الوضع في القدس ويافا متفجر وعلامات الاستفهام المحيطة بالانتخابات الفلسطينية تزيد التوتر
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بينما يرتكز اهتمام إسرائيل الاستراتيجي على إيران، ويكرس السياسيون ساعات يومهم لمناورات يائسة من أجل البقاء، يتشكل في الأيام الأخيرة خليط متفجر جديد في القدس حول الساحة الفلسطينية. إنه مزيج إشكالي من الحوادث المحلية، والتوتر في أيام شهر رمضان، وتأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وصحوة نشطاء يهود من اليمين. في الخلفية تختمر أزمة سياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تتعلق بمسألة الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في القدس الشرقية.
  • الصور من وسط القدس أول أمس ذكّرت بمشاهد من الصيف الكئيب 2014، كان من الأفضل أن ننساها. قبل 7 سنوات أدت الرغبة في الانتقام لمقتل 3 شبان يهود خُطفوا في غوش عتسيون إلى مقتل الشاب الفلسطيني محمد الخضير. هذه المرة طارد شبان يهود عابري سبيل عرباً في وسط المدينة. بعضهم تعرض للضرب. الدافع إلى اشتعال الوضع هذه المرة أكثر تواضعاً - موجة فيديوهات عُرضت على شبكة التواصل الاجتماعي تيك توك، بينها صور لشبان فلسطينيين صوروا أنفسهم يهاجمون يهوداً، أغلبيتهم من المتدينين أو من الحريديم، في شوارع القدس، وفي القطار الخفيف. وكالعادة أيضاً، ساهم نشطاء من اليمين المتطرف في التطرف والدعوة إلى الانتقام.
  • ساهمت في دائرة الهجمات والانتقامات توترات معينة لها علاقة بشهر رمضان، وخصوصاً التوتر الذي ساد شرقي المدينة جرّاء قرار الشرطة منع التجمعات على مدرجات ساحة بوابة نابلس لاعتبارات أمنية.
  • عُرضت في وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات عنف فلسطيني ضد يهود بالإضافة إلى عنف الشرطة حيال سكان المدينة القديمة. وشارك في المواجهات مئات من الفلسطينيين وعشرات من رجال الشرطة، والتي أدت إلى إصابة البعض بجروح طفيفة. نير حسون أوضح لـ"هآرتس"، أن إغلاق المدرجات اعتُبر في القدس الشرقية رمزاً للإهانة من طرف إسرائيل، ومسّاً بتقاليد رمضان.
  • كالعادة أيضاً، صراعات الحرم القدسي تصب الزيت على النار. في الأسبوع الماضي قطعت الشرطة مكبرات الصوت عن المؤذن في المسجد الأقصى كي لا تؤدي الدعوة إلى الصلاة إلى إزعاج إحياء ذكرى قتلى الجيش الإسرائيلي في الحائط الغربي. وعلى خلفية قيود الكورونا، سمحت إسرائيل بدخول 10 آلاف فلسطيني من الضفة الغربية للصلاة في الحرم القدسي في رمضان شرط أن يكونوا قد تلقوا اللقاح. فعلياً هناك عدد أكبر بكثير يريد المجيء وليس هناك رقابة حقيقية على مسألة ما إذا كانوا تلقوا اللقاح، بينما يواصل الوباء تفشّيه في الضفة (أغلبية الملقحين هناك عمال يعملون في إسرائيل والمستوطنات). في الشهر الماضي أُلغيت زيارة الأمير الأردني حسين إلى المسجد الأقصى بسبب خلاف مع إسرائيل على إجراءات الحماية. هذا الشهر أجرى الأردن تغييرات في تركيبة مجلس الأوقاف تقلق الفلسطينيين إلى حد ما.
  • الأحداث الأخيرة في القدس أُضيفت إلى حوادث وقعت ليلاً في يافا مؤخراً، حيث أقدم سكان من العرب على ضرب رئيس يشيفيا، بعدها وقعت مواجهات عنيفة بين سكان عرب وبين الشرطة. جرت هذه الحوادث في ظل مرحلة حساسة تمر بها العلاقات اليهودية العربية على خلفية الوضع السياسي غير المسبوق، بينما تحاول كتلة راعم للمرة الأولى التموضع كبيضة قبان بين الكتلة المؤيدة لنتنياهو والكتلة المعارضة له. في مقابلها أعلنت كتلة اليهودية الصهيونية اليمينية المتطرفة أنها لن تشارك في ائتلاف يعتمد على أعضاء كنيست عرب، حتى لو أيدوا الحكومة من الخارج.
