هل هناك تغيير في سياسة مصر في الشرق الأوسط، وما هي التداعيات على إسرائيل؟
تاريخ المقال
- ترى مصر أن هناك فرصة للدفع قدماً بأهدافها الاستراتيجية في الساحة الإقليمية وفي واشنطن، اتفاق المصالحة مع قطر، ووقف إطلاق النار في ليبيا، وتغيّر السياسة العدائية التركية، وانعكاسات المعركة في قطاع غزة على مكانة مصر، كل ذلك أدى إلى بلورة استراتيجيا ناجعة للدفع قدماً بأهدافها الأمنية والسياسية وإحكام قبضتها في الساحة الداخلية.
- ضمن هذا الإطار حكمت محكمة الاستئناف المصرية في 14 حزيران/يونيو 2021 على 12 عضواً رفيع المستوى في قيادة الحركة السياسية الدينية للإخوان المسلمين بالإعدام بتهمة التحريض على القتل. الموعد النهائي لتنفيذ الحكم تُرك للرئيس المصري. المفارقة أن قرار المحكمة صدر في أثناء محادثات التسوية التي جرت في القاهرة مع قيادة "حماس" برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، الذي يعرف جيداً الذين حُكم عليهم بالإعدام.
- يدل قرار المحكمة على ثقة النظام الذي يقود عملية القضاء على الزعامة السياسية والروحية للإخوان المسلمين، انطلاقاً من التقدير أن هذه الخطوة لن تنعكس على استقراره، ولن تؤذي مكانته في الساحتين الإقليمية والدولية. توقيت الخطوة المصرية كان مُحكماً، في ضوء المشكلات الإقليمية المهمة المطروحة على جدول الأعمال، والرصيد المتزايد للقاهرة في جزء كبير منها: غزة والقضية الفلسطينية، ووقف إطلاق النار في ليبيا، والاتفاق النووي الآخذ في التبلور بين الولايات المتحدة وإيران.
- إن السياسة الداخلية العنيفة ضد الإخوان المسلمين صارت ممكنة أيضاً في ضوء تغيّر علاقات مصر السياسية مع قطر، وإلى حد ما مع تركيا. اتفاق المصالحة الموقّع في كانون الثاني/يناير 2021، بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر وبين قطر برعاية أميركية، أدى إلى اتخاذ القاهرة قرارها بشأن ترميم العلاقات مع الدوحة. بعد مرور أسبوعين على المصالحة أعلن وزير الخارجية المصرية عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. في أيار/مايو الماضي زار وزير الخارجية القطري القاهرة وأعلن أن الرئيس السيسي هو الممثل الشرعي للشعب المصري. في حزيران/يونيو زار وزير الخارجية المصري الدوحة وظهر في مقابلة على قناة الجزيرة التي خففت من انتقاداتها للنظام المصري منذ بدء المصالحة بين الدولتين.
- المصلحة المصرية في تحريك العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع قطر ناجمة عن فهم ذكي للمخاطر، وعن تقدير بأن الفائدة في الاتفاقات أكبر من التهديد الذي تنطوي عليه. ليس لدى النظام المصري أوهام بشأن العلاقة العميقة القائمة بين قطر وبين حركة الإخوان المسلمين. مع ذلك ينطوي توثيق العلاقات مع قطر على ربح استراتيجي لا يمكن للقاهرة أن تتجاهله: جذب استثمارات أجنبية إلى الاقتصاد المصري الذي يعاني جرّاء مشكلات أساسية صعبة فاقمتها أزمة الكورونا، واحتمال الدفع قدماً بمصالح أمنية-وطنية في ليبيا وأثيوبيا.
