جدل في المؤسسة الأمنية: هل الهجوم على الباخرة حادث فردي أم بداية معركة إرهابية؟
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف
  • برز في الأسبوع الماضي جدل في المؤسسة الأمنية على قدر من الأهمية. هل الهجوم على السفينة التي يملكها إسرائيلي في خليج عُمان حادث محدود يأتي في إطار قواعد اللعبة، أو أنه يفتح جبهة واسعة جديدة في المواجهة التي لا تنتهي بين دولة إسرائيل وإيران؟
  • الجواب عن السؤال سيظهر إذا نفّذ الإيرانيون هجوماً آخر. حينئذ ستعلم إسرائيل ما إذا كانت قد فُتحت معركة واسعة عابرة للحدود ستكون كل مصلحة إسرائيلية في أي مكان على الأرض هدفاً لها. وهذا يتطلب استعداداً معقداً، دفاعياً في الأساس، ويطرح الكثير من الأسئلة. على سبيل المثال، هل الهجوم على أي مصلحة يملكها إسرائيليون، مباشرة أو غير مباشرة، هو ذريعة يجب أن ترد عليها الدولة وتخاطر بالتصعيد.
  • وزيرة حماية البيئة غيلا غمليئيل ادّعت في الأول من أمس أن الكارثة البيئية التي أصابت شواطىء إسرائيل مؤخراً هي إرهاب إيراني. كلامها فاجأ المؤسسة الأمنية، حيث قيل إنه نابع من دوافع سياسية ولا أدلة تثبت ذلك في الواقع.
  • فيما يتعلق بالهجوم الأخير، الرأي السائد أن ما جرى هو رد إيراني على اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة؛ فمنذ اغتياله في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في ضواحي طهران (في عملية نُسبت إلى الموساد)، يبحث الإيرانيون عن انتقام. التطلع الأول كان إرسال مسيّرات مسلحة وتفجيرها فوق أهداف في إسرائيل.
  • في المؤسسة الأمنية شعروا بالتهديد وردوا عليه بعدة طرق: زيادة التنسيق (في الأساس الاستخباراتي) مع الأميركيين، بهدف الحصول على إنذار مسبق يسمح بالاستعداد لاعتراض التهديد؛ رفع جهوزية المنظومات الحربية والدفاعات الجوية؛ إرسال رسائل سرية وعلنية (أيضاً إلى اليمن) بأن عملية كهذه لن تبقى من دون رد.
  • ثمة شك في أنه لدى الحوثيين – أي المقاتلين الموالين لإيران في اليمن - الخبرة العملانية لتنفيذ هجوم معقد كهذا. تقارير كثيرة تحدثت عن أن مثل هذه المسيّرات انتقل إلى اليمن، لكن بأعداد قليلة، وليست عملانية بالكامل. هذه الخطوة تثير القلق الشديد لدى إسرائيل لأنها تفتح أمامها ساحة جديدة بعيدة ومعقدة (جغرافياً، واستخباراتياً، وعملانياً)، ولأن العدو الذي يعمل هناك أثبت أن لا عوائق توقفه، وهو مستعد لتجنيد نفسه لنزوات رعاته الإيرانيين من دون تردد.

