التكاليف الاقتصادية لعملية "حارس الأسوار"
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- حدثت عملية "حارس الأسوار" في وقت كان الاقتصاد الإسرائيلي يمر بعملية تعافٍ من أزمة الكورونا، التي أدت إلى الانكماش في الناتج الإجمالي المحلي وزيادة كبيرة في العجز وقفزة في الديْن الوطني. التجربة التي تراكمت خلال أزمة الكورونا ساهمت من ناحية في استمرار النشاط الاقتصادي حتى خلال القصف الكثيف على الجبهة الداخلية في دولة إسرائيل. لكن من ناحية أُخرى أدت العملية العسكرية إلى تراجُع النشاط الاقتصادي مثلما حدث جرّاء فترات الإغلاق في أزمة الكورونا، وهو ما ترك أسئلة كثيرة تتعلق بالتكاليف الباهظة للعملية العسكرية وتداعياتها الاقتصادية بعد انتهاء العملية.
- تتألف التكاليف الاقتصادية للعملية من ثلاثة مكونات أساسية: التكاليف العسكرية المباشرة للقتال، والضرر الذي لحِق بالنشاط الاقتصادي، والضرر الذي أصاب الجبهة الداخلية. البند الأول تجلى في ثمن السلاح الذي استخدمه الجيش (بينه صواريخ اعتراضية، سلاح دقيق وقذائف مدفعية)، ثمن استخدام المنصات المتعددة (مثل الطائرات الحربية والدبابات)، وتكلفة تجنيد واستخدام قوات نظامية وقوات الاحتياطيين. التكلفة بالنسبة إلى الاقتصاد كله تتجلى في خسارة أيام عمل، وإغلاق، أو عمل جزئي للمصانع أو المتاجر، وانخفاض في الطلب. وفي الختام الضرر الذي أصاب الأملاك، في الأساس المباني والسيارات بسبب تساقُط الصواريخ على إسرائيل والتعويضات التي ستدفعها الدولة للمتضررين. يجب أن نضيف إلى ذلك الأضرار التي لحقت بالأملاك الخاصة والعامة جرّاء الاضطرابات التي نشبت في المدن المختلطة.
- التكاليف العسكرية المباشرة: إحدى الصعوبات في تقدير هذه التكاليف هي الاختلاف في الآراء في هذا السياق في كل مرة بين وزارة الدفاع وبين وزارة المال لأسباب مفهومة. كان تقدير وزارة الدفاع لتكاليف عملية "الجرف الصامد" هو 9 مليارات شيكل، بينما كان تقدير وزارة المال 6.5 مليارات شيكل. في النهاية المبلغ الذي حُدد كان 7 مليارات شيكل. على الرغم من ذلك في الإمكان تقدير تكاليف القتال بحسب التكاليف الأساسية، بينها تكلفة يوم قتال جوي في عملية "الجرف الصامد" (تتراوح ما بين 80-120 مليون شيكل) وتكلفة صاروخ اعتراضي في القبة الحديدية (50 ألف دولار للصاروخ). ونظراً إلى أن القتال في عملية "حارس الأسوار" كان أكثر كثافة، من المعقول الافتراض أن تكلفة يوم قتال جوي أغلى بمرتين من تكلفة يوم قتالي في "الجرف الصامد". مع ذلك، المدة القصيرة التي استغرقتها عملية "حارس الأسوار" وتركيزها على القتال الجوي من المتوقع أن يخفّضا التكاليف العسكرية المباشرة إلى نحو 4-5 مليارات شيكل.