- ضمن هذا السياق أدى اتفاق وقف إطلاق النار الهش، الذي وُقّع بين قوات الجيش الوطني في بنغازي وحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، إلى تركيز القاهرة جهدها الدبلوماسي على بلورة حكومة وحدة متفَّق عليها لا تشكل خطراً مستقبلياً على حدودها الغربية، وتقلل من خطر تصعيد عسكري شامل. تخوُّف القاهرة من تمركز عسكري تركي في ليبيا ومن انخراط ميليشيات مؤيدة للإخوان المسلمين في الجيش الليبي يمكن أن تشكل مصدر تأييد للإخوان في مصر نفسها، أدى إلى تحرك دبلوماسي مصري واسع أيضاً إزاء قطر التي تُعتبر عنصراً مؤثراً في تركيا وحكومة الوفاق الوطني بهدف ترسيخ الاستقرار وإخراج كل القوات الأجنبية من ليبيا.
- بالإضافة إلى ذلك، تملك قطر رافعات اقتصادية في أثيوبيا تريد مصر استغلالها للضغط في قضية سد النهضة. حل النزاع مع أثيوبيا يشكل مصلحة مركزية في نظر السياسة المصرية يمكن أن تكون له تداعيات على استقرار النظام.
- يُضاف إلى ذلك التغير في سياسة أنقرة الخارجية حيال القاهرة، والذي برز في الأشهر الأخيرة. فالمصلحة التركية تقتضي ترميم العلاقات مع مصر، وذلك في غياب مشروع واقعي لعودة الإخوان المسلمين إلى الحكم، والرغبة في منع العزلة الإقليمية وكبح خطوات يونانية - مصرية – قبرصية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط وفي ليبيا، وتخفيف الاحتكاكات بالقاهرة. الرئيس أردوغان خفف من الخطاب العدائي ضد الحكم المصري، وأعلن رغبته في زيادة التعاون بين الدولتين والدفع قدماً بخطوات تبني الثقة. من جهة أُخرى لا تزال تركيا تستثمر في تمركزها العسكري في ليبيا وإقامة قاعدة لوجستية تخدم التجارة مع أفريقيا وتوثيق التعاون الاستراتيجي مع طرابلس. وبينما تُظهر أنقرة استعدادها المبدئي لسحب وكلائها والمرتزقة من ليبيا، فإنها لا تنوي أبداً التخلي عن سيطرتها الأمنية والاقتصادية المتزايدة على الدولة.
- في الخلاصة، وجدت مصر في التغيّر الإقليمي الذي حدث فرصة لضرب حركة الإخوان المسلمين داخلياً، والدفع قدماً بأهدافها السياسية والأمنية في المنطقة وفي واشنطن. في المقابل هي لا تزال تعتبر تركيا تهديداً استراتيجياً متعدد الأبعاد، وخطراً على المصلحة الأمنية - الوطنية المصرية، ولا تنوي القاهرة تغيير سياستها حيالها في هذه المرحلة.
- التداعيات على إسرائيل تفرض فهم الاستراتيجيا المصرية النشطة التي تخدم قبل كل شيء جدول أولويات وطنياً وأمنياً لا يتلاءم بالضرورة مع مصالح القدس. ضمن هذا السياق، وفيما يخص التسوية في قطاع غزة، ستحاول القاهرة بلورة حل يمنع تصعيداً أمنياً إضافياً، وإشراك قطر في هندسة إعادة الإعمار التي تقودها، وإحياء العملية السياسية من أجل تعزيز مكانتها في واشنطن والمنطقة، واستخدام ذلك للدفع قدماً بأهدافها حيال أثيوبيا وليبيا. في المقابل، تواصل القاهرة كبح أي مشروع للتطبيع مع إسرائيل، والفجوة لا تزال قائمة بين الخطاب العام والإعلامي العدائي وبين الخطاب الأمني والسياسي الحميم، وعلى ما يبدو لن تتغير قريباً.
- مع ذلك، الرصيد الإسرائيلي الذي لمصر في المنطقة وإزاء واشنطن والمصالح المشتركة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وفي الأساس إزاء تركيا، وازدياد التعاون في مجالات اقتصاد الطاقة وشبكة العلاقات الأمنية- والعسكرية الوثيقة التي تراكمت في الأعوام الأخيرة تشكل أدوات مهمة لتقليص الفجوات السياسية وتعزيز التعاون الاستراتيجي بين الدولتين، وكذلك في السياق الفلسطيني.