المحافظة على "العلاقات الخاصة" مع إدارة بايدن في ظل أزمة داخلية في إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- دخول إسرائيل في معركة انتخابية رابعة خلال عامين يكشف تدهوراً وضرراً مستمراً للمناعة الوطنية. إسرائيل تغرق في أزمة صحية واقتصادية - اجتماعية حادة، وهي في حالة شلل سياسي مستمر، وتعمل من دون ميزانية تستشرف المستقبل، ومن دون خطة عمل منتظمة، ومن دون استراتيجيا وسلّم أولويات.
- هذه التطورات تنعكس سلباً على صورة قوة إسرائيل وعلى مكانتها الإقليمية والدولية، وضررها على المستويات السياسية - الأمنية، وخصوصاً في فترة تبدُّل الإدارة في الولايات المتحدة، يمكن أن يكون فادحاً. في الأشهر الحساسة المقبلة التي ستبلور إدارة بايدن خلالها سياستها وتصوغها، بما فيها في الشرق الأوسط، ستكون إسرائيل في دوامة داخلية ومشغولة بنفسها وبمشكلاتها الداخلية. وهو ما سيجعل من الصعب عليها، من جهة التأثير في العمليات في واشنطن، ومن جهة ثانية الحصول على الانتباه المطلوب من الإدارة الجديدة.
- المطروح على جدول الأعمال عدد من القضايا الجوهرية في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعلاقتها بإسرائيل، والتي تنطوي على احتمال نشوء توترات بين الحليفتين.
التحدي النووي الإيراني
- يبدو أن سياسة بايدن في الشرق الأوسط ستتأثر أكثر من أي شيء آخر بمقاربته إزاء إيران، التي تبدو كالنقطة المحورية التي ستحدد عمق تدخّل الولايات المتحدة وتشكل علاقاتها مع حلفائها في المنطقة.
- تحليل تصريحات الرئيس وطاقمه للأمن القومي يعزز الانطباع أن الإدارة الجديدة مهتمة بالعودة إلى الاتفاق النووي من خلال رفع العقوبات، ومن دون الإصرار على إصلاح العيوب الخطيرة: فترة انتهاء القيود (بدءاً من نحو 7 سنوات)، التي يمكن أن تفتح لطهران الطريق لتبوؤ مكانة دولة على عتبة السلاح النووي مع شرعية دولية، بحث وتطوير أجهزة طرد مركزية من شأنها أن تقصّر كثيراً الوقت لحدوث خرق إيراني والحصول على مواد انشطارية على درجة عسكرية وغياب تفويضات رقابة على مشروع السلاح النووي.
- يبدو أنه من خلال العودة إلى الاتفاق النووي ستسعى الإدارة لوضع القضية الإيرانية جانباً، والتفرغ لموضوعات "مشتعلة" أكثر بالنسبة إليها، مثل معالجة الأمراض الاجتماعية - الاقتصادية الداخلية، والتنافس بين الدول العظمى، وخصوصاً في مواجهة الصين، وترميم مكانة الولايات المتحدة في المنظومة الدولية. طهران من جهتها متحمسة لأن تزيل عن عنقها عبء العقوبات التي تدمر اقتصادها، وتوضح أنها مستعدة للعودة بصورة كاملة إلى الاتفاق، ومن أجل تحقيق ذلك ليس مطلوباً حتى إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة.
- على الرغم مما يصوَّر كمجال اتفاق محتمل بين إيران والولايات المتحدة - مدعوم من الدول الأوروبية ومن روسيا والصين – فإن عملية العودة إلى الاتفاق النووي يمكن أن تواجه سلسلة عقبات، وأن تتعرقل. من بين هذه العقبات يمكن أن نحصي توتراً غير مخطَّط له- مثلاً في العراق في الذكرى السنوية لاغتيال قائد فيلق القدس سليماني؛ خلافات محتملة بشأن جدولة العودة إلى الاتفاق - بين الخضوع لشروطه وبين رفع العقوبات - وبشأن الخط الأساسي المطلوب للعودة إلى علاقات معقدة، مثل المعرفة التي تراكمت في مجال البحث والتطوير؛ الشجارات الداخلية بين المحافظين وحكومة روحاني من المتوقع أن تشتد قبيل الانتخابات في حزيران/يونيو، ويمكن أن تؤدي إلى تشدد إيران في شروطها؛ تأثيرات العملية في علاقات الإدارة مع الدول العربية وإسرائيل وغيرها.
- في ضوء هذه التعقيدات، يمكن أن تطول عمليات جس النبض والاتصالات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبين إيران، وبناء على ذلك من المتوقع أن تزود إسرائيل بالوقت للتأثير في مواقف وخطوات إدارة بايدن بشأن القضية.
التنافس على التفوق النوعي وقوة الجيش الإسرائيلي
- مع عدم وجود ميزانية، ومن دون سلّم أولويات وتخطيط بعيد الأجل للحكومة، بقي الجيش الإسرائيلي من دون قدرة على تنفيذ الخطة المتعددة السنوات، والدفع قدماً بعمليات التسلح للسنوات المقبلة. هذه العمليات حيوية، من بين أمور أُخرى، في إطار المواجهة مع مساعي إيران للتمركز العسكري على الحدود وتسليح حزب الله بصواريخ دقيقة، وإزاء سيناريوهات إطلاق صواريخ ضد إسرائيل من جبهات بعيدة، مثل اليمن والعراق - كما حذّر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي مؤخراً. معقولية سيناريوهات من هذا النوع يمكن أن تزيد في ظل تهديدات إيران بالانتقام لاغتيال عالم الذرّة فخري زادة، والذي نُسب إلى إسرائيل.
- مدماك مركزي في التخطيط لتعاظُم قوة الجيش الإسرائيلي يعتمد على مساعدة أميركية مستقبلية، بينما التأخر في اتخاذ قرارات إسرائيلية بشأن تزود إسرائيل بقدرات ومنصات أميركية متطورة يمكن أن يثير الاستغراب في واشنطن، وخصوصاً على خلفية صفقات الأسلحة الضخمة الأخيرة بين الولايات المتحدة ودول عربية، والتي تعكس "خرقاً للحواجز" في تزويد منظومات سلاح متطورة لدول المنطقة، مثل طائرات أف-35 ومسيّرات مسلحة تؤدي إلى تآكل التفوق النوعي العسكري لإسرائيل.
التنافس بين الدول العظمى (الصين وروسيا)
- الهجمة السيبرانية غير المسبوقة ضد الولايات المتحدة، التي جرى الكشف عنها مؤخراً ومن المتوقع أن تزداد التوترات وتعكر أكثر فأكثر العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا - التي تحمّلها الإدارة الأميركية وخبراء السايبر المسؤولية عن الهجوم. في هذه الظروف من المتوقع أن تزيد حساسية إدارة بايدن إزاء العلاقة الروسية - الإسرائيلية، بينما تُسمع منذ وقت في واشنطن أصوات تدّعي أن العلاقات الوثيقة بين موسكو والقدس تأتي على حساب المصالح الأميركية.
- هجمات السايبر من المتوقع أن تفاقم مخاوف الولايات المتحدة من المس بتفوقها التكنولوجي، وخصوصاً إزاء الصين. تواصل الإدارة الأميركية التوضيح لإسرائيل علناً أنها قلقة من مستوى رقابتها على الاستثمارات الصينية في مجالات التكنولوجيا. ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية حذّر مؤخراً مرة أُخرى من أن الولايات المتحدة قلقة من تسلل الصين إلى صناعة الهاي تك في إسرائيل، ومن شراء تكنولوجيا مزدوجة الاستعمال تعرّض الولايات المتحدة للخطر.
وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
وعلاقات إسرائيل مع دول عربية
- بينما تسعى إدارة بايدن لتقليص وجود الولايات المتحدة وتدخّلها في "حروب لا يمكن الانتصار فيها"، ثمة مصلحة عميقة لإسرائيل في المحافظة على وجود أميركي واسع في الشرق الأوسط ودعم قوي من الولايات المتحدة لدول أساسية تشكل مرساة للاستقرار في المنطقة ولأمن إسرائيل، مثل الأردن ومصر. إلى جانب المحافظة على الساحة الفلسطينية التي يبدو أن استقرارها آخذ بالتدهور، سواء في الضفة الغربية أو في غزة.
