مصر والأردن يعتمدان على الإمارات ويتخوفان من تآكل مكانتهما بعد الاتفاق مع إسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • أسامة سرايا من كبار المعلّقين السياسيين في مصر نشر في موقع الأهرام المصري أمس (الخميس) رسالة دفاع استثنائية عن اتفاقات السلام التي وُقّعت بين إسرائيل والإمارات والبحرين. كتب: "الاتفاق الجديد هو الظهير القوي الذي يحمي ما تبقى من الأراضي الفلسطينية والقدس العربية." هذه العبارة هي مقدمة خطاب حاسم يرمز ربما إلى "الريح الجديدة" التي تهب من مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي.
  • "الذي أذهلنا، هذه التصرفات الفلسطينية غير الحكيمة التي تمادت في عدوانيتها، وذهبت إلى الجامعة العربية، لتحصل على قرار يدين الإمارات، بل يقف ضد المصالح العربية لمصلحة المحور التركي- الإيراني، بل إن السلطة الفلسطينية أعادت إحياء ما مات وانتهت صلاحيته، من فصائل وتنظيمات أصبحت مجرد مكاتب في دمشق أو في بيروت، بل إنها تناست جريمة "حماس"، وقتلها الفلسطينيين... لكن المنظر المضحك كان لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الذي ذهب إلى المخيمات الفلسطينية ليستعرض أسلحتها، وهو يعرف تماماً أنها أسلحة إيرانية، مهدداً، متوعداً، ولم يحترم سيادة دولة لبنان التي تعاني أزمة وكارثة مرفأ بيروت."
  • يكشف سرايا في مقاله معضلة مزدوجة. كيف يتعيّن على المثقفين المصريين والعرب التعامل مع اتفاقات السلام في ظل تعريفها كـ"خيانة خطيرة" للوحدة العربية؛ وكيفية التعامل الآن مع القضية الفلسطينية وحلها.
  • مصر حليفة قوية لدولة الإمارات المتحدة العربية وللسعودية، وهي تستفيد من مليارات الدولارات التي تتدفق إليها كاستثمارات وودائع في المصارف منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم سنة 2013، بعد إطاحة حكم محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين. وتموّل الإمارات جزءاً ضخماً من تكلفة القاهرة الجديدة، المدينة التي تحولت إلى رمز للتجديد والتنمية، ويتضح أكثر فأكثر أنها مشروع عديم الجدوى. كما ساهمت أيضاً في تطوير مشاريع في شمال سيناء كجزء من المحاربة المصرية للتنظيمات الإرهابية، ومن الجهد لتجنيد البدو لهذه المعركة.
  • الإمارات هي شريكة في الحرب المصرية ضد الحكومة الليبية، ومصر هي جزء من الائتلاف الخليجي الذي شكلته السعودية من أجل الحرب ضد الحوثيين في اليمن. كل هذا يفرض على النظام المصري الدفاع عن السمعة الجيدة للإمارات، وكبح أي انتقاد ضدها، وتفضيل المصلحة الاقتصادية- العسكرية على المبدأ العربي الجامع الذي يدعو إلى إنقاذ فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
  • وضع الأردن مشابه لوضع مصر. في السنوات الأخيرة حصل الأردن على هبة تقدّر بـ300 مليون دولار من الإمارات كمساعدة لقطاعيْ التعليم والصحة. وفي السنوات الأخيرة حصل على دعم يقدَّر بـ1.5 مليار دولار من دول الخليج، بالإضافة إلى وجود نحو 300 ألف مواطن أردني يعملون في الإمارات، ويحوّلون نحو مليار دولار إلى عائلاتهم سنوياً. أيضاً في الأردن كما في مصر، حظيت الاتفاقات بتقارير مقتضبة من دون معالجة نقدية أو تحليلية، بحسب تعليمات وزير الإعلام الأردني.
