نهاية عهد ترامب وبداية عهد بايدن: ما المتوقع وماذا يجب أن نفعل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • نائب الرئيس جو بايدن أُعلن فائزاً في الانتخابات الأميركية بعد حصوله على الـ270 ناخباً كبيراً المطلوبين. على الرغم من الإعلان يدّعي ترامب حدوث تزوير وينوي اللجوء إلى إجراءات قضائية، من بين خطوات أُخرى، من أجل إعادة فرز الأصوات. محاولات ترامب تقويض العملية الديمقراطية، وكذلك فشل الديمقراطيين البادي في تحقيق "موجة زرقاء" تجعلهم يحصلون على الأغلبية في مجلس الشيوخ، يجسّدان شدة الاستقطاب في المجتمع الأميركي.
  • بعد فترة ولاية عاصفة للرئيس ترامب من المتوقع أن تتصرف إدارة بايدن بصورة هادئة أكثر. حتى الآن، وفي ضوء عدم اليقين العالمي جرّاء وباء الكورونا، ليس من الواضح إلى أي حد سيتغير جدول أولويات الإدارة الأميركية. مع ذلك، من المعروف أن إدارة بايدن ستوظف اهتماماً وموارد أكثر "لمعالجة النفس الأميركية" بحسب المعايير التي حددها برنامج الحزب. وذلك على خلفية 4 سنوات وصل فيها الانقسام والتوتر العنصري إلى الذروة، وأيضاً استمرار تفشّي وباء الكورونا الذي قتل نحو 220 ألف أميركي، وأسفر عن أضرار اقتصادية وصحية هائلة.
  • محاولة تقدير طريقة تصرّف إدارة بايدن يجب أن تتطرق، من بين أمور أُخرى، إلى 3 تطورات: خلافات داخلية في صفوف الحزب الديمقراطي نفسه، اختيار بايدن السيناتور كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس، والنظرة التقليدية – التي تقوضت خلال فترة ترامب - التي أساسها تبنّي الحزب الديمقراطي التقليدي للتعددية واستخدام وسائل دبلوماسية كأداة لزيادة القوة الناعمة للولايات المتحدة في الساحة الدولية. في هذا المجال من المتوقع أن تعزز إدارة بايدن - بعكس سابقاتها - التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في الساحة الدولية.
  • اختيار بايدن هاريس نائباً له - ناهيك عن أن تعيين امرأة سوداء في المنصب أشعل حماسة الناخبين - دل أيضاً على التوجه السياسي للإدارة المقبلة. وذلك بسبب انتماء هاريس إلى الجناح المعتدل في الحزب. يجب التشديد على أن اختيار هاريس مهم لمستقبل سياسة الحزب الديمقراطي على الرغم من أن نائب الرئيس، تقليدياً لا يتمتع بنفوذ كبير، لأن بايدن الذي يبلغ الـ78 من عمره لن يترشح على ما يبدو لولاية إضافية - الأمر الذي سيؤدي إلى تموضع كامالا كمرشحة للرئاسة في سنة 2024.
  • فيما يتعلق بالتوترات الداخلية الحزبية، يمكن توقع أن يعيّن الرئيس المنتخب قدامى إدارة أوباما من ممثلي الجناح المعتدل في الحزب الديمقراطي في المناصب الرفيعة المستوى. مع ذلك من المتوقع أن يواجه الرئيس وسائر مندوبي الجناح المعتدل ضغوطاً حادة من الجناح التقدمي - في موضوعات سياسية داخلية وخارجية في آن معاً. دروس في هذا المجال يمكن أن نستنتجها من تقارير بشأن عملية صوغ برنامج الحزب الديمقراطي، ومن مضمون الحصيلة النهائية. فيما يتعلق بإسرائيل يدل البرنامج على قوة المعتدلين: فهو لا يتضمن كلمة "احتلال" لدى التطرق إلى النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، ويشير إلى معارضة قاطعة لحملة الـBDS التي تعمل على الدفع قدماً بمقاطعة إسرائيل في الساحة الدولية. مع ذلك، بالإضافة إلى معارضة الـBDS، يبرز أيضاً في المفاوضات الداخلية الحزبية التزام الحزب عدم  انتهاك حق حرية التعبير وكذلك حق القيام بالمقاطعة. تغيير إضافي في برنامج الحزب له علاقة بإسرائيل من سنة 2016 هو المعارضة القاطعة لضم إسرائيلي لمناطق فلسطينية، مع أن هذه النظرة تحظى بدعم تام في الحزب ولا تُعتبر نتيجة مفاوضات بين الأجنحة، من المحتمل أن التقارب في النتائج (في الأساس إذا لم يحظ الديمقراطيون بأغلبية في مجلس الشيوخ) سيفرض على بايدن التعاون مع جمهوريين معتدلين من أجل الدفع قدماً بجدول أعمال قانوني.
