"حماس" بين مطرقة حركة الجهاد الإسلامي وسندان الجيش الإسرائيلي
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- من المعقول الافتراض، على الرغم من أنه ليس مؤكداً بعد، أن مَن أطلق الصاروخين هذه الليلة في اتجاه مدن الساحل في أشدود وعسقلان هي حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني من قطاع غزة. كما يمكن الافتراض أن التي قامت بذلك هي مجموعة متطرفة في الحركة رفضت الانصياع إلى طلب "حماس" بالامتناع من إطلاق صواريخ في الذكرى السنوية لاغتيال بهاء أبو العطا.
- يبدو أن المجموعة المارقة أرادت إيذاء إسرائيل، وفي الأساس تنفيذ التهديدات وتسجيل نقاط لتأكيد هيبة التنظيم على الرغم من أن إسرائيل أوضحت جيداً في الأسبوع الماضي لـ"حماس"، ومن خلالها للجهاد الإسلامي أيضاً، أن ردها سيكون مؤلماً ومؤذياً، وخصوصاً لقوات "حماس" العسكرية التي تسيطر على القطاع، والمسؤولة عن منع إطلاق صواريخ من هذا النوع من طرف حركة الجهاد الإسلامي. لكن عناصر الجهاد الإسلامي الفلسطيني كانوا مصرّين بصورة خاصة على الانتقام لموت أبو العطا الذي كان رئيس المجلس العسكري للحركة في غزة وقائد اللواء الشمالي، وكثيراً ما تحدى إسرائيل، ولذلك اغتيل أبو العطا قبل عام.
- يمكن الاستنتاج من إطلاق الصواريخ الذي جرى أن الصاروخين اللذين أُطلقا كانا أكبر حجماً من الإنتاج المحلي للجهاد الإسلامي في غزة، لذلك كانا أيضاً غير دقيقين. وبالاستناد إلى مؤشرات كثيرة، كان من المفترض أن يصيب الصاروخان مدينة تقع شمال أشدود، بالإضافة إلى إصابة عسقلان. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن بطاريات القبة الحديدية لم تعترض الصاروخين اللذين سقطا في أراض مفتوحة، ولم يتسببا بأي ضرر. ويدل هذا على أن الصاروخين أُطلقا نحو أهدافهما من خلال مسار غير تقليدي، وربما كانا موجَّهيْن. يمكن الاستنتاج من ذلك أنهم يحاولون في القطاع تحدي قدرات القبة الحديدية من خلال وسائل مختلفة، لكن من دون نجاح حتى الآن.
- كما يمكن التقدير أن الإطلاق نُفِّذ الليلة، وليس في يوم الذكرى السنوية للاغتيال، بسبب حالة الطقس العاصف والممطر الذي ساد القطاع والمنطقة الساحلية في إسرائيل. يجب التذكير أن الجهاد الإسلامي هو الحركة الثانية من حيث الحجم في القطاع، لذا تتجنب "حماس" الدخول في مواجهات معها، لكن من المهم الإشارة إلى أنه ليس لديها القدرات التكنولوجية والعملانية التي لدى "حماس".
- لم يفهم الذين أطلقوا الصاروخين من غزة أن لسلاح الجو الإسرائيلي قدرة على أن يضرب بدقة أهدافاً في عمق أراضي غزة، أيضاً في طقس غائم وممطر. من المحتمل أنهم تحركوا انطلاقاً من الافتراض أن أجهزة "حماس" الأمنية ستكون أقل يقظة في الطقس العاصف وخلال المطر الذي انهمر في الليلة التي أُطلق فيها الصاروخان، ولن تنجح في إحباط نياتهم.
- السؤال المطروح الآن كيف ستتصرف "حماس" بعد الهجوم الواسع الذي شنه الجيش الإسرائيلي في القطاع هذه الليلة. حاولت قيادة "حماس" مسبقاً كبح عناصر الجهاد الإسلامي ومنعهم من تنفيذ عمليتهم، ليس فقط لأنها كانت تعلم مسبقاً بأن الجيش الإسرائيلي سيرد بعنف ضد منشآت عسكرية، بينها منشآت تصنيع صواريخ وأنفاق قتالية ومواقع مراقبة، بل أيضاً لأن ذلك قيل لها علناً. تعلم "حماس" أيضاً بأن سكان القطاع يعانون ضائقة اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية (49% من السكان عاطلون من العمل)، وأن إسرائيل تبدي مرونة في المفاوضات الدائرة عبر قنوات متعددة للتوصل إلى تهدئة مستقرة بين إسرائيل و"حماس" (استخدام كلمة تسوية يخلق انطباعاً خاطئاً أن إسرائيل و"حماس" يبحثان في نوع من اتفاق على وقف إطلاق النار بينما من الواضح، بحسب أيديولوجيا "حماس"، أن تسوية بعيدة الأمد هي أمر غير ممكن).
- على أي حال الأولوية العليا حالياً لدى "حماس" وفي إسرائيل هي التوصل إلى تهدئة. أيضاً إسرائيل حالياً مستعدة لتقديم المساعدة إلى "حماس" في حال حدوث تفشٍّ خطِر للكورونا في غزة، لأن المنظومة الصحية في القطاع غير مؤهلة لمعالجة عدد كبير من المرضى. موفدون من إسرائيل يعملون في قطر من أجل تأمين مساعدة مالية مستقرة للقطاع خلال سنة 2021. من أجل جميع هذه الأسباب، من مصلحة "حماس" عدم الوصول إلى تصعيد حالياً مع إسرائيل، ويمكن التقدير أنه على الرغم من الضربة التي تلقتها هذه الليلة، ثمة فرص كثيرة أن تنتقل "حماس" إلى جدول الأعمال اليومي، وألّا تنجر وراء الجهاد الإسلامي، كما أن الوسطاء المصريين سيضغطون على "حماس" كي لا ترد.