- في المقابل، تشهد عملية التطبيع التي تكشف عن إنجازات مهمة لإسرائيل، وقبولها في المنطقة يمكن أن يشهد تباطؤاً في حال عرقل بايدن تحقيق الوعود التي قدمها ترامب في إطار العملية، أو تراجع عنها.
ما يجب عمله إزاء إدارة بايدن؟
- هذه القضايا الاستراتيجية وغيرها التي في جزء منها تنطوي على فجوات تفرض على إسرائيل أن تبني بنية تحتية متينة لحوار عميق ومكثف معها، بهدف أن تكون جزءاً من عملية صوغ السياسة الأميركية والتأثير فيها.
- إن هذا هو الهدف المركزي الذي تواجهه إسرائيل في الوقت الحالي، والذي يمكن أن يكون له تأثير كبير في أمنها الوطني، وتبدو ظروف الاستهلال لتحقيقه إشكالية جراء: فترة أزمة داخلية متعددة الأبعاد ودوامة سياسية؛ عدم وجود قنوات تواصل وخبرة وعلاقات مع واشنطن على خلفية تبدّل السفراء والتوتر في علاقات إسرائيل مع بايدن، الذي يُعتبر صديقاً حقيقياً لإسرائيل حتى قبل أن يتسلم منصبه.
- مصادر مقربة من الرئيس المنتخب ادّعت في وسائل الإعلام أن اغتيال العالِم النووي الإيراني فخري زادة، والذي نُسب إلى إسرائيل، هدفه منع بايدن من العودة إلى المسار الدبلوماسي إزاء إيران. المقابلة التي أعطاها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لمعهد محافظ في واشنطن والتي حذّر فيها من العودة إلى الاتفاق النووي" الرديء"، ومنحه تصاريح في اللحظة الأخيرة للبناء في الضفة، والتلكؤ في الاعتراف بفوز بايدن في الانتخابات وغيرها - كل ذلك أثار غضباً في معسكر بايدن. تجلى ذلك في مقال الرأي البارز في "الواشنطن بوست" بقلم المحلل المخضرم جاكسون ديهل.
- في مثل هذه الظروف، بايدن الذي سبق أن اكتوى، عندما كان نائباً للرئيس، بخطاب نتنياهو في الكونغرس في سنة 2015 بهدف إحباط الاتفاق النووي الذي حققه أوباما - يمكن "أن يغلق الباب" أمام محاولات إسرائيل التأثير في سياسة الولايات المتحدة حيال المسألة الإيرانية خصوصاً وفي الشرق الأوسط عموماً.
- يتعين على المنظومة السياسية في إسرائيل أن تسارع إلى وضع أسس حوار هادىء وبنّاء مع إدارة بايدن ، وأن تبني الثقة معها، بقيادة رئيس الحكومة، وعليها الامتناع من إقحام العلاقات مع بايدن والخلافات معه في المعركة الانتخابية؛ والامتناع من القيام بخطوات أحادية الجانب في الأسابيع التي بقيت من ولاية ترامب، الأمر الذي قد يعتبره بايدن محاولة لحشره مسبقاً.
- المطلوب من إسرائيل مواصلة تطوير آليات الرقابة على استثمارات صينية حساسة والتصرف حيال الولايات المتحدة بتنسيق وشفافية كاملة في كل ما يتعلق بعلاقتها بالصين وروسيا. وذلك كي تؤكد أن إسرائيل تتقيد بالمعايير الأميركية، وكي تستطيع الإدارة الجديدة أن تحدد أن نشاطات الصين في إسرائيل وعلاقة إسرائيل بروسيا لا تعرّضان مصالح الولايات المتحدة للخطر.
- في ظل الأفق السوداوي في الشرق الأوسط والحاجة إلى الاستعداد معاً لمواجهة الأزمات والتحديات التي تنتظرنا لا يمكن أن نعرّض للخطر الحوار الحيوي مع إدارة بايدن ومكانة إسرائيل كموضوع إجماع لدى الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة. ليس لإسرائيل بديل من الاعتماد على أميركا، والتوجه إلى مواجهة إعلامية مع الإدارة الجديدة (لاعتبارات سياسية داخلية) سيكون خطأ استراتيجياً، وقد تكون له تداعيات خطِرة على أمن إسرائيل ومكانتها وقوتها.