  • بالإضافة إلى ذلك، إسرائيل هي أحياناً موضوع خلافي وسط مندوبي الجمهور الديمقراطي، لكن الرئيس المنتخب بايدن وأيضاً نائبه هاريس يوليان أهمية استراتيجية لمنظومة العلاقات الثنائية معها وأثبتا في الماضي، نظرياً وعملياً ـ أنهما صديقان كبيران لها. من كلامه العلني في الحملة يبدو أن بايدن سيبقى ملتزماً بالمحافظة على التفوق النوعي العسكري لإسرائيل، ولم يشترط استمرار المساعدة الأمنية بتغيّر في السياسة الإسرائيلية. ولن ينقل السفارة الأميركية من مقرها في القدس. في مسألة التسوية مع الفلسطينيين، كما يبدو، لن يسارع بايدن إلى تقديم مقترحاته - طبعاً ما دام لم يطرأ تغيير على القيادة الفلسطينية. من المتوقع ان يواصل بايدن تأييد عملية  تشجيع التطبيع مع الدول العربية، مع أنه من المحتمل أن تكون إدارته أقل سخاء في دفع "مقابل" أميركي للاتفاقات. تجدر الإشارة إلى أن موقف بايدن من السعودية التي تُعتبر اللاعبة المركزية والأكثر أهمية لاستكمال العملية هو نقدي أكثر من الذي تبناه ترامب. من ناحية ثانية من المحتمل أن يكون السعوديون أكثر اهتماماً بمنح الرئيس الجديد "هدية" التطبيع من أجل تهدئة الأمور مع الإدارة بعد الانتقادات الحادة من الديمقراطيين لخطوات قاموا بها.
  • في المقابل، من المتوقع أن تشدد إدارة بايدن على مبادىء وجهت إدارات ديمقراطية في الماضي: مخطط حل الدولتين لشعبين كحل مفضل لإنهاء النزاع، وإعادة فتح مكاتب الممثلية الدبلوماسية لمنظمة التحرير في واشنطن، ومعارضة أي مبادرة إسرائيلية لضم مناطق فلسطينية، وعلى ما يبدو أيضاً إدانة علنية لخطوات إسرائيلية أحادية الجانب في المناطق (لم تتطرق إليها إدارة ترامب). وهذه تشمل توسيع المستوطنات واستمرار سياسة هدم مبان (كرد إسرائيل على الإرهاب أو البناء الفلسطيني في المنطقة ج). من المحتمل أن معارضة خطوات كهذه من إسرائيل ستؤدي إلى عودة الولايات المتحدة إلى لعب دور وسيط يحظى بشرعية فلسطينية.
  • من المتوقع أن تحتل مشكلة إيران مركزاً أساسياً في سياسة الإدارة في الشرق الأوسط. في مقال رأي نُشر خلال الحملة (في نيسان/أبريل في السي أن أن) عرض بايدن سياسته في هذا الإطار، وتعهد العمل على منع حصول إيران على سلاح نووي، وقال: إذا عادت إيران إلى الاتفاق فإن الولايات المتحدة ستفعل ذلك أيضاً - كنقطة للدخول في مفاوضات لتمديد زمن القيود التي سيتضمنها الاتفاق المحدث بمشاركة الأوروبيين، وأيضاً لكي يتضمن تطرقاً إلى توترات إقليمية.