  • في الخلفية يستمر المأزق السياسي الذي يواجه السلطة الفلسطينية، وهو من صنع يدي رئيس السلطة محمود عباس. لقد فاجأ عباس إسرائيل، وربما فاجأ نفسه عندما قرر في العام الماضي إجراء انتخابات عامة في الضفة الغربية وقطاع غزة للمرة الأولى منذ 15 عاماً. "حماس" تتعاون معه في هذا الشأن، وأيضاً داخل "فتح" كان هناك في البداية تأييد واسع نسبياً للقرار، سواء على خلفية الحاجة إلى شرعية لاستمرار سلطتها، أو بسبب اعتقاد جزء من المسؤولين الرفيعي المستوى المحيطين بعباس أن الانتخابات ستساعدهم في ترسيخ مكانتهم في مواجهة الصراع على خلافة الزعيم البالغ من العمر 85 عاماً.
  • لكن في هذه الأثناء ازداد تخوف قيادة السلطة من نتائج الانتخابات، بالإضافة إلى الصعوبة في لجم لاعبين مستقلين، مثل مروان البرغوثي، رجل "فتح" المسجون في إسرائيل منذ 19 عاماً، الذي يبدو مصراً على فحص ما إذا كانت شعبيته في الضفة ستُترجَم في فوزه كمرشح للرئاسة. لقد جرى تحذير عباس أكثر من مرة من طرف محاوريه الإسرائيليين من أن الرهان على الانتخابات يمكن أن ينتهي بهزيمة تحمل "حماس" إلى السلطة في الضفة، ولن يكون في استطاعة "فتح" التعافي منها.
  • مؤخراً يجس مسؤولون رفيعو المستوى في السلطة النبض بشأن إمكان أن تنقذهم إسرائيل من الورطة. الفكرة المطروحة كانت تضخيم الأزمة بشأن تصويت سكان القدس الشرقية. سيكون من الصعب على حكومة إسرائيلية يمينية وضع صناديق اقتراع للسلطة الفلسطينية في القدس الشرقية (على الرغم من أن هذا الأمر حدث في الماضي خلال ولاية حكومات بيرس وشارون وأولمرت، في الانتخابات التي جرت في السلطة في 1996، و2005، و2006).
  • رفضٌ إسرائيلي لمشاركة سكان القدس الشرقية في الانتخابات، يمكن أن يزود عباس بذريعة لتأجيل الانتخابات بحجة أن الإسرائيليين لا يسمحون له بإجراء عملية ديمقراطية نظيفة، وأنه لا يستطيع التخلي عن أبناء شعبه في القدس. لكن في هذه الأثناء تبعث إسرائيل إلى عباس برسائل واضحة في هذا الشأن. إذ بيّنت له من خلال قنوات غير رسمية أنه في ضوء الوضع السياسي الفوضوي السائد في الجانب الإسرائيلي، من غير المكن تقديم رد متفق عليه في موضوع القدس الشرقية في وقت قريب. الكرة لا تزال في الملعب الفلسطيني، وذلك قبل شهر من الموعد المحدد للانتخابات البرلمانية.
  • إسرائيليون على علاقة بالمقاطعة في رام الله لديهم شعور بأن الأمر قد قُضي. فبحسب كلامهم، استوعب عباس متأخراً حجم الورطة، وهو يبحث اليوم عن سلّم للنزول بسرعة عن الشجرة. في قيادة السلطة يشعرون بالقلق، وخصوصاً إزاء قائمة المرشحين الجذابة التي بلورتها "حماس"، بينما "فتح" متخاصمة ومنقسمة. في مثل هذه الظروف تزداد، في رأيهم، الفرص لإعلان عباس قريباً تأجيل الانتخابات، أيضاً من دون ذريعة إسرائيلية. وكلما جرى تأجيل هذا الإعلان حتى موعد الانتخابات، فإنه يمكن أن يستقبَل بصورة عاصفة جداً في المناطق.
  • هناك شك كبير في أن هذه المناورات المعقدة تشغل بال الشبان الفلسطينيين الذين يتعاركون مع الشرطة في الليالي بالقرب من بوابة نابلس، أو أولئك الذين يصورون أنفسهم وهم يهاجمون بعنف عابري سبيل يهوداً في المنطقة. لكن عدم الوضوح المحيط بالانتخابات في السلطة يزيد من احتدام الوضع في القدس، ويمكن أن يقدم ذرائع إضافية للعنف في الأيام المقبلة. وفي ضوء الحساسية السياسية في الجانب الإسرائيلي، ليس من المستغرب أن نكتشف أن أحداث العنف في المدينة يجري تجنيدها في خدمة مناورات البقاء لنتيناهو، الذي يحتاج إلى تأييد أحزاب يمينية إضافية في محاولاته الاحتفاظ بالسلطة.
 

المزيد ضمن العدد 3544