اختبار التطبيع: إسرائيل، دول الخليج والتحدي الإيراني
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
–
نظرة سياسية - أمنية
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- تكشف عملية التطبيع بين دول الخليج وبين إسرائيل اعترافاً متزايداً بأهمية إسرائيل كشريك مهم وشرعي في المنطقة وتفتح أمامها فرصاً متنوعة لتعاون محتمل. في المجال السياسي - الأمني أحد أهداف إسرائيل المركزية إنشاء جبهة إقليمية واسعة لكبح نفوذ إيران في الشرق الأوسط. منذ البداية التهديد الإقليمي المشترك المترائي من إيران كان أحد الحوافز البارزة، بالإضافة إلى الحاجة إلى محاربة الإرهاب والإسلام المتطرف، وهذا ما دفع دول الخليج وإسرائيل إلى إجراء اتصالات وتعاون أمني في المرحلة الأولى، وتحويلها إلى اتصالات رسمية وعلنية لاحقاً.
- على خلفية المصلحة الواضحة لإدارة أوباما وبعدها إدارة ترامب في تقليص تدخّل الولايات المتحدة في المنطقة، دول الخليج، التي تتخوف من "التخلي" الأميركي عن المنطقة، تعتبر إسرائيل عنصراً مؤثراً في واشنطن، وهي مستعدة للدخول في مواجهة مع الإدارة الأميركية وعرض موقفها أيضاً (كما حدث في مواجهة إدارة أوباما بشأن مسألة الاتفاق النووي مع إيران). تدرك هذه الدول أيضاً أن إسرائيل هي اللاعبة الوحيدة في المنطقة التي لا تتردد في التحرك بفعالية، وفي استخدام القوة من أجل صد جهود التمدد الإيراني.
- في هذه الأيام، ومع تولّي إدارة أميركية جديدة مهماتها، قدرة إسرائيل ودول الخليج على ترجمة المصالح الاستراتيجية المشتركة فيما يتعلق بإيران إلى سياسة متفَّق عليها بصورة عامة، وإزاء واشنطن بصورة خاصة، هي موضع الاختبار. فيما يلي وجهات النظر والعوامل المتعددة التي ستؤثر في حجم وعمق التنسيق والتعاون بين الأطراف فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية.
- تصور التهديد الإيراني وحجم الاعتماد على الولايات المتحدة- تركز إسرائيل على المشروع النووي الإيراني، وعلى التهديدات التي تعمل إيران على ترسيخها ضدها على حدودها ومن جبهات أبعد. أيضاً تتخوف دول الخليج من تهديد مباشر لأنظمتها على خلفية جهود إيران التآمرية، وخصوصاً من ناحية السكان الشيعة في أراضيها؛ وتشعر بالقلق أيضاً من تحدٍّ مركزي آخر لأنظمتها - التهديد الذي يمثله الإخوان المسلمون والدعم الذي يحظون به من تركيا.
- وبينما إسرائيل قادرة على مواجهة تهديدات الصواريخ على أنواعها والمسيّرات من إيران، فإن دول الخليج تعتمد اعتماداً عميقاً وكبيراً على مظلة الدفاع الأميركية. ميزان الردع بينها وبين إيران يميل بصورة حاسمة إلى مصلحة طهران، وهي لا تجرؤ على مواجهتها بصورة مباشرة (على الرغم من السلاح المتطور الذي تزودها به الولايات المتحدة) حتى عندما تتعرض لهجوم إيراني ساحق مثل الهجوم الذي أوقع ضرراً استراتيجياً بمنشأت النفط الأساسية في السعودية في أيلول/سبتمبر 2019.
- لإسرائيل مصلحة في المحافظة على وجود أميركي مهم في الشرق الأوسط، مثلاً في العراق، لكنه في نظر دول الخليج ضرورة وجودية، وهي تسعى للحصول على ضمانات من الولايات المتحدة بأن التفاهمات مع إيران لن تأتي على حسابها.
- مقاربات خليجية متنوعة إزاء إيران - لا يمكن تصنيف دول الخليج كمجموعة متجانسة عندما يكون المقصود سياستها إزاء إيران. على الرغم من الخطوة الجريئة التي قامت بها دولة الإمارات في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، فهي في المقابل تعمل على "تقييد المخاطر" في مواجهة إيران، وتموضِع نفسها بين واشنطن وطهران. في هذا الإطار تدير أبو ظبي مع إيران منظومة علاقات براغماتية، وتُجري الدولتان حواراً أمنياً لتخفيف التوترات في الخليج.