- الأضرار التي لحقت بالأملاك جرّاء إطلاق الصواريخ على إسرائيل: في عملية "الجرف الصامد" بلغ عدد طلبات التعويضات عن أضرار مباشرة 4600 وحجم التعويضات التي دُفعت بلغ 200 مليون شيكل، أي نحو 44 ألف شيكل لكل طلب. وبالاستناد إلى بيانات مصلحة الضرائب، مع نهاية "حارس الأسوار" جرى تقديم 5245 طلباً إلى صندوق التعويضات عن أضرار مباشرة. ومن شبه المؤكد هذه المرة أن الأضرار ستكون أكثر فداحة بسبب قدرة الإيذاء الكبيرة للصواريخ التي أُطلقت من القطاع. بناء على ذلك، من المتوقع أن يكون حجم المطالبة بالتعويض أكبر - وفي تقدير أولّي نفترض أنها ستكون 60 ألف شيكل للطلب الواحد، وهو ما يجعل مجموع التعويضات يصل إلى نحو 315 مليون شيكل.
- أضرار النشاط الاقتصادي: بالاستناد إلى حسابات أولية في شعبة الاقتصاد لاتحاد الصناعيين، بلغت التكاليف الاقتصادية خلال العملية نحو 1.2 مليار شيكل. يعتمد هذا التقدير في الأساس على خسارة أيام العمل لنحو ثلث العاملين في منطقة الجنوب، بينما يقدّر أنه خلال العملية تقلصت أيام العمل في منطقة وسط إسرائيل نحو 10% فقط. أي أن البعد عن القطاع بدأ أساسياً في هذا المعنى. من هنا فإن مكوّن التكاليف أقل هذه المرة بنحو 20% مقارنة بـ"الجرف الصامد" (1.5 مليار شيكل). مسألة ثانية تطرح في هذا السياق تراجع الطلب خلال العملية وما ينتج منه من ضرر اقتصادي. تدل تجربة العمليات السابقة على ازدياد الطلب في قطاع الاستهلاك المنزلي بعد الجولات العسكرية، وهو ما يعوّض إلى حد كبير الخسائر الأولى. لا نعرف في هذه المرحلة ما إذا كان هذا سيحدث أيضاً في الأسابيع والأشهر المقبلة، بينما يُضاف هذه المرة انزلاق المواجهات إلى الجبهة الداخلية.
- مواجهات شديدة القوة مترافقة مع اشتعال الساحة الداخلية يمكنها أن تؤدي إلى زيادة التكاليف. لكن مما لا شك فيه أن المدة القصيرة نسبياً لـ"حارس الأسوار" ساهمت كثيراً في تقليص التكاليف الاقتصادية مقارنة بعملية "الجرف الصامد". يجب أن نضيف إلى ذلك عوامل خاصة ساعدت الاقتصاد على الانتقال من الحياة الطبيعية إلى حالة الطوارىء، ثم العودة إلى الحياة الطبيعية بسهولة أكبر منها:
- "العودة العامة" من سنة الكورونا: بعكس جولة القتال السابقة، في "حارس الأسوار" تأقلم الاقتصاد بسرعة مع نمط العمل الذي تعلمه في زمن أزمة الكورونا، في الأساس من خلال العمل من البيت، لذا لم تتضرر قطاعات كثيرة. وعلى وجه الخصوص كان الضرر ضئيلاً في قطاع التكنولوجيا المتقدمة الهاي - تك، المسؤول عن 52% من التصدير الإسرائيلي. كما ساهمت في خفض التكاليف قدرة جهاز التعليم على تكييف نفسه بسرعة مع التعلم عن بُعد، مستنداً إلى التجربة التي راكمها خلال أزمة الكورونا. وأدى هذا الى منع الإغلاق الكامل الذي يجعل تكلفة العملية أغلى جرّاء خسارة أيام العمل للأهالي ولأولادهم.
- تعبئة محدودة للاحتياطيين: التكلفة اليومية للجندي الاحتياطي هي أكثر من 500 شيكل. في "حارس الأسوار" كانت تعبئة الاحتياطيين محدودة جداً (أقل من 10 آلاف جندي احتياطي) وكانت العملية قصيرة نسبياً، لذلك كانت التكاليف أقل بكثير من عملية "الجرف الصامد" التي جرت خلالها تعبئة 40 ألف جندي احتياطي لفترة زمنية طويلة نسبياً.
