اللامبالاة التي استُقبل بها الاتفاق مع الإمارات هو التطبيع الحقيقي
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- أطفال في الإمارات العربية المتحدة تلتقط لهم الصور وهم يلوحون بأعلام إسرائيل، على خلفية نشيد "هتكفا". على طائرة إلعال التي ستقلع هذا الصباح (الاثنين) مباشرة من مطار بن غوريون إلى أبو ظبي طُبعت للمناسبة كلمة "سلام" باللغتين العربية والعبرية؛ وكبار المسؤولين في الدولتين يتبادلان مع بعضهما البعض علناً التهاني القلبية ومشاريع مشتركة لمستقبل أكثر وردية. لم تدخر بادرة ولن تدخر لاحقاً في الجهود التي تبذلها كل الأطراف المعنية لتحويل اتفاقات التطبيع بين إسرائيل و الإمارات العربية المتحدة إلى اتفاقات تاريخية واحتفالية رائعة ومثيرة بقدر الممكن.
- لكن مع ذلك، يبدو أن هذه الