لماذا يصوّت الجمهور لمصلحة أحزاب الوسط؟
تاريخ المقال
المصدر
- طوال سنوات كثيرة كانت أحزاب الوسط في إسرائيل هي الأحزاب الأقصر عمراً: لا تستمر أكثر من ولاية واحدة أو اثنتين على الأكثر. هذا ما حدث لحزب داش [الحركة الديمقراطية للتغيير] برئاسة يغائيل يادين؛ ولحزب الوسط برئاسة يتسحاق مردخاي وأمنون ليبكين شاحاك؛ ولحزب شينوي برئاسة طومي لبيد، وغيرها. الناخب منح هذه الأحزاب ثقته بعد أن خاب أمله بالسياسيين في الأحزاب القديمة، لكن بعد مرور ولاية واحدة أو ولايتين يئس منها بعد أن اكتشف أنها أُصيبت بالأمراض السياسية التقليدية، إلى أن يقع تحت سحرها من جديد، ويعود إليها مجدداً.
- بالإضافة إلى خيبة الأمل، نما في الأحزاب القديمة ولدى جمهور ناخبيها استخفاف إزاء مجرد فكرة أحزاب الوسط. إنه استخفاف بأحزاب تتبنى تسويات على طريقة حزب مباي [حزب عمال أرض إسرائيل]. أمر واحد نسيه الناخبون: في نهاية الأمر كل الأحزاب تتحول إلى أحزاب وسط عندما تصل إلى السلطة. يستطيع حزب في المعارضة أن يسمح لنفسه بالتشبث بأفكار متشددةـ لكنه عندما يصل إلى السلطة يكون بحاجة إلى تسوية تتماشى مع ظروف الواقع. الحزب الصقري يحتاج إلى إرضاء المجتمع الدولي، والحزب الحمائمي مطلوب منه مواجهة تحديات أمنية معقدة؛ وهلم جرا.
- التسوية في نظام سياسي ائتلافي هي أيضاً حاجة سياسية: تضطر أحزاب السلطة، على الرغم من قوتها الكبيرة، إلى التنازل أكثر من كل الأحزاب الأُخرى: ونظراً إلى أن أعضاءها يتولون مناصب رفيعة المستوى، فإنها أيضاً بحاجة إلى أن تقود تسويات تتلاءم مع ظروف الواقع؛ كل الأحزاب في الائتلاف مضطرة إلى تقديم تنازلات إزاء المطالب التي يضعها الحزب الحاكم. لكن الحزب الحاكم مضطر إلى التنازل معها كلها.
- هذا هو السبب أنه منذ انقلاب 1977 يشعر ناخبو اليمين الأيديولوجي بخيبة الأمل بسياسات حكومات اليمين ("صوّتنا لليمين وحصلنا على يسار"). لقد خاب أملهم بتنازل مناحيم بيغن عن سيناء، وبمشاركة يتسحاق شامير في مؤتمر مدريد، وطبعاً بخطة شارون للانفصال عن قطاع غزة، وببنيامين نتنياهو واتفاق واي ريفر، وإخلاء معظم مدينة الخليل، وصفقة شاليط، والمال الذي يحوَّل إلى "حماس" وغيره وغيره.
- من أجل إزالة الشكوك، أيضاً زعماء حكومات من اليسار خيبوا آمال ناخبيهم. في الأربعين عاماً الأخيرة قليلاً ما فعلوا ذلك، ببساطة لأنهم قلما وصلوا إلى موقع رئاسة الحكومة. لكن عندما حدث ذلك، برزت خيبة الأمل هنا أيضاً. شمعون بيرس هو الذي جلب اتفاقات أوسلو، وخيّب كثيراً أمل ناخبيه عندما شن عملية عناقيد الغضب عشية انتخابات 1996. حتى حركة ميرتس الصغيرة خيبت أمل ناخبيها عندما وافقت شولاميت ألوني على الاستقالة من منصبها كوزيرة للتعليم في حكومة رابين بسبب ضغوط حزب شاس، وعندما دخل يوسي ساريد مع حركة ميرتس إلى حكومة إيهود باراك، بعد أن وعد بعدم الجلوس في حكومة واحدة مع حزب شاس.
- في السنوات الأخيرة حدثت خطوتان مهمتان ظاهرياً متعارضتان. من جهة شبكات التواصل الاجتماعي تجعل من الصعب على السياسيين تقديم التنازلات المطلوبة منهم. وفي زمن الديمقراطية المباشرة يحاسب الناخبون النواب عدة مرات في اليوم، وليس مرة واحدة كل بضع سنوات، وبالتالي يواجه النواب صعوبة في تقديم تنازلات. لقد اضطر نتنياهو أكثر من مرة إلى التخلي عن وعوده وحاول التكفير عن ذلك بخطابات قاسية ضد خصومه؛ خطابات لم يسمح لنفسه بها أحد من الذين سبقوه، على الأقل ما داموا يتولون منصباً رسمياً ويمثلون رئاسة الحكومة.
- من ناحية ثانية، في مقابل الحدة في الخطابات، يصوّت الجمهور لمصلحة أحزاب الوسط. حزب يوجد مستقبل ازداد وضعه قوة منذ 8 سنوات و6 معارك انتخابية، في المقابل قوة الأحزاب الأيديولوجية والأحزاب المتطرفة في تراجع دائم، ومعظمها موجود على حافة نسبة الحسم.
- بعكس الصورة المتشددة في الخطاب العام، أصبح الناخب الإسرائيلي ناضجاً. هو يدرك أن السياسيين يعدونه بالطهارة الأيديولوجية ويصلون في النهاية إلى واحد من طريقين: إمّا البقاء في المعارضة ولا يكون لهم تأثير، وإمّا يضطرون إلى تقديم تنازلات والتخلي عن جزء من وعودهم. يجب أن نتذكر ذلك في المرة المقبلة عندما يحاول نتنياهو وصف يائير لبيد بأنه شيطان يساري، أو عندما يصف أحد ما في اليسار نفتالي بينت بأنه شيطان يميني.