إيران تنظم صفوفها في مواجهة إدارة بايدن
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- الارتياح الذي شعرت به طهران حيال فوز جو بايدن في الانتخابات في الولايات المتحدة مفهوم ومتوقع، على الرغم من أن إيران تعي جيداً الصعوبات الكثيرة التي ستعترض طريق تغيير الخط الذي انتهجته إدارة الرئيس ترامب حيالها. وعلى الرغم من التصريحات المتكررة من جانب مسؤولين إيرانيين كبار، بينهم المرشد الأعلى علي خامنئي، بأن إيران لا تعلق أهمية على هوية رئيس الولايات المتحدة، وأنه لا يوجد فارق بين الديمقراطيين والجمهوريين في عدائهم لإيران، فإن الردود الإيرانية تعكس بوضوح الشعور بالرضا عن نتائج الانتخابات.
- على هذه الخلفية، يدور في المنظومة السياسية الإيرانية جدل حاد يتعلق بعودة إيران إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة. الأوساط البراغماتية بقيادة الرئيس حسن روحاني، تؤيد من حيث المبدأ استئناف الحوار مع واشنطن. في أعقاب فوز بايدن، أعلن روحاني أنه سيبذل كل ما هو مطلوب لرفع العقوبات المفروضة على إيران وتحسين وضع الشعب الإيراني. في المقابل، ترفض الأوساط الراديكالية والمحافظة العودة إلى المفاوضات بحجة أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة، وأنه يجب محاولة حل ضائقة إيران الاقتصادية من خلال الاستمرار في "اقتصاد المقاومة" الذي تبناه المرشد الأعلى. يعكس هذا الجدل أيضاً اعتبارات سياسية: بينما يأمل المعسكر البراغماتي بأن استئناف الحوار سيؤدي أيضاً إلى رفع - ولو جزئي - للعقوبات وعودة محتملة إلى الاتفاق النووي، وهذا سيساعده قبيل الانتخابات الرئاسية في إيران، المتوقع أن تجري في حزيران/يونيو 2021، فإن معارضي روحاني في المقابل ليسوا معنيين بأن يقدموا إلى خصومهم السياسيين إنجازاً سياسياً قبيل الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، تصريحات بايدن ومختلف مستشاريه تزيد التخوف في إيران من أن الإدارة الأميركية الجديدة أيضاً لا تنوي رفع العقوبات الاقتصادية بصورة كاملة في مقابل استئناف المفاوضات؛ ومن هنا، فإن مجرد استئنافها سيُعتبر تعبيراً عن استعداد مبدئي لتنازلات من جانب إيران.
- من مجمل تصريحات مسؤولين كبار في إيران بعد الانتخابات في الولايات المتحدة يظهر عدد من الرسائل الواضحة الموجهة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تكشف شروطاً إيرانية حيال استئناف محتمل للمفاوضات، في أساسها التوضيح أن على الولايات المتحدة أن تعطي مقابلاً لموافقة إيران على استئناف المفاوضات.
- مطالبة برفع كامل للعقوبات التي فرضتها إدارة ترامب كشرط مسبق للعودة إلى الاتفاق النووي.
- المطالبة بتعويضات عن الخسائر التي تكبدتها إيران في السنوات الأخيرة في أعقاب إعادة فرض العقوبات.
- التشديد على أن الاتفاق النووي العائد إلى سنة 2015 هو أمر مفروغ منه وغير قابل للتفاوض.
- التقدير الإيراني قبيل دخول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض يأخذ في الاعتبار التغييرات وسلم الأولويات الذي من المتوقع أن تتبناه الإدارة الجديدة. سيتعين على إيران أن تواجه بيئة جيوسياسية استراتيجية مختلفة من عدة نواحٍ عن تلك التي عرفتها في السنوات الأخيرة، على رأسها التحسن المنتظر في شبكة العلاقات الأطلسية. وذلك في ضوء الأهمية التي يعطيها الرئيس المنتخب لتجديد التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا والناتو، بعد أن استفادت إيران في السنوات الأخيرة من الخلاف بين إدارة ترامب والحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، وانتهاجها سياسة تهدف إلى إبقاء أوروبا إلى جانبها في إطار مساعيها لعزل الإدارة الأميركية. هذه السياسة الإيرانية أعطت ثماراً مهمةـ سواء في تصويت الدول الأوروبية ضد تمديد الحظر على بيع السلاح إلى إيران في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، أو معارضة المحاولة الأميركية إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن من خلال استخدام آلية (SNAPBACK) [مطالبة ترامب مجلس الأمن بفرض العقوبات الأممية على إيران بحجة خرقها الاتفاق النووي].
- علاوة على ذلك، تتابع إيران بقلق خطوات إدارة ترامب الدفع قدماً بالموافقة على صفقات سلاح أميركية متطورة مع دول الخليج، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، وأيضاً اتجاهات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. ومع أن مواقف الحزب الديمقراطي إزاء دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، هي انتقادية، من المعقول ألّا تحبط إدارة بايدن هذه الصفقات، وأن تشجع أيضاً استمرار التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.
- في هذه الأثناء يستمر التقدم في المشروع النووي الإيراني بعد قرار إيران في صيف 2019 التراجع عن التزاماتها بالاتفاق النووي. يشمل هذا التقدم مراكمة مواد انشطارية (على درجة منخفضة)، والدفع قدماً بجدول زمني لتطوير أجهزة طرد مركزي متطورة، بينها نقل أجهزة طرد مركزي متطورة إلى موقع جديد مبنيّ عميقاً تحت الأرض بعد تخريب منشأة نتانز قبل عدة أشهر، وأيضاً استخدام موقعين للتخصيب في نتانز وفوردو. حتى لو كان هذا التجميع للمواد يهدف إلى جمع أوراق مقايضة في مفاوضات مستقبلية، ثمة شك في أن إيران ستوافق على التراجع عن قدراتها هذه والعودة إلى الاتفاق النووي الأصلي، من دون الرفع الكامل للعقوبات. من الواضح أنه لا يمكن إعادة الإنجازات التي حققتها إيران في مجال البحث والتطوير إلى الوراء، بما في ذلك تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة.
- علاوة على ذلك، في طهران ينتبهون إلى النقاش الدائر في واشنطن بشأن مشروع الصواريخ المتطورة التي عرضتها إيران مؤخراً أمام أنظار العالم من خلال عرض صواريخ باليستية يمكن تشغيلها من أنفاق تحت الأرض، وأيضاً بشأن سياسة إيران في أنحاء الشرق الأوسط، وخصوصاً فيما يتعلق بالتمركز الإيراني الواسع في المنطقة منذ التوقيع على الاتفاق النووي في سنة 2015. في هاتين المسألتين الفجوة بين الأوروبيين وبين الولايات المتحدة ليست كبيرة - الأمر الذي يشكل بحد ذاته صعوبة كبيرة لطهران التي يمكن أن تجد نفسها في مواجهة جبهة واحدة في هذه المجالات.
- بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي حاولت إيران تعزيز علاقاتها أكثر مع روسيا والصين كوزن مضاد للولايات المتحدة، من خلال استغلال الأزمة في العلاقات بين هذين البلدين وبين الولايات المتحدة. في حال تبديد التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين في ظل إدارة بايدن، يمكن أن تجد إيران صعوبة في الدفع قدماً بعلاقاتها مع هاتين القوتين العظميين، والتي تهدف من ورائها تعويض الأضرار التي تكبدتها منذ عودة العقوبات.
- في ضوء هذه الصورة للوضع، تزداد حدة معضلة النظام الإيراني إزاء مجرد الاستعداد للدخول في مفاوضات أولية. قرار المرشد الأعلى الموافقة على استئناف المفاوضات من المتوقع أن يستند إلى عدد من الاعتبارات المركزية:
- الإحساس بالإلحاح جرّاء الأزمة الاقتصادية الحادة، والتطلع إلى تحقيق تحسُّن فوري للوضع الاقتصادي، وخصوصاً على خلفية أزمة الكورونا.
- مضمون الاقتراح الأميركي العملي الذي سيقدَّم إلى إيران واستعداد إدارة بايدن للسماح بتقديم تسهيلات اقتصادية معينة (على سبيل المثال في إطار خطوات تبني الثقة الموافقة على قرض من صندوق النقد الدولي لإيران، والموافقة على منح خطوط اعتماد أوروبية لإيران، وما شابه ذلك) في مقابل استئناف المفاوضات، أو العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي.
- اعتبارات سياسية قصيرة الأجل: هل سيُسمح للرئيس حسن روحاني بالدفع قدماً بمفاوضات في المرحلة الحالية بالاستناد إلى تقدير بأن فرصه في الفوز أكبر من فرص رئيس جديد، أو الرد سلباً على رغبة روحاني في استئناف المفاوضات كي لا تقوى مكانة مؤيديه في المعسكر البراغماتي قبيل الانتخابات الرئاسية.
- في خلفية هذه الاعتبارات يجب الإشارة إلى أزمة عدم ثقة كبيرة من ناحية زعيم إيران بالولايات المتحدة، ازدادت حدة في أعقاب انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي. على أي حال، في ضوء نافذة الفرصة القصيرة التي يمكن أن تنشأ بين دخول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض (كانون الثاني/يناير 2021) وحتى موعد الانتخابات الرئاسية في إيران (حزيران/يونيو 2021)، ثمة شك في أن يكون في الإمكان التوصل إلى اتفاقات مهمة بين إيران والولايات المتحدة. في هذه الظروف من الممكن أن يؤجل النظام الإيراني قراره، وأن يتمسك بمطالبه القصوى إلى ما بعد الانتخابات. هذا التأجيل يمكن أن يزيد من الضغط على الإدارة الأميركية، وأن يسمح باستئناف المفاوضات بعد الانتخابات في إيران بشروط مريحة أكثر بالنسبة إلى طهران.
- من ناحية إسرائيل - في النقطة الزمنية الحالية وفي الأشهر المقبلة، يجب الأخذ في الحسبان الرغبة المبدئية للرئيس المنتخب بايدن ومستشاريه في العودة إلى التحاور مع إيران، كأفضل طريق لكبح التقدم في المجال النووي، وعلى خلفية إرادتهم الاستراتيجية لإعادة العلاقات عبر الأطلسي إلى ما كانت عليه. أيضاً رغبة الأوروبيين في إعادة العجلة إلى الوراء والرجوع إلى الاتفاق النووي، الذي لا يزالون يعتبرونه حتى اليوم مناسباً، يمكن أن تزيد الضغط على الإدارة الجديدة للعودة إلى المفاوضات مع إيران.
- إلى جانب ذلك يبرز اليوم تفهُّم أكبر للمصالح والمخاوف الإسرائيلية المتعلقة بالتطلعات النووية لإيران وسياستها الإقليمية، ومخاطر تسلُّح إيران ووكلائها في المنطقة بصواريخ ومنظومات سلاح متطورة.
- في هذا الوضع، حسناً تفعل إسرائيل لو تحاول التأثير في الخطوات الدبلوماسية المستقبلية إزاء إيران، بالاستناد إلى سياسة واضحة تعكس مصالحها الحيوية من دون رفض مبدئي للتحاور مع إيران ومحاولة التوصل إلى اتفاقات معها.
- قبل كل شيء، يتعين على إسرائيل السعي لإقناع إدارة بايدن بعدم التنازل في مرحلة أولى عن أداة العقوبات في مقابل استعداد إيران للعودة إلى المفاوضات، أو حتى إلى الاتفاق النووي الأصلي، بل محاولة استغلالها من أجل السماح بتمديد الاتفاق وتحسينه. في الوقت عينه، في الفترة الانتقالية حتى دخول الرئيس المنتخب إلى البيت الأبيض، من المهم الامتناع من القيام بخطوات استفزازية، كي لا يجري المس بثقة الإدارة المقبلة بإسرائيل، وبالتالي بقدرة إسرائيل على التأثير في خطوات مستقبلية إزاء إيران.