هل يدبّر ترامب صفقة مع سورية تتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • قبل نحو ثلاثة أسابيع وقف تركي محمود البوسعيدي أمام الرئيس السوري بشار الأسد، مقدّماً أوراق اعتماده سفيراً لسلطنة عمان في سورية. البوسعيدي هو أول سفير خليجي يعيَّن في دمشق بعد طرد سورية من الجامعة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. قبل نحو عامين خرقت دولة اتحاد الإمارات الحصار الدبلوماسي على سورية عندما أعادت فتح سفارتها هناك، وانضمت إليها البحرين أيضاً.
  • بدا حينها أن سورية على وشك العودة إلى الحضن العربي - عندما طُرح احتمال أن تعيد الجامعة العربية النظر في عضوية سورية فيها، وصرّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه يؤيد الجيش السوري الوطني، وهو مستعد لإرسال شحنات سلاح لدعم الحرب التي يخوضها النظام ضد المتمردين. مؤخراً أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن عودة سورية إلى الجامعة العربية "غير مطروحة على الطاولة"، لكن الظروف قد تتغير لأن سورية تحظى حالياً باهتمام متزايد، في الأساس بسبب تحولها إلى مركز خصومات سياسية لعدة دول. روسيا مهتمة كثيراً بحصول نظام الأسد على شرعية عربية، كي تستطيع سورية أيضاً أن تكون مجدداً عضواً في المجتمع الدولي والحصول على هبات ومساعدات من مؤسسات مالية دولية ضرورية لإعادة إعمارها.
  • تتطابق المصلحة الروسية مع مصلحة السعودية والإمارات اللتين تريدان لجم نفوذ إيران، والأهم من ذلك وضع جدار دفاعي في وجه التدخل التركي في سورية خصوصاً وفي الشرق الأوسط عموماً. استولت تركيا على مناطق في الأراضي السورية وتخوض هناك حرباً ضد المتمردين الأكراد، وهي تعتبر الأسد زعيماً غير شرعي. تشعر تركيا بالقلق، في الأساس من أن حصول سورية على شرعية عربية، بالإضافة إلى دعم روسي، سيفرضان عليها الخروج منها.
  • تستطيع تركيا الاعتماد على دعم دونالد ترامب. وعلى الرغم من أن واشنطن هي حليفة استراتيجية للأكراد، فإن ترامب لم يحرك أصبعاً لإجبار تركيا على الخروج من المحافظات الكردية التي احتلتها. تدخُّل الولايات المتحدة الأساسي في سورية يتلخص في فرض عقوبات شديدة القسوة على النظام. على سبيل المثال العقوبات التي فُرضت في حزيران/يونيو، ضمن "قانون قيصر"، الذي يفرض عقوبات على أي شركة أو دولة أو شخص يقيم علاقات من أي نوع كان مع نظام الأسد، باستثناء النشاطات الإنسانية.
  • لكن تبين أن البيت الأبيض نفسه يقيم علاقات مع سورية. بالاستناد إلى معلّقين في "الوول ستريت جورنال" أرسل ترامب في آذار/مارس رسالة إلى الأسد، اقترح فيها إجراء مفاوضات لإطلاق سراح مواطنيْن أميركيين، هما أوستين تايس، صحافي مستقل اختفى في سورية في سنة 2012، ومجيد كملماز الذي اعتُقل على حاجز سوري في سنة 2017، ومنذ ذلك الحين مسجون في سورية. قبل بضعة أسابيع أرسل ترامب إلى دمشق كبير مستشاريه لشؤون محاربة الإرهاب كاش باتل لإجراء محادثات لإعادتهما، لكن يبدو أن العملية لم تثمر نتائج. فقد اشترط الأسد لإطلاق سراحهما خروج القوات الأميركية من سورية ورفع العقوبات المفروضة عليها.
  • لكن حدوث المفاوضات بحد ذاته يثير تكهنات وتقديرات بشأن نيات ترامب فيما يتعلق بسورية. "هل سورية في الطريق إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل في مقابل رفع العقوبات عنها؟" تساءل معلّقون عرب، و"هل المفاوضات على إطلاق المعتقلين الأميركيين هو الطلقة الأولى على طريق صفقة كبيرة يخطط لها ترامب". وازدادت التكهنات مع تعيين السفير العماني في دمشق، الذي من المحتمل أنه جرى بمباركة سعودية، وكاستمرار لعملية توثيق العلاقات بين الإمارات والأسد، بحسب معلّقين سوريين.
  • الأسد نفسه سارع إلى سكب مياه باردة على فرص التطبيع مع إسرائيل. فقد أوضح في مقابلة أجراها معه التلفزيون الروسي في بداية تشرين الأول/أكتوبر أن "التطبيع سيكون فقط في مقابل المناطق التي احتلتها إسرائيل من سورية"، وتابع: "في هذا الوقت سورية لا تجري مفاوضات مع إسرائيل." كان هذا توضيحاً قصيراً بصورة خاصة، حيث أن الأسد لم يتطرق قط إلى المشكلة الفلسطينية، ولا إلى الشروط التي حددتها المبادرة العربية للسلام، التي دعت إسرائيل إلى الانسحاب من كل المناطق التي احتلتها، وليس فقط من هضبة الجولان. وبالمناسبة، الأسد أيضاً لم يُدِن بصورة رسمية اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات، واكتفى ببيان انتقادي أصدره حزب البعث، ولم يُسمع أي تطرق رسمي إلى المفاوضات التي يجريها لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية بينهما.
  • ثمة شك في أن هذه الإشارات والتلميحات ستثمر في وقت قريب اتصالات مباشرة أو غير رسمية بين إسرائيل وسورية. وحتى لو تحقق الكابوس وانتُخب ترامب مرة أُخرى، وفي جعبته اقتراح صفقة جديدة مع إيران، فإن انسحاباً إسرائيلياً من هضبة الجولان ليس وارداً في الحسبان. وخصوصاً ليس بعد أن اعترف ترامب نفسه بسيادة إسرائيل عليها، وإزاء الإجماع الإسرائيلي الكاسح الذي لا يترك مجالاً لمفاوضات على انسحاب.
  • إذا انتُخب جو بايدن من غير المتوقع أن يغيّر البنية التحتية التي رسمها ترامب في سورية؛ لن يطالب بانسحاب إسرائيلي، وثمة شك في أنه سيلغي العقوبات المفروضة عليها. نقطة التحول من الممكن أن تحدث هذه المرة من الدول العربية تحديداً إذا قررت استئناف علاقاتها مع سورية.