الولايات المتحدة وإسرائيل تستعدان لانتقام إيراني
تاريخ المقال
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية
تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في 19 كانون الثاني/يناير يصل التوتر إلى ذروته: ففي الغد من المفترض أن ينزل الرئيس ترامب عن مسرح الأحداث وربما عن مسرح التاريخ، لكن إيران باقية. قادتها تلقوا ضربات قاسية من ترامب خلال ولايته، والأخطر من كل شيء: أنه أهانهم في نظر العالم. لكن على الرغم من ذلك فإنهم صمدوا في وجهه، بيْد أن كرامتهم سُحقت، وهم لن يتسامحوا ولن يصفحوا عن ذلك.
- في 3 كانون الثاني/يناير صادفت الذكرى السنوية لمقتل قاسم سليماني، الرجل الأسطورة، الذي منح القيادة الإيرانية القدرة على السيطرة عملياً على دول عربية. مقتله ترك فراغاً من الصعب على الذي حل محله أن يملأه. لا يمكن لقادة إيران الاستمرار في حياتهم العادية وترْك مقتل قاسم سليماني من دون القيام بانتقام مناسب، وبحجم يتلاءم مع أهميته بالنسبة إليهم.
- في تشرين الثاني/نوفمبر اغتيل أبو المشروع النووي العسكري الإيراني محسن فخري زادة، وتزعم طهران أن يداً إسرائيلية نفّذت هذه "الجريمة" التي لم يجرِ الانتقام لها حتى الآن، ولا مفر للنظام الإيراني من القيام بذلك.
- في تقديري، يخطط زعماء إيران في 19 كانون الثاني/يناير للقيام بعملية عسكرية مذهلة تحمل اسم سليماني، أو ربما فخري زادة، تعيد إليهم، قبل كل شيء، كرامتهم الضائعة ومكانتهم الإقليمية التي اعتادوا عليها.
- عملية الانتقام الإيرانية لن تُنفّذ من إيران، بل من دولتين أو ثلاث دول تدور في فلكها: اليمن، والعراق، وسورية، كي لا تُدان طهران مباشرة، وخصوصاً في نظر بايدن، الرئيس الأميركي الجديد؛ وأيضاً من أجل تأكيد وجود السيطرة الإيرانية في هذه الدول على الرغم من المحاولات الأميركية والإسرائيلية المستمرة منذ سنوات لوقفها.
- سيُسنَد تنفيذ العملية إلى "قوات التحرير المحلية"، أي الميليشيات الشيعية لفيلق القدس - الذراع العسكرية التي استخدمها سليماني. من المعقول الافتراض أن "مستشارين إيرانيين" سيكونون حاضرين، وسينشطون في مواقع إطلاق الصواريخ والمسيّرات التي ستُطلق في العملية التي يجري التخطيط لها، وستكون موجهة ضد سفارة الولايات المتحدة في بغداد، وضد قواعد عسكرية أميركية في العراق وسورية، ومن المحتمل أيضاً ضد منشآت نفط في السعودية (كما جرى في أيلول/سبتمبر 2019)، وضد البحرين ودولة الإمارات، لإثبات عجز حليفتهما الجديدة – إسرائيل- التي لن تحرك أصبعاً لإنقاذهما من جارتهما الكبيرة.
- إذا كان لدى قادة إيران نية لتنفيذ عملية من هذا النوع، من المعقول الافتراض أن أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل قد التقطتها، وهذا هو سبب زيادة عدد القوات الأميركية في الخليج في الأسابيع الأخيرة. في شهر واحد فقط أرسلت الولايات المتحدة إلى الخليج ثلاث قاذفات حربية من طراز بي-52، وغواصة نووية، وسفينتين حربيتين محملتين بالصواريخ، بالإضافة إلى الغواصة الإسرائيلية التي توجهت إلى المنطقة، بحسب التقارير. في 18 كانون الأول/ديسمبر زار رئيس الأركان الأميركي الجنرال ميلي إسرائيل والتقى رئيس الحكومة نتنياهو، ووزير الدفاع بني غانتس، ورئيس الأركان كوخافي. بعد الاجتماع قال غانتس: "سنتعاون معاً لمواجهة أي سيناريو في الجبهة الإيرانية. سنعمل معاً لمواجهة التهديدات المشتركة من أجل المحافظة على الاستقرار في الشرق الأوسط مع حلفائنا."