  • في الوقت عينه هناك مخاوف في هاتين الدولتين وشكوك إزاء تداعيات اتفاقات السلام الجديدة. حتى الآن كانت مصر والأردن "حبيبتي " واشنطن، وحظيتا ليس فقط بدعم سياسي، بل أيضاً بمساعدة مالية سخية- حصلت عليها مصر بسبب اتفاقات كامب ديفيد، والأردن بسبب التعاون الأمني الوثيق مع إسرائيل. الأهم من ذلك العلاقات المميزة مع إسرائيل التي استخدمتها الدولتان كأداة للتأثير في سلوك القدس في الضفة الغربية، وفي غزة، وفي الأماكن المقدسة الخاضعة لرعاية وإدارة الأردن، إنفاذاً للاتفاقات معه. حالياً يطرح معلقون مصريون بحذر التقدير أنه كلما ازداد عدد الدول المنضمة إلى حلقة أصدقاء إسرائيل، سيتراجع تأثير مصر حيال إسرائيل، وفي الشرق الأوسط العربي عموماً.
  • نموذج من هذا التخوف جرى التعبير عنه في تقارير تحدثت عن ضغوط إماراتية على السودان للتسريع في تطبيع علاقاته مع إسرائيل. وبالاستناد إلى تقارير في وسائل إعلامية عربية، وعدت الإمارات بتحويل مئات الملايين من الدولارات إلى هذه الدولة الفقيرة، بالإضافة إلى وعود إسرائيلية بالمساعدة في تطوير بنى تحتية زراعية. حتى الآن كانت مصر هي التي أدارت المحور العربي-السوداني، كجزء من الصراع الذي تخوضه في مواجهة أثيوبيا بشأن بناء سد النهضة وتقاسُم المياه بينها وبين السودان. في القاهرة يتخوفون من أن يؤدي التدخل الإماراتي في السودان إلى إعطائها مكانة الوسيط بين مصر والسودان، وأن تُفرض على مصر سياسة تضر بمصالحها.
  • وبينما يُمنع انتقاد الاتفاقات في وسائل الإعلام، يتوجهون نحو مناطق "التهديدات والمخاطر". على سبيل المثال، يتحدثون عن مذكرة التفاهم الموقّعة بين شركة دوفار- تاور الإسرائيلية التي يملكها شلومي فوغل، وتملك أيضاً مرفأ إيلات، وبين شركة  DP world من دبي. تتحدث المذكرة عن تعاون وفحص إمكانات نقل بضائع من الإمارات عبر ميناء إيلات إلى مرفأيْ أشدود وحيفا، كما تنوي الشركة الإماراتية التنافس على شراء أحواض سفن إسرائيلية معروضة للخصخصة.
  • تثير هذه التقارير في مصر موجة عاصفة من القلق جراء التهديد الذي يمكن أن تطرحه هذه الصفقة لحركة التجارة في قناة السويس. قبل سنوات دشنت مصر توسيع قناة السويس الذي كلّف مليارات الدولارات – معظمها جاء من تبرعات ومن بيع سندات قروض إلى مواطنين مصريين. لقد وعد الرئيس المصري حينها، ليس فقط بأن يزيد توسيع قناة السويس من حجم التجارة بل أن يترافق أيضاً مع بناء مراكز تجارية كبيرة ومشاريع صناعية على شواطئها. منذ ذلك الحين تقلص المرور المائي عبر السويس، وانخفضت المداخيل، ومعظم المشاريع بقي حبراً على ورق. ما الذي سيحدث لهذه المداخيل إذا قررت الإمارات استخدام قناة عبور تمر عبر البحر الأحمر إلى إيلات بدلاً من قناة السويس؟  حتى الآن لا توجد تقديرات محددة، لكن المخاوف تزداد.
  • في الأردن يتخوفون من إمكان أن يحرم الاتفاق مع الإمارات – ولاحقاً مع السعودية- الأردن من رعايته، للأماكن المقدسة في القدس ومكانته الخاصة فيها، ويجعل السعودية صاحبة الأمر في الأماكن المقدسة الإسلامية. لكن قبل ذلك، سيكون من المهم أن نرى كيف سيتعامل المصلّون الفلسطينيون مع ضيوفهم القادمين من الخليج؟ وهل ستُفرض عليهم القيود التي تفرضها إسرائيل على المصلّين من الضفة وغزة.
  • "العالم العربي يجد نفسه في داخل ثقب أسود، سيبتلع الدول العربية التي تسارع إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل." هذا ما جاء في مقال في موقع "الخليج الجديد" الصادر من قطر. من بين هذه الدول يسمّي المقال أيضاً سورية "التي قمعت مواطنيها خلال عشرات السنوات تحت راية المقاومة والعداء للصهيونية. لكن النظام أرسل مؤخراً تلميحات تُظهر أن ركوبه القطار الإسرائيلي يمكن أن يحميه من الجرائم الفظيعة التي ارتكبها ضد الإنسانية، وأنه سيحظى بالتطبيع مع العالم في مقابل التطبيع مع إسرائيل."
  • لكن من الصعب العثور على تلميحات إلى تطبيع مع إسرائيل من الجانب السوري. الناطقة الوحيدة التي تحدثت عن هذا الموضوع كانت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس بشار الأسد التي قالت في الشهر الماضي "لا نفهم ما الذي تجده دولة الإمارات في التطبيع مع إسرائيل" التي خرقت كل الاتفاقات التي وُقّعت معها. فُسِّر كلامها كتعبير إدانة ضعيف نسبياً مقارنة بالإدانات الأكثر حدة بكثير من جانب الفلسطينيين، وحزب الله، وإيران ودول أُخرى. كان من المتوقع أن يُصدِر الأسد نفسه إدانة شديدة، لكن الرئيس السوري سكت. السبب أن الإمارات فتحت من جديد سفارتها في دمشق في سنة 2018، ومهدت الطريق إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين سورية والإمارات وإعادة سورية إلى الجامعة العربية، التي طُردت منها في بداية الحرب الأهلية في سورية. ثمة شك كبير في أن يتوجه الأسد فجأة نحو التطبيع مع إسرائيل، وثمة شك أكبر فيما إذا كان سيجد شريكاً في إسرائيل. بخلاف الإمارات والبحرين، السلام مع سورية له ثمن لن تدفعه إسرائيل.
  • ثمة علامة استفهام مهمة تتعلق بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. البنود العامة للاتفاقات تنص على أن الطرفين يتعهدان بالعمل معاً من أجل تحقيق حل متفَّق عليه للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، يستجيب إلى" الحاجات والتطلعات المشروعة للشعبين"، حل يكون "عادلاً وشاملاً وواقعياً وقابلاً للحياة." مع ذلك، ليس من المعروف حتى الآن ما إذا كانت الاتفاقات التفصيلية تتضمن تفسيرات متفَّق عليها لهذه المصطلحات، وماذا يعني "حل واقعي"؟ هل تقبل الإمارات والبحرين الوضع كما هو على الأرض ويشمل المستوطنات كجزء من الواقع "الحقيقي". هل تنويان تشكيل منتدى جديد يشمل الفلسطينيين وإسرائيل، يجري في إطاره تطبيق خطة ترامب؟ هل ستحل الإمارات محل قطر وتركيا في دورهما "المدافع " والممول لـ"حماس"، من أجل استكمال عملية لجم إيران؟ السرور الإسرائيلي بهزيمة الفلسطينيين يمكن أن يتضح أنه سابق لأوانه. دول الخليج تمنح إسرائيل ما وافقت إسرائيل على منحه للفلسطينيين، "سلام اقتصادي"، لكن من المحتمل أن يكون ذلك هو البداية فقط لعملية سيُطلَب فيها من إسرائيل أن تدفع ثمناً سياسياً أيضاً.