ترامب ضد العالم
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • قرار الولايات المتحدة، الذي أعلنه وزير الخارجية مايك بومبيو، فرض عقوبات أحادية الجانب على إيران كما كانت سارية قبل الاتفاق النووي- هو إعلان عن بدء "حرب عالمية". منذ أسابيع طويلة تحاول واشنطن تجنيد المجتمع الدولي كي يرفع راية تمديد حظر بيع السلاح التقليدي لإيران، الذي من المفترض أن ينتهي في تشرين الأول/أكتوبر. وحذرت الولايات المتحدة من أنه إذا لم يمدَّد الحظر فإنها ستفرض مجدداً كل العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق النووي، والتي رُفعت تدريجياً مع توقيع الاتفاق في سنة 2015.
  • لم تنجح مبادرة ترامب. وبدلاً من التجنّد وقف المجتمع الدولي ضده. الحجة القانونية التي قدمها ترامب تقول إن من حق الولايات المتحدة أن تطلب من الأمم المتحدة إعادة فرض العقوبات الدولية، كونها شريكة في الاتفاق النووي. رداً على ذلك، تدّعي سائر الدول التي وقّعت الاتفاق – ألمانيا؛ روسيا؛ فرنسا؛ بريطانيا- أن الولايات المتحدة خسرت المكانة التي تسمح لها بمثل هذا الطلب بعد انسحابها من الاتفاق النووي في سنة 2018.
  • منذ البداية لم يكن لطلب واشنطن فرصة، لأن دولتين من الدول الموقِّعة الاتفاق، الصين وروسيا، ستستخدمان الفيتو ضد أي قرار يعيد العجلة إلى الوراء، من هنا وُلد القرار الأميركي بالتحرك بصورة أحادية الجانب، مع التهديد الواضح بأن الولايات المتحدة ستعمل على معاقبة كل من يقف ضد موقفها. التفسير العملي للتهديد، إذا تحقق، هو أن الولايات المتحدة يمكن أن تفرض عقوبات على دول، وشركاء دوليين، وكيانات، وأفراد في العالم يستمرون في إقامة علاقات مع إيران بخلاف سياستها الجديدة للعقوبات.
  • يبدو أن ترامب، مهندس الاتفاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، يقدم عرضاً انتخابياً مجنوناً في إطار تكثيف "ملف الوقائع" الذي سيعرضه على الناخبين كدليل على موهبته المدهشة في إدارة السياسة الخارجية.
  • لكن هذا القرار مملوء بالثغرات. بين الدول التي تقيم علاقات وثيقة بإيران يمكن أن نجد مثلاً قطر التي تستضيف إحدى أكبر القواعد الأميركية في الشرق الأوسط تدير في الوقت عينه مع إيران أحد أكبر حقول الغاز في الخليج الفارسي. الإمارات منحت هذه السنة إذناً لشركات إيرانية لمعاودة عملها في دبي، وهي تمنح مواطنين ورجال أعمال إيرانيين تأشيرات دخول من دون قيود. إيرانيون يشترون عقارات في الإمارات، ويساعدون بذلك في ترميم القطاع الذي تلقى ضربة قاسية.
  • عُمان الدولة المرشحة الأُخرى لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، لديها علاقات وثيقة مع إيران، وتقوم بدور الوسيط بين واشنطن وطهران، وبين إيران والسعودية. صحيح أن تركيا تخلت عن شراء النفط والغاز من إيران، لكن لديها معها علاقات تجارية وعلاقات تعاون.
  • العراق الذي يقدَّر حجم تجارته مع إيران بنحو 12 مليار دولار يعتمد على إيران في التزود بالغاز والكهرباء والمياه، وتعمل داخل أراضيه الميليشيات الشيعية برعاية إيران. باستثناء سياسة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي المنحازة إلى الولايات المتحدة، لا يوجد حالياً بديل من أنبوب التنفس الاقتصادي الإيراني. هل هذه الدول الصديقة القريبة من واشنطن ستعاني من ضربة من ذراع الإدارة الأميركية؟ هل سيفكك الجيش الأميركي قواعده في قطر وعُمان؟
  • الصين وروسيا هما الداعم المتين الذي يواصل دعم الاقتصاد الإيراني، وعليهما تعتمد قدرتها على الصمود في مواجهة العقوبات. صحيح أن الصين قلصت بصورة كبيرة مشترياتها من النفط الإيراني، لكن الدولتين تجريان مفاوضات بشأن اتفاق استراتيجي اقتصادي، ستوظف بواسطته الصين في إيران مئات المليارات خلال الـ25 عاماً القادمة في مقابل التزود بالنفط بسعر مخفّض خلال تلك الفترة. الاتفاق هو جزء من استراتيجيا "الطريق والحزام" التي تبنتها الصين، لتأمين شبكة تجارتها ونفوذها في الشرق الأوسط، وفي آسيا، ولاحقاً في أوروبا أيضاً.
  • هل تهديدات ترامب بمعاقبة الصين بسبب علاقاتها مع إيران ستؤثر في رؤيا بيجين للمستقبل؟ لقد سبق أن أعلنت الصين أنها تعارض تمديد الحظر على إيران والعقوبات الجديدة التي تنوي واشنطن فرضها. موقف مشابه وقاطع أعلنته في الأمس وزارة الخارجية الروسية التي قالت إن "المبادرات والأعمال غير الشرعية للولايات المتحدة لا تستطيع التأثير في دول أُخرى." معنى ذلك أن موسكو لا تنوي الانجرار وراء ترامب، وخصوصاً في الوقت الذي يتلاشى فيه وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
  • ومن الصعب فهم كيف يوفق ترامب بين إعلانه في حفل توقيع اتفاقات السلام بين إسرائيل ودول الخليج- حين قال إنه إذا انتُخب سيمنح إيران صفقة ممتازة- وبين نيته فرض عقوبات من جديد. تدل التجربة على أن أي جهد للعثور على منطق في السياسة الخارجية لترامب نهايته الإحباط والاستسلام. زعيم أعظم قوة في العالم يشق طريقه إلى شهر تشرين الثاني/نوفمبر [موعد الانتخابات الرئاسية] وهو يزرع عبوات ناسفة في كل اتجاه. والآن، من خلال فتحه جبهة في مواجهة حلفائه في أوروبا وخصوم أقوياء، مثل روسيا والصين، يحول إيران تحديداً إلى ضحية ظلم واضطهاد بحاجة إلى حمايتهم من جنونه.