة، مثل التيار الشمالي للحركة الإسلامية. هم يسمَّوْن في الشارع العربي "الزعران"، ويوصَفون بأنهم ليسوا تماماً إسرائيليين ولا فعلاً فلسطينيين، وهم متنازعون بين التقاليد والحداثة، وبين الإسلام والثقافة العلمانية.
- هو جيل يعاني حالة اغتراب مزدوجة: سواء في مواجهة المجتمع اليهودي والدولة، أو في مواجهة مرجعيات السلطة في المجتمع العربي، بما فيها أهاليهم. ثلث هؤلاء الشبان تتراوح أعمارهم ما بين 18و24 عاماً ولا يفعلون شيئاً. المقصود نحو 70 ألف شاب لا يدرسون ولا يعملون، ويشكلون خزاناً متاحاً لمنظمات الجريمة. هم قاموا بدورهم في بداية الحوادث العنيفة وأعمال التخريب في أيار/مايو، ويمكن أن يسقطوا كثمار ناضجة بين يدي الجهات المتطرفة التي ستحاول تشجيع العنف لأسباب قومية.
- إنه الجيل الذي كبر خلال حوادث تشرين الأول/أكتوبر 2000، التي أحدثت شرخاً حاداً بين الجمهور العربي وبين سلطات الدولة. يومها شعر الجمهور العربي بالاغتراب إزاء سلطات فرض القانون واتهمها بالتعامل مع المواطنين العرب كتهديد أمني. من جهتها قلصت الشرطة تواجدها ونشاطها في المجتمع العربي. وأدى ذلك إلى مرور عقدين لـ "مجتمع من دون شرطة". الشبان الذين وُلدوا في تلك الفترة كبروا في جو من التحدي وعدم الثقة بالشرطة، ترافق ذلك مع تقويض سلطة المرجعيات في المجتمع العربي، وهو ما أدى إلى شعور قوي بالتفكك الداخلي والفراغ والضياع.
- أظهرت أحداث أيار/مايو مشكلات أساسية في المجتمع العربي في إسرائيل جرى تهميشها أعواماً عديدة ولم تعامَل كقضايا تدخل في المجال الجنائي والنظام العام أو كـ"شؤون عربية". هذه المشكلات، وفي طليعتها ضائقة جيل الشباب، انفجرت بقوة وانزلقت إلى المجال اليهودي العام، وانطوت على احتكاكات غير مسبوقة بين الشعبين. الأزمة أكدت أن المشكلات الأساسية في المجتمع العربي تشكل تحدياً استراتيجياً لا يمكن استمرار تجاهله. ليس المقصود "تهديداً أمنياً" أو تحدٍّ للنظام العام، بل قضايا جوهرية تتعلق بطبيعة الدولة والعلاقة بينها وبين كل مواطنيها.
- دلت الأزمة الأخيرة على أنه يتعين على إسرائيل بلورة استراتيجيا منهجية في موضوع المجتمع العربي وإعطاء ضائقة جيل الشباب الأولوية في هذا الإطار. حتى الآن تنتهج الدولة سياسة إطفاء الحرائق بدلاً من رؤية الصورة الواسعة وفهم الترابط بين مجمل المشكلات في المجتمع العربي: الجريمة، والعنف، والبناء غير القانوني، والضائقة الاقتصادية، والفجوات في التعليم، وتعديل التشريعات المجحفة. الجواب هو تجميع كل القضايا ضمن إطار استراتيجيا منتظمة بإدارة مدير أو وزارة حكومية مختصة يكون عملها معالجة الموضوع.
- فيما يتعلق بحاجات جيل الشباب هناك حاجة للقيام بخطوات فورية: تشجيع النشاطات الترفيهية (بما فيها إقامة مراكز اجتماعية وحركات شبابية ومراكز رياضية في البلدات العربية)، تقليص الفجوات في التعليم وبصورة خاصة تحسين مستوى تعلّم اللغة العبرية في المؤسسات التعليمية العربية، وإقامة مراكز تأهيل وإعداد مهني، وتشجيع الخدمات المدنية التي تشغل الشباب العربي وتشكل فصلاً جوهرياً في الانتقال من المدرسة الثانوية إلى المواطنة وتتيح لهم مساعدة المجتمع وتعزز علاقتهم بالدولة.
- فيما يتعلق بالجريمة والعنف، يجب على المجتمع العربي أن يكون متعاوناً في كل الخطوات، وأن تكون علاقته بأجهزة الدولة متينة. كما أنه بحاجة إلى إجراء عملية نقد ذاتي معمقة، مثل مسألة عدم التواصل بين الأجيال، والتدخل المحدود في منظومة التعليم، وضائقة الشباب والتثقيف ضد العنف. حتى اليوم شهد المجتمع العربي مبادرات في هذا الشأن، لكنها كانت محدودة الحجم نسبياً.
- يجسد جيل الشباب ما ستكون عليه صورة المجتمع العربي في إسرائيل في المستقبل، وما ستكون عليه العلاقة بالدولة وبالمجتمع اليهودي. ومن دون معالجة عميقة وسريعة لضائقة الشباب العربي من المعقول أن تكون المواجهات المقبلة بين المجتمعيْن مسألة وقت، كما يمكن أن تكون أكثر حدة بكثير من أحداث أيار/مايو.
الكلمات المفتاحية