شراكة تبلور الواقع
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لأول مرة في التاريخ السياسي في إسرائيل يذهب مواطنوها إلى الانتخابات بينما المرشح لرئاسة الحكومة من معسكر الوسط - اليسار يعلن أنه مستعد لإقامة حكومة تعتمد على القوة السياسية للمواطنين العرب. يمكن التعامل بسخرية مع تصريح لبيد بأنه ينوي تأليف حكومة بدعم من القائمة المشتركة، لكن هذا التصريح هو جزء من تغيير دراماتيكي طرأ على السياسة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة: ارتفاع كبير وسريع في تأييد معسكر الوسط - اليسار اليهودي، ناخبون وزعماء، لحكومة تعتمد على التمثيل السياسي العربي. في بداية سنة 2021 أجرى مركز أكورد في الجامعة العبرية بحثاً أظهر أن 64% من ناخبي الوسط - اليسار اليهودي يؤيدون حكومة تعتمد على تأييد القائمة المشتركة من خارج الحكومة، و50% يؤيدون دخول القائمة المشتركة إلى الائتلاف الحكومي.
  • هذا التوجه يتأثر بالرغبة المتزايدة لدى الزعيم السياسي العربي في أن يؤثر في السياسة الإسرائيلية ويتأثر بها. وصف القانوني يوسف جبارين اللحظة التاريخية التي حصل فيها العرب على المواطنية بأنها "لحظة هزيمة" - لحظة هزيمة وخضوع جماعة سياسية وانتصار جماعة أُخرى. حالياً نحن في ذروة لحظة مؤسسة ثانية - المواطنون العرب يعلنون رغبتهم في الجلوس في قمرة القيادة والإمساك بالمقود. اللحظة الثانية هي تصحيح للحظة الأولى.
  • عوائق كثيرة تعترض طريق هذه الشراكة. لا توجد أكثرية تسارع إلى التنازل عن حقوقها واحتكارها للسلطة وقوتها في اتخاذ القرارات. منذ قيام إسرائيل يوجد نزاع قومي بين المواطنين اليهود والعرب، وهو يمتاز بهيمنة يهودية مطلقة على الحكم وعلى السيطرة على القوة. وليس غريباً عدم إسراع الأكثرية اليهودية إلى التنازل عن هذا الاحتكار والتعاون مع العرب في اتخاذ القرارات.
  • بالنسبة إلى المواطنين العرب، أيضاً المقصود عملية صعبة معناها دخول غير مسبوق إلى المجتمع السياسي ومنظومة اتخاذ القرارات في الدولة، وهذا يتطلب أيضاً الانتقال من نمط النضال المحق للحصول على الحقوق في مواجهة السلطة، إلى تأييدها، حتى لو كان تأييداً جزئياً ومتحفظاً، من أجل تحقيق أهداف مدنية وقومية. الدخول في دائرة متخذي القرارات سيترافق مع دفع "ضريبة إسرائيلية" معينة لم تتضح معالمها بعد، وعندما يحين الوقت سيضطر الجمهور العربي -الفلسطيني في إسرائيل إلى التعامل مع ذلك بحكمة وحذر.
  • على الرغم من الصعوبات التي تواجه الطرفين، برزت هذه الشراكة، ولو بحجم أكثر تواضعاً، في حكومة رابين بقيادة يتسحاق رابين وتوفيق زياد. كانت شراكة محفوفة بالصعوبات، لكنها سمحت للجمهوريين اللذين انضما إلى الشراكة بتحقيق إرادتهما السياسية. وكان تأثيرها دراماتيكياً حينها مثل اليوم، فهذه هي طريق الوسط- اليسار للوصول إلى السلطة ومحاولة تحريك عملية المصالحة مع الفلسطينيين من جديد. وبالتأكيد سيكون هذا الوسط – اليسار قادراً على استغلال هذه الشراكة لوقف التدهور الحاد للديمقراطية والدفع قدماً بدولة ديمقراطية حقيقية وجوهرية. من هنا الشراكة السياسية اليوم هي أفضل وسيلة للمواطنين العرب للتأثير في الحكومة وتعزيز المساواة وتحريك عملية تحرير الشعب الفلسطيني من ظلم الاحتلال.
  • للمواطنين العرب حقوق كبيرة وواجب أخلاقي وطني كبير وهو استغلال قوتهم السياسية من أجل إنقاذ أبناء شعبهم من الاحتلال. هذا وحده يبرر محاولة التغلب على الخوف المبرر والمفهوم من أن يكونوا جزءاً فاعلاً من السياسة الإسرائيلية. على المواطنين العرب أن يشمروا عن سواعدهم، وأن يسدوا أنوفهم أحياناً كي يؤثروا بكل قوتهم في التوجه ما دام ضميرهم السياسي والأخلاقي يأمرهم بالتوجه الصحيح.
  • بعد مرور 100 عام على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، هناك حقيقة واحدة لا غير: في ظروف جوار وطني وثيق ومواطَنة مشتركة بين اليهود والعرب في دولة إسرائيل الحالية والمستقبلية، لن يكون هناك فرصة لحياة أفضل من دون تطوير لغة وممارسات مشتركتين، ومن دون تحقيق المساواة والحرية للشعبين في العيش في وطنهم المشترك. إقامة شراكة سياسية بين كتل الوسط - اليسار اليهودي وبين السياسة العربية – الفلسطينية في إسرائيل هي السبيل لتحقيق ذلك. إذا كنا نتطلع إلى حياة أفضل لنا ولأولادنا في هذا البلد فهذه هي المهمة المطلوبة منا.