رد ضعيف لا يؤدي إلى الردع
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • الرد الإسرائيلي الضعيف على استفزازات "حماس" أمس لا يتطابق مع وعود رؤساء المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي بعد عملية "حارس الأسوار". فور التوصل إلى وقف إطلاق النار، تعهد وزير الدفاع بني غانتس ورئيس الحكومة حينها بنيامين نتنياهو أن "ما حدث لن يحدث"، لكن الهجوم الجوي المدروس على معسكرات تدريب فارغة تابعة لـ"حماس" في خان يونس في غزة، رداً على إطلاق بالونات مشتعلة أمس، كان من الردود التي لا تؤثر في الغزّيين منذ وقت طويل.
  • صحيح أن الحكومة والجيش انتهجا ضبط النفس قبل العملية الأخيرة حيال إطلاق البالونات المشتعلة على حقول غلاف غزة، وإزاء أعمال الشغب على السياج الحدودي، بحجة أن الأضرار التي تسببت البالونات المشتعلة بها كانت ضئيلة ويجب عدم المجازفة بتصعيد بسبب الضجيج الذي يقوم به شبان من غزة خلال الليل، لكن ضبط النفس هذا فسّرته "حماس" بأنه علامة ضعف، وإظهار الضعف يؤدي إلى تآكل الردع كما هو معروف في منطقتنا. لقد كان هذا أحد الأسباب الأساسية التي تجرأت "حماس" والجهاد الإسلامي بسببها على توجيه إنذار بشأن القدس في الشهر الماضي - وهكذا تدهورنا إلى العملية الأخيرة.
  • الرد الإسرائيلي على إطلاق البالونات الحارقة من غزة كان سريعاً نسبياً، لكنه غير كاف، وتأثيره أيضاً كان محدوداً. الهجوم الجوي الذي قرره رئيس الحكومة نفتالي بينت ووزير الدفاع بني غانتس لا يرسخ الردع الذي وعد غانتس ونتنياهو بالمحافظة عليه بعد عملية "حارس الأسوار"، لا بل أسوأ من ذلك.
  • لقد أكد هذا الرد الإسرائيلي معادلة الردع الجديدة التي تريد "حماس" فرضها، معادلة مفادها إذا لم تخضع إسرائيل لمطالب "حماس" الإسلامية في القدس، فسيدفع اليهود من سكان غلاف غزة ثمناً بالأملاك والأرواح. أمس وجهت "حماس" إنذاراً إضافياً إلى حكومة إسرائيل، وفي رأيها، هذا ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تغيير مسار مسيرة الأعلام. حسناً فعل وزير الأمن الداخلي والقائد العام للشرطة عندما غيّرا مخطط المسيرة لمنع حدوث استفزازات ضد الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية من جانب متطرفين يهود. لكن كعادتها، "حماس" سارعت إلى تسجيل ربح على الوعي واعتبرت الخطوة الإسرائيلية العاقلة خضوعاً لمطالبها.
  • ومن أجل الإنصاف تجدر الإشارة إلى ثلاثة أسباب محتملة لهذا الرد الإسرائيلي المضبوط والضعيف. الأول، ليس لدولة إسرائيل الآن مصلحة في الدخول في جولة تبادُل إطلاق نار حتى ولو كانت قصيرة. مثل هذه الجولة يمكن أن يعرقل الحياة الاقتصادية في إسرائيل، ويؤدي إلى تضاؤل مخزون السلاح الدقيق والغالي الثمن- وسيثير انتقادات دولية أيضاً من طرف واشنطن.
  • السبب الثاني، بالإضافة إلى النقد الدولي حقيقة أن إدارة بايدن تسعى الآن للتهدئة في الشرق الأوسط كي تتفرغ لمواجهات أُخرى مع الصين وروسيا. وتطلب الإدارة الأميركية من إسرائيل مساعدتها في هذا الشأن.
  • السبب الثالث للرد الضعيف والمضبوط هو الرغبة في إعطاء فرصة للوساطة المصرية. رئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل ورجاله يعملون بجدية للتوصل إلى تسوية طويلة الأجل في غزة يمكن أن تتضمن تهدئة أمنية وإعادة إعمار القطاع، وأيضاً تخفف من الضائقة الحياتية لسكانه. يجب أن يُضاف إلى ذلك منع تعاظُم القوة العسكرية للتنظيمات في غزة وصفقة تبادُل الأسرى.
  • طلبت مصر من إسرائيل إظهار ضبط النفس، فاستجابت إسرائيل لطلبها، من بين أمور أُخرى، لأن الحكومة الجديدة لم تبدأ عملها والمجلس الوزاري المصغر لم يجتمع بعد لتحديد سياسته بشأن مسألة غزة. لكن يجب أن نتذكر أيضاً أن مصر لم تنجح بعد عملية "الجرف الصامد" في سنة 2014 في بلورة اتفاق بين الفصائل المختلفة على شروط وقف إطلاق النار، واستمرت المفاوضات وقتاً أكثر مما هو مبرّر له من الناحية العسكرية والموضوعية، الأمر الذي سمح لـ"حماس" بأن تُلحق بنا خسائر وأضراراً غير ضرورية.
  • هذه المرة، بعد "حارس الأسوار" يجب أن نكون حذرين ونمنع حدوث ذلك. لن نضطر إلى الانتظار طويلاً كي نعرف ما إذا كانت حكومة إسرائيل تكرر أخطاء الماضي، وإذا كانت ستنجح في كسر معادلة الردع المتبادَل التي تحاول "حماس" فرضها مثلما فعل حزب الله.
  • الاختبار المقبل للحكومة الجديدة في إسرائيل فيما يتعلق بموضوع غزة سيأتي في وقت قريب جداً بعد بضعة أيام. إذا أصرت إسرائيل على عدم تحويل المال القطري إلى "حماس"، وإذا لم تتراجع عن مطلبها بمنع تعاظُم قوة "حماس" وربط موضوع الأسرى والمفقودين بالموافقة على إعادة إعمار غزة، فيمكن أن تحاول "حماس" والجهاد الإسلامي فرض مطالبهما علينا بواسطة إطلاق صواريخ وبالونات مشتعلة، حينها ستحين الفرصة المقبلة لحكومة إسرائيل كي تحاول تطبيق قواعد لعبة جديدة في مواجهة الغزّيين. وهذا ضروري حتى لو تطلب الأمر جولة قتال أُخرى وأدى إلى انتقادات في الساحة الدولية.