لسنا بحاجة إلى ترامب، سيكون لدينا دائماً بيبي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • ليس مهماً مَن سيُنتخَب رئيساً للولايات المتحدة. فقد ثبت بالملموس أن الوهم القائل إن رئيساً أميركياً يقدر على حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، لا أساس له من الصحة. سواء جيمي كارتر، الذي نجح في إحلال السلام بين إسرائيل ومصر، أو بيل كلينتون الذي منح اتفاقات أوسلو والاتفاق مع الأردن رعايته، ما كان في إمكانهما صنع السلام لو لم يكن في مقابلهما رئيسا حكومة إسرائيلية وافقا على التنازل عن مناطق [محتلة]، وأعطيا هذه الخطوات الرؤيا المطلوبة، وفهما التداعيات التاريخية للفرصة المتاحة أمامهما.
  • تحديداً قبل 30 عاماً، مع انتهاء مؤتمر مدريد، صاغ وزير الخارجية الأميركي جايمس بيكر العبارة التي استخدمتها كل الإدارات الأميركية من أجل إحداث المعجزة: "لا نستطيع أن نرغب في السلام أكثر منكم." هو قصد الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن في الأساس رئيس الحكومة آنذاك يتسحاق شامير.
  • ترامب خرق هذه القاعدة بصورة ثابتة وحازمة. فقد أراد السلام أكثر بكثير من إسرائيل. صفقة القرن تحولت إلى هاجس شخصي، وإلى اختبار كبير لمهارته في إبرام الصفقات التي تباهى بها، حتى بدا أن سبب وجوده كرئيس مطروح على المحك إذا لم ينجح في تحقيقها.
  • مبدع كعادته، حاول ترامب حل النزاع بأسلوب وصفه رئيس الأركان أفيف كوخافي بأنه "هندسة عكسية"، أي إعادة تنظيم تركيبة المدن بواسطة سلسلة عمليات مايكرو- تكتيكية. لكن بدلاً من "تراكيب مدينية" انكب ترامب على "تركيب الشرق الأوسط". الصيغة الأساسية للدبلوماسية الإسرائيلية - الفلسطينية القائلة مناطق مقابل سلام، وتلك التي وحدت الدول العربية حول مبدأ "أولاً انسحاب من كل المناطق ومن بعده تطبيع" قوضها من أساسها. هذان النموذجان انقلبا رأساً على عقب.
  • بدلاً منهما أنشأ ترامب نوعاً من مفاوضات غير متناظرة، وألغى مظهر الوسيط الأميركي النزيه، وهذه صورة كاذبة حافظت الولايات المتحدة عليها دائماً. قرر أن تكون إسرائيل قبل كل شيء، ومن بعدها إذا بقي متسع من الوقت ورغبة، يأتي أيضاً الفلسطينيون.
  • انفصل عن الفلسطينيين من خلال صفعة اقتصادية مجلجلة، وقدم إلى نتنياهو رزمة هدايا شملت الاعتراف بالسيادة في الجولان والقدس كعاصمة لإسرائيل، وموافقة على الضم "خاضعة للتفاوض". حقق التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين وقريباً مع السودان أيضاً، وقبل كل هؤلاء - انسحب من الاتفاق النووي مع إيران. الآن سنرى إن كان الفلسطينيون سيأتون إلى الطاولة.
  • النتيجة معروفة. إسرائيل حظيت بالسلام مع ثلاث دول عربية بالإضافة إلى مصر والأردن، إنجاز كبير ومهم بحد ذاته، لكن كالعادة في الشرق الأوسط، هنا أيضاً لم ينجح ترامب في حل النزاع الحقيقي. الهندسة العكسية فشلت. لم تنجح هذه السياسة في اختراق الجدار الفلسطيني وتغيير نظام العالم. لقد أبقى ترامب إسرائيل والفلسطينيين من دون أفق سياسي، ومن دون فرص للانفصال عن الضفة الغربية والقطاع، ومع احتلال فرض ويفرض طابع الدولة وقوانينها وثقافتها.
  • لكن إرث ترامب سيظل موجوداً. حتى لو أصبح جو بايدن الرئيس المقبل للولايات المتحدة، الترامبية ستبقى موجودة في إسرائيل ما دام نتنياهو يتولى منصب رئاسة الحكومة. صحيح أن سياسة ترامب هي منتوج قابل للاندثار وليس هناك قرارات لا عودة عنها - ترامب نفسه أثبت ذلك. لكن في حالة إسرائيل يمكن القول بصراحة إن ترامب لم يخلق التبدل الذي حوّل إسرائيل من دولة ديمقراطية أخلاقية إلى حد ما، مضطربة أحياناً، حساسة لمكانتها في العالم، إلى دولة عنصرية، متعجرفة، معتدة بنفسها، مستبدة إزاء مواطنيها كما إزاء الفلسطينيين. إنه نتاج محلي قبِل به ترامب وهو يتمدد. إسرائيل لن تصبح يتيمة إذا ذهب ترامب. سيبقى لديها نتنياهو، القالب الأصلي الذي لا يتآكل.