- توقُّف الاقتصاد فقط خلال نصف أيام القتال: خلال الأيام الأولى للقتال لم تكن القيود المفروضة على الاقتصاد كبيرة، وعلى مسافة 80 كيلومتراً من القطاع لم يسجَّل تغيُّب كبير عن أماكن العمل. كذلك في جزء من أيام القتال - كان عيد البواكير الذي استمر 4 أيام - كان من المفترض أن يكون النشاط الاقتصادي محدوداً بصورة تلقائية.
- تكيّف المصانع وتحصينها: استناداً إلى التجربة التي تراكمت خلال جولات القتال السابقة، لم تتوقف المصانع القريبة من القطاع، في معظمها، عن العمل بل كانت محصنة وتعمل بحسب نماذج تسمح لها بالاستمرار في العمل على الرغم من إطلاق الصواريخ.
- السياحة: أولاً، للسياحة وزن ضئيل جداً في الناتج العام في إسرائيل (نحو 2% فقط)، ثانياً، نتيجة أزمة الكورونا، لا يأتي الكثير من السياح إلى إسرائيل، لذا الضرر الذي لحق بالقطاع كان ضئيلاً جداً، وحتى غير موجود في المدى القصير. للمقارنة في تقرير بنك إسرائيل في أواخر سنة 2014 التي جرت خلالها عملية "الجرف الصامد" بلغت الخسارة التي تكبدها قطاع السياحة نتيجة العملية 2 مليار شيكل.
- بالإضافة إلى ذلك، في استطاعة الاقتصاد الإسرائيلي أن يستمد التشجيع من حصانة السوق المالية الإسرائيلية: في الأعوام الأخيرة سُجّل توجه بارز يُظهر أن السوق المالية المحلية أقل تأثراً بالأحداث في ساحة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وأكثر تأثراً بالاقتصاد العالمي. في "حارس الأسوار" برز مجدداً كيف لم تؤثر الأضرار التي لحقت بالاقتصاد خلال المواجهة في السوق المالية المحلية، لا بل ارتفعت المؤشرات المركزية قليلاً مقارنة بمستوياتها عشية العملية. مع ذلك يجب القول إن استمرار العملية وقتاً طويلاً كان يمكن أن يضر بالسوق المالية.
- ما ذكرناه سابقاً يتناول التكاليف التي ظهرت حتى الآن، لكن يمكن الافتراض أن "حارس الأسوار" ستؤدي إلى تكاليف إضافية في المستقبل. على سبيل المثال مسائل تحصين الجبهة الداخلية التي عادت لتُطرَح على جدول الأعمال بعد أن تبين أن نسبة كبيرة من البلدات الواقعة في مرمى النيران، وخصوصاً عسقلان، ليست محصنة أو أن تحصينها الحالي ليس ناجعاً بما يكفي. التقدير الأولّي للتحصين الكامل لمدينة عسقلان يبلغ 1.4 مليارات شيكل، وعلى ما يبدو يجب أن تنضم مستوطنات أُخرى تقع حولها إلى الرزمة المالية للتحصين.
- مسألة أُخرى هي صورة إسرائيل في العالم: شبكات وسائل الإعلام الأجنبية وشبكات التواصل الاجتماعي نشرت صوراً قاسية للقتال من خلال توجيه تهم كبيرة ضد إسرائيل. من غير الممكن في هذه المرحلة تقدير الضرر الاقتصادي الناتج من تشويه صورة إسرائيل، لا من ناحية السياحة ولا من ناحية الاستثمارات والتسويق. لكن يمكن الافتراض أنه ستترتب على ذلك أثمان. لذلك يجب أن نستعد أيضاً في هذه الجبهة - مرة جديدة أخفقت إسرائيل في نقل صورة متوازنة، سواء فيما يتعلق بالأسباب العميقة لجولات القتال أو فيما يتعلق بما يحدث فعلاً خلالها.