- في 20 كانون الأول/ديسمبر قُصفت السفارة الأميركية في بغداد وحمّلت الإدارة الأميركية طهران المسؤولية عن الهجوم الذي نُفّذ بصواريخ من صنع إيران. بعد مرور ثلاثة أيام جرى الحديث عن أن أذرع الأمن الأميركية ستعرض قريباً على ترامب عدداً من الاحتمالات "للمواجهة مع إيران"، أي ضرب إيران بطريقة لا تشعل حرباً. في 24 كانون الأول/ ديسمبر وجّه ترامب تحذيراً شديداً إلى طهران أوضح فيه أن إيران ستكون المسؤولة عن إصابة أي مواطن أو جندي أميركي، حتى لو جرى ذلك بواسطة ميليشيات شيعية، ودعا ترامب قادة إيران "الى التفكير جيداً" في خطواتهم. في 25 كانون الأول/ديسمبر ذكرت إسرائيل أنها وضعت الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب بسبب احتمال أن تضرب الولايات المتحدة إيران قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض. وتتخوف إسرائيل من تعرّض منشآت بناها التحتية للضرب، مثل الهجوم على منشآت النفط في السعودية، ومن المحتمل أن هذا التخوف يفسر العمليات في سورية في الأسبوعين الأخيرين، والتي نُسبت إلى إسرائيل. الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي قال لموقع إيلاف السعودي إن إسرائيل تتابع عن كثب التحركات الإيرانية في العراق واليمن، ولديها معلومات عن صواريخ ومسيّرات تطورها إيران وتصنعها سراً في هاتين الدولتين.
- دول شبه الجزيرة العربية منقسمة بصورة حادة إلى ثلاث مجموعات: اليمن وقطر اللتان تدوران في فلك إيران وتخدمانها بأي طريقة ممكنة؛ السعودية والبحرين ودولة الإمارات، التي تتخوف من تدهور يحولها إلى هدف للصواريخ الإيرانية؛ عُمان والكويت اللتان تقفان موقف المتفرج، وتحاولان الربط والتجسير ومصالحة الولايات المتحدة وإيران من أجل إنقاذ منطقة الخليج، المشرذمة والحساسة، من حرب لن يكون فيها رابحون، بل خاسرون فقط.
- في هذا الوضع الهش والشديد التعقيد توجد السعودية والبحرين والإمارات. من جهة تتخوف هذه الدول من عملية أميركية أو إيرانية يمكن أن تلحق أضراراً بالغة بصناعة النفط والسياحة والاستقرار الاقتصادي المذهل الذي بنته خلال العقدين الأخيرين. من جهة أُخرى، لا ترغب هذه الدول البتة في أن تسترجع إيران القوة التي كانت لديها قبل 4 سنوات، لأن هذه القوة ستترجَم إلى ضغوط سياسية وعسكرية من جانب طهران تجعلها ألعوبة في يد نظام آيات الله، وتجبرها على الخضوع لإملاءات إيران السياسية (مثل قطع أو تجميد علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة وطرد وجودهما العسكري، وربما أيضاً التجاري).
- في القدس أيضاً ليس هناك حماسة إزاء احتمال اندلاع مواجهة في الخليج يمكن أن تنزلق إلى إسرائيل بواسطة هجوم صاروخي من لبنان، وسورية، والعراق، أو اليمن. مؤخراً سُمعت تحذيرات من جانب الحوثيين في اليمن الذين يشرفون ويسيطرون بالنار على مضائق باب المندب، البوابة الجنوبية للبحر الأحمر التي تمر بها الملاحة البحرية العالمية (وأيضاً الإسرائيلية)، بين أوروبا وإسرائيل من جهة، وبين الشرق الأدنى (الهند والصين وكوريا) من جهة ثانية.
- من أجل إبعاد حلفاء الولايات المتحدة عن التعرض لانتقام إيران، من المعقول الافتراض أن ضربة عسكرية ضد إيران - إذا حدثت - لن توجَّه من أي من دول المنطقة. طائرات بي- 52- القاذفات الاستراتيجية الأميركية - ستنطلق نحو مهمتها في إيران من قواعد في الولايات المتحدة، أو من جزيرة دييغو غارسيا في الخليج الهندي. بالإضافة إلى ذلك، لدى الولايات المتحدة في المنطقة غواصات وسفن حربية - حاملات طائرات ومدمرات. وهي قادرة على ضرب إيران ووكلائها في أي وقت من دون تدخّل حلفائها في الموضوع، وربما من دون أخذ مواقفهم في الحسبان.
- عشية 2021، وعلى الرغم من الشتاء، فإن الحرارة في منطقة الخليج ترتفع، ويمكن أن تصل إلى نقطة الغليان قبل نهاية ولاية ترامب.