الخلاف بين كوخافي وكوهين

  • شهدت النقاشات التي جرت مباشرة بعد الهجوم على الباخرة اتفاقاً في الآراء على أن الإيرانيين كانوا يعرفون أن مالك الباخرة إسرائيلي، ولهذا هاجموها... في المؤسسة الأمنية مقتنعون بأن ما جرى هو عمل مقصود ضد هدف محدد. صحيح أن الباخرة أبحرت وهي ترفع علماً أجنبياً، وملكيتها تعود لشركات مسجلة في الخارج، لكنها تؤدي إلى رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونغار، الذي يملك عشرات البواخر المتخصصة بشحن السيارات. يبدو أن الإيرانيين قاموا بعمل استخباراتي دقيق في جمع المعلومات عن الباخرة وحركتها؛ وليس من المستبعد أيضاً أن يكون لديهم عناصر في مرفأ الدمام في السعودية الذي أبحرت منه الباخرة إلى سنغافورة.
  • جدل قوي نشب في إسرائيل بشأن الرد. جزء منه جرى التعبير عنه في وسائل الإعلام. الخط الصقري الذي تبناه رئيس الموساد يوسي كوهين حدد ضرورة توجيه ضربة إلى رأس "الإيرانيين"، وطالب برد شديد يردعهم عن التحرك مجدداً. الخط المعتدل الذي أيده رئيس الأركان أفيف كوخافي رأى أن من الأفضل أن يكون الرد مدروساً، من دون المخاطرة بفتح معركة واسعة وعابرة للحدود، إسرائيل ليست معنية بها في الوقت الحالي.
  • بحسب التقارير، موقف كوخافي هو الذي غلب - هوجمت أهداف إيرانية في سورية، ساحة اللعب الأكثر راحة بالنسبة إلى إسرائيل. يعتقد عدد كبير من الأطراف أيضاً داخل الجيش أنه كان في إمكان إسرائيل كبح الحادثة وتحريكها من زاوية دبلوماسية - سياسية من أجل تشويه سمعة إيران، لكن بما أنها اختارت الرد فقد كان عليها أن ترد بقوة أكبر.
  • ثمة شك في أن الإيرانيين فهموا الرسالة. فقد تعلموا احتواء الهجمات في سورية، ولم يخوضوا حرباً شعواء بسببها. "ما يجري في سورية يبقى في سورية"، يقول مصدر أمني رفيع المستوى "هم سجلوا لأنفسهم بارتياح أن إسرائيل ذهبت إلى المكان المريح بالنسبة إليها وليس المؤلم بالنسبة إليهم".
  • هذا الموضوع مهم وأساسي في الجولة المقبلة، إذا حدثت. وكما ذكرنا، ثمة انقسام في آراء الخبراء، هل الهجوم حادث فردي، أم هو جزء من معركة واسعة جديدة. يقول العميد في الاحتياط آساف أوريون، الرئيس السابق للشعبة الاستراتيجية في الجيش الإسرائيلي، وهو اليوم باحث في معهد دراسات الأمن القومي، "هذه إشارة إلى أن لدى إسرائيل نقطة ضعف يمكن المسّ بها في أنحاء العالم. الإيرانيون أرادوا أن يقولوا لنا لا تعبثوا معنا".
  • يعتقد أوريون أن إيران تدير هذه الحرب بصورة منفصلة عن الموضوع النووي، فيقول: "الإيرانيون متعددو المهمات. ويديرون الأمور في وقت واحد"؛ في المقابل يعتقد راز تسيمت، وهو من الباحثين الكبار في موضوع إيران في معهد دراسات الأمن القومي، أن الإيرانيين ليسوا معنيين الآن بمواجهة واسعة مع إسرائيل.

الإرهاب الإيراني دائماً في الخلفية

  • الصراع الإسرائيلي - الإيراني مستمر منذ أكثر من أربعة عقود، منذ وصول آية الله الخميني إلى السلطة، عندما تحولت قصة الحب بين الدولتين إلى عداوة مريرة.
  • أساس الصراع يتركز في المسألة النووية التي تعتبرها إسرائيل، وعن حق، الأكثر حساسية. منذ منتصف الثمانينيات أشارت الاستخبارات إلى استعداد إيران لتطوير سلاح نووي، ومنذ منتصف التسعينيات تحول الموضوع إلى موضوع مركزي على جدول أعمال القيادتين السياسية والأمنية، وأُعطيَ أفضلية عملانية واستخباراتية، ونتيجة ذلك مالية أيضاً.
  • خلال هذه الفترة نفّذت إسرائيل كمية كبيرة جداً من العمليات التي كان هدفها إحباط وعرقلة وتأجيل خطوات متعددة تتعلق برغبة إيران في التحول إلى دولة نووية. معظم هذه العمليات نُفِّذ سراً، وقليل منها نُشر وامتنعت إسرائيل من تحمّل المسؤولية عنه. الخرق الاستثنائي الوحيد لهذه السياسة كان سرقة الأرشيف النووي في سنة 2018 وإرساله إلى إسرائيل، وهو ما سمح بكشف حجم خداع إيران في كل ما يتعلق بمشروعها النووي.
  • لكن هذا الصراع شهد أيضاً أموراً أُخرى لا علاقة لها بالنووي. بعد اغتيال زعيم حزب الله عباس الموسوي في لبنان في سنة 1992، سعى الحزب للانتقام بمساعدة رعاته في طهران، واستعان بدبلوماسيين إيرانيين، وباستخبارات إيرانية، وبوسائل قتال نُقلت عبر البريد الدبلوماسي الإيراني لتنفيذ هجمات على سفارة إسرائيل في الأرجنتين في سنة 1992، (حيث قُتل 29 شخصاً وجُرح 242)، وعلى مبنى الجالية اليهودية في العاصمة في سنة 1994 (85 قتيلاً و330 جريحاً).
  • البنية التحتية العملانية الإيرانية في أنحاء العالم حاولت القيام بهجمات مشابهة في العقد الماضي؛ فبعد اتهام إسرائيل باغتيال علماء ذرة إيرانيين، جربت إيران المسّ بأهداف إسرائيلية في آسيا.
  • الشخص الذي كان يقود هذا الجهد العالمي هو قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الذي اغتيل في مطلع العام الماضي على يدي الأميركيين. غيابه واضح في كل الساحات - من العمليات الإيرانية في سورية والعراق واليمن وحتى العمليات الإرهابية الجراحية، مثل الهجوم الفاشل على سفارة إسرائيل في الهند في الشهر الماضي.

 

 

المزيد ضمن العدد 3514