  • أبقى بايدن موقفه غامضاً تجاه المطالبة الإيرانية المقدمة كشرط مسبق للدخول في مفاوضات – رفع كل العقوبات والتعويض عن تداعيات العقوبات الأميركية منذ فرضها مجدداً. في أي سيناريو، سواء استئناف المفاوضات أو استمرار خطوات التصعيد من جانب إيران، يتعين على إسرائيل أن تأخذ في حسابها وجود فجوات بين مصالحها وبين مصالح الولايات المتحدة.
  • في الساحة الدولية، من المتوقع أن يجدد بايدن مشاركة الولايات المتحدة في اتفاقية المناخ في باريس، وتعزيز التحالف مع حلفائها التقليديين في العالم الغربي عموماً، وفي أوروبا الغربية خصوصاً.
  • في ساحة الأمم المتحدة يمكن توقُّع عملية سريعة نسبياً فيما يتعلق بهيئتين: وقف الخروج من منظمة الصحة الدولية (WHO)، والعودة إلى مجلس حقوق الإنسان (UNHRC)- مثلما أعاد أوباما الولايات المتحدة إلى المجلس بعد أن أخرجها منه سلفه جورج بوش الابن . في مؤسسات الأمم المتحدة وخارجها، سيتأثر سلوك إدارة بايدن بالمنافسة والخصومة مع الصين. مع ذلك، لا يوجد فارق مهم بين الحزب الديمقراطي والجمهوري إزاء النظرة إلى التهديد الذي تمثله الصين. وفي برنامج عمل الحزب الديمقراطي مذكور علناً أنه في ظروف معنية يجب القيام بـ"إجراءات صارمة" ضد بيجين.
  • في الخلاصة، نهاية ولاية ترامب وانتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة يتطلبان ملاءمات إسرائيلية. أولاً، المطلوب استراتيجيا تواصُل مع الإدارة الجديدة، تجدّد مكانة إسرائيل كإجماع بين الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة المنقسمة. في هذا الإطار، على إسرائيل أن تبادر فوراً إلى عمل دؤوب يشمل ترسيخ خطوط تواصُل مفتوحة مع نواب الحزب الديمقراطي، وأيضاً مع الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة. بالنسبة إلى قضايا استراتيجية، المطلوب عمل وثيق وتنسيق التوقعات بين طواقم أميركية وإسرائيلية في كل ما له علاقة بالسياسة الإقليمية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط - بدءاً من التهديد الذي تشكله إيران إزاء إسرائيل، مروراً بمواصلة اتجاه التطبيع مع الدول العربية، وصولاً إلى النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. ثالثاً، في الساحة الدولية - يجب حل مسألة التجارة والتعاون بين إسرائيل والصين. بالإضافة إلى ذلك، نقترح محاولة تنسيق إعادة دخول الولايات المتحدة إلى هيئات الأمم المتحدة بصورة تدريجية، بحسب جدول مالي يكون مشروطاً  بتغييرات في وظيفة هذه الهيئات وإصلاح الخلل الذي يؤدي إلى انحياز تلقائي ضد إسرائيل.
  • ختاماً ، إذا لم تتطابق سياسة الولايات المتحدة مع سياسة حكومة إسرائيل، من المهم أن يأخذ الرد الإسرائيلي في الاعتبار متغيرَيْن أساسيين: الأول- العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة التي هي الرصيد الأكثر أهمية لإسرائيل في المنطقة وفي الساحة الدولية. الولايات المتحدة مع إدارة بايدن أيضاً ستعتبر إسرائيل حليفاً مهماً في الشرق الأوسط، وبناء على ذلك، تقتضي المصلحة الإسرائيلية تطوير العلاقات مع الإدارة وتقويتها - حتى مع وجود خلافات في الرأي معها. ثانياً- أي نقد علني وتحدٍّ إسرائيلي للإدارة الديمقراطية سيوسعان الفجوة  معها، وأيضاً مع جزء من الجالية اليهودية الأميركية التي تشكل مدماكاً مهماً في العلاقة التاريخية والقيم بين البلدين.