- السعودية أيضاً درست إمكان إجراء حوار مشابه مع طهران، في ظل شكوكها في صدقية الدعم الأميركي، بعد امتناع الولايات المتحدة من الرد على الهجوم الإيراني على أراضي السعودية في أيلول/سبتمبر 2019. مع ذلك تنتهج الرياض منذ ذلك الحين خطاً أكثر تشدداً ضد إيران، وهي مستعدة لمواجهتها مباشرة. في هذا السياق برزت مؤخراً، في أثناء قمة المصالحة مع قطر، دعوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دول الخليج إلى الوحدة ضد التهديد الإيراني. المنطق في علاقة دول الخليج بإيران جرى التعبير عنه أيضاً في السياسة المستقلة التي تقودها عُمان وقطر. تدير عُمان بصورة تقليدية علاقات وثيقة وتتعاون مع طهران؛ وقطر التي وثّقت علاقتها بإيران في أعقاب مقاطعة دول الخليج لها، لم تخضع ولم تتخلّ عن هذه العلاقات في إطار المصالحة مع هذه الدول، على الرغم من أن أحد المطالب كان أن تقلص الدوحة علاقاتها بطهران.
- إسرائيل ودول الخليج إزاء الإدارة الأميركية- تريد إسرائيل ودول الخليج أن تتشاور إدارة بايدن معهم وألّا تفاجئهم بخطواتها حيال طهران. تسعى إسرائيل لحوار بنّاء وحميم مع الإدارة، في مركزه المسألة النووية. حوار من هذا النوع هو حساس ومعقد للغاية، سواء من ناحية المضامين السياسية والعملانية والتكنولوجية التي يحتوي عليها، أو من ناحية الصورة الاستخباراتية التي يعتمد عليها، والتي تستند إلى مصادر حساسة ومشتركة للدولتين. من المعقول أن يُطلَب من دول الخليج وإسرائيل على حد سواء المحافظة على الحصرية وخصوصية القنوات القائمة بينها وبين واشنطن، بصورة ستجعل من الصعب التنسيق السياسي الوثيق والتفصيلي بينهما (خصوصاً في تفصيلات المسألة النووية) التي تتخطى خطوطاً سياسية عامة.
- حوار إقليمي برعاية أميركية - إحدى الأفكار التي تفحصها إدارة بايدن كجزء من استخلاص الدروس من المفاوضات مع إيران في فترة أوباما، هي إجراء حوار إقليمي بقيادة دول الخليج. وذلك في مقابل المفاوضات مع إيران في المسألة النووية التي ستقودها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا (5+ واحد) إذا نشأت فعلاً قناة إقليمية لتخفيف التوتر مع إيران، التي من الواضح جداً أن إسرائيل لن تكون جزءاً منها.
- المحافظة على التفوق النوعي - دول جديدة ستنضم إلى دائرة التطبيع وعلى رأسها السعودية، ستطلب من الولايات المتحدة الحصول على منظومات سلاح متطور من نوع طائرات أف-35 ومسيّرات مسلحة، على غرار التي قُرِّرت في الاتفاق بين إسرائيل والإمارات. وذلك بحجة أن هذه القدرات المتطورة مطلوبة لمواجهة التهديد الإيراني. من جهة أُخرى تتخوف إسرائيل من سباق تسلح إقليمي، وتعطي المحافظة على تفوقها العسكري أهمية خاصة وتعتبره مكوناً مهماً لضمان استقرار الشرق الأوسط، وتقدّر أن معقولية استخدام دول الخليج لهذا السلاح ضد إيران منخفضة للغاية. تعي دول الخليج التحفظات العميقة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن الموضوع، وهذه مسألة يمكن أن تلقي بظلالها على العلاقات الثلاثية بين إسرائيل- الولايات المتحدة - الخليج.
- احتمال تعاون عملاني خليجي - إسرائيلي - بالاستناد إلى تقارير منشورة، كان هناك تعاون استخباراتي وأمني في مواجهة التهديد الإيراني وتحديات أُخرى في إطار الأمن والمعلومات موجوداً بين إسرائيل ودول الخليج حتى قبل اتفاقات التطبيع. بعدها من المحتمل ارتفاع درجة العلاقات إلى حد منح إسرائيل مجالاً لنصب قدرات بالقرب من حدود إيران.
- على الصعيد العلني تفتح اتفاقات التطبيع فرصاً أمام تعاون أمني مستقبلي، في الأساس في المجالات الدفاعية. مثلاً إنشاء هندسة مشتركة دفاعية في مواجهة الصواريخ برعاية أميركية، تخدم مصالح كل الأطراف. تستطيع دول الخليج الاستفادة من القدرات الاعتراضية الإسرائيلية المتطورة للصواريخ، وتستطيع إسرائيل تحسين فرص اعتراض إطلاق الصواريخ من إيران، وتستطيع الولايات المتحدة أن تقود السيطرة والرقابة على المنظومة، وأن تضم إليها قدرات أميركية للدفاع عن أرصدتها في المنطقة.
- مع ذلك، تعاونات أمنية - استراتيجية على المستويات السرية والعلنية ليست أمراً مفروغاً منه. بالإضافة إلى التعقيد المتعلق بالكشف عن تكنولوجيا وتعاون أمني استخباراتي، يمكن أن تتردد دول الخليج تخوفاً من ردة فعل إيرانية ضدها. وذلك على خلفية تهديدات إيران للإمارات والبحرين بأنهما ستتحملان النتائج الخطِرة إذا منحتا إسرائيل موطئ قدم على أراضيهما أو في الخليج بصورة تهدد أمن إيران القومي.
الصورة الواسعة
- لإسرائيل ودول الخليج مجموعة مصالح متطابقة فيما يتعلق بإيران والتهديدات الناجمة عنها، وخصوصاً الحاجة إلى كبح طموحاتها للهيمنة الإقليمية وحصولها على قدرة نووية، وإحباط هجماتها من جبهات مجاورة بواسطة وكلائها، أو بصورة مباشرة من أراضيها.
- على الرغم من تطابق المصالح، فإن تحليلها من خلال نظرة واسعة وشاملة يكشف أن السبيل إلى تعاون استراتيجي فعال وعميق ومكثف بين إسرائيل ودول الخليج في المسألة الإيرانية- معقد. التحديات المتعلقة بذلك لها علاقة بالفوارق في مقاربة التهديد الإيراني والعلاقات المتعددة لدول الخليج بإيران، والفجوات في علاقات الأطراف بالولايات المتحدة ومدى اعتمادها عليها، وتعقيد التعاون من الناحية العملانية.
- في ضوء المواقف المستقلة لكل من قطر وعُمان حيال إيران، ومقاربة الكويت المعادية لإسرائيل، وجهود دولة الإمارات لضمان أمنها بواسطة حوار أمني مع إيران، تبدو السعودية، أكبر وأقوى دولة في الخليج وتنتهج أيضاً خطاً معادياً بشدة لإيران في نظر إسرائيل، كشريك محتمل ومهم للغاية في السياق الإيراني،.
- استلام إدارة بايدن عملها وسياستها المعلنة إزاء إيران تضع إسرائيل والسعودية والإمارات أمام أول اختبار لقدرتها على العمل بصورة منسقة في المسألة الإيرانية. في هذه المرحلة ليس واضحاً ما إذا كانت السعودية مستعدة لمواجهة إدارة بايدن فيما يتعلق بسياستها إزاء إيران، أو أنها ستعطي الأولوية لمساعيها لترميم العلاقات مع واشنطن التي تضررت بسبب قضايا حقوق الفرد، وعلى خلفية الحرب الوحشية التي تخوضها في اليمن.
- بالنسبة إلى إسرائيل - رسائل منسقة مع السعودية والإمارات في المسألة الإيرانية وموقف إقليمي مشترك في الشأن الإيراني يمكن أن تشكل رافعة مهمة للغاية في المساعي الرامية إلى التأثير في السياسات الأميركية. يتعين على إسرائيل - التي تستعد في هذه الأيام لحوار مع إدارة بايدن، وتصوغ مواقفها من قضايا إيران - أن تأخذ في حسابها في هذا السياق أيضاً سياستها إزاء دول الخليج. في هذا الإطار المطلوب منها أن تفحص القواسم المشتركة التي يمكن التوصل إليها مع إدارة بايدن، وعلناً؛ بناء قنوات تواصل للتشاور والتنسيق وتبادل المستجدات الجارية؛ أن تحدد مسبقاً المستوى الذي ترغب إسرائيل في إشراك دول الخليج في الحوار النووي؛ أخيراً، التفكير في كيفية التغلب على توترات مفهومة بين الأطراف، مثلاً في مسألة المحافظة على التفوق النوعي.