عودة التساهل الأميركي: إسرائيل في مشكلة
تاريخ المقال
المصدر
- في الأول من أمس حلّقت القاذفة الأميركية B-52 في الأجواء الإسرائيلية برفقة طائرات أف-15 من سلاح الجو الإسرائيلي. فهل هذا مؤشر إلى تعاون؟ الفرحة سابقة لأوانها. عندما حلّقت القاذفة B-52 فوق إسرائيل، قصف الإيرانيون بواسطة الحوثيين، الذين يسيطرون على معظم اليمن، حقل النفط راس تنورة في شرق السعودية. قبل ذلك بوقت قصير، في 27 شباط/فبراير، رُوّعت الرياض عاصمة السعودية بسلسلة تفجيرات نتيجة إطلاق 15 مسيّرة محملة بالمتفجرات وصاروخ باليستي واحد. في 10 شباط/فبراير هاجم الحوثيون حقل النفط الدولي أبها جنوب السعودية. أصدرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا بيان إدانة. في هذا الوقت تعرضت سفينة إسرائيلية في خليج عُمان إلى انفجارين.
- قبل بضعة أيام من مغادرته وزارة الخارجية أعلن مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي أن الحوثيين تنظيم إرهابي. بعد مرور يومين على الهجوم في أبها، أعلن خليفته أنتوني بلينكن إلغاء قرار بومبيو لاعتبارات إنسانية.
- هناك أمر لا خلاف عليه: الولايات المتحدة تغيّر توجهها. في إطار السياسة الجديدة، كشفت الإدارة الجديدة تورط الزعامة السعودية عموماً وولي العهد محمد بن سلمان خصوصاً في مقتل الصحافي جمال الخاشقجي. الجريمة التي تعترف السعودية بأنها نُفّذت من طرف عناصرها، هي قصة بشعة. لكن الموضوع يتعلق بجريمة واحدة، فقط واحدة. بينما عندما يكون المقصود إيران، فإن ما يجري الكلام عنه هو العنصر الأساسي لسفك الدماء في الشرق الأوسط.
- في السنوات الأخيرة يتبلور في الشرق الأوسط محوران. الأول يشمل معظم الدول السنية وعلى رأسها السعودية بمشاركة إسرائيل. والثاني يضم إيران التي تسيطر/أو تتدخل بطريقة أو بأُخرى في اليمن، والعراق، وسورية، ولبنان. قبل شهر عُقد اجتماع عمل في موسكو بين السفير الإيراني وبين مسؤول كبير في "حماس" هو موسى أبو مرزوق الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة. هم لم يبحثوا سبل إحلال السلام في المنطقة.
- كيف ترد الولايات المتحدة؟ تعود إلى الطريقة التي فشلت. في ذروة المحادثات بشأن اتفاق نووي في آذار/مارس 2015، انضم المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي إلى جماهير هتفت "الموت لأميركا". لكن ذلك لم يؤثر في المفاوضين. فقد كانوا صمّاً بكماً وعمياناً.
- في حزيران/يونيو 2015 جرى توقيع الاتفاق النووي، الذي منح إيران نفوذاً كبيراً جداً. في تلك الأيام كان روبرت مالي أحد الأشخاص الذين قادوا المفاوضات. مؤخراً عيّنه بايدن موفداً خاصاً لشؤون إيران. ما حدث هو الذي سيحدث. وهذا أهم بكثير من تحليق B-52 في سماء إسرائيل. هل هناك طريقة لإخضاع النظام الإيراني؟ العقوبات التي أعاد ترامب فرضها أضرت بإيران. في سنة 2018 عانت الجمهورية الإسلامية جرّاء انخفاض بأكثر من 6% في الناتج الوطني، وفي سنة 2019 وصل الانخفاض إلى قرابة 7%. بحسب الوتيرة الحالية للضرر، النظام الإيراني سينهار، حتى لو استغرق هذا وقتاً، وحتى لو استمرت عمليات التآمر. في مقابل ذلك، أيضاً اتفاق محسّن، الذي ثمة شك في أنه سيكبح المشروع النووي، هو بالتأكيد لن يوقف تعاظم القوة العسكرية والتآمر الإقليمي - وسيحول إيران إلى دولة أكثر خطراً.
- إسرائيل في وضع غير بسيط. صحيح أن إيران هي في رأس اهتمامات نتنياهو، لكن لم نكن بحاجة إلى انتظار المقابلة مع نائب رئيس الموساد المنتهية ولايته كي نعلم بأنه على الرغم من كل العمليات الناجحة لإسرائيل في المجال التكتيكي - ما يجري على المستوى الاستراتيجي هو فشل ذريع.
- الإيرانيون يتصرفون كما يعرفون كيف يتصرفون. هم لا يساومون ويوجّهون الضربات. لديهم دائماً في الواجهة وزير خارجية، محمد جواد ظريف الذي يبدأ بهجمة ابتسامات تذوّب الأوروبيين فوراً. ثمة خوف من أن يحدث ذلك للأميركيين أيضاً.
- كيف نواجه؟ على الرغم من العقوبات التي تؤذي إيران، يمكن التقدير أن أوروبا والولايات المتحدة ستتراجعان أولاً، لأن هناك حاجة إلى الخروج من الصندوق. لا حاجة إلى رفض مطلق للسعي لاتفاق محسّن، شرط أن يعالج الاتفاق أيضاً المشكلة الأساسية: تأييد الإرهاب والسعي لهيمنة إقليمية وتدمير إسرائيل.
- هل هذا ممكن؟ نعم ممكن. الشرط الأول هو اعتراف أميركي بالمشكلة وحجم الخطر. وهذه ستكون أهم مهمة للحكومة التي ستتألف بعد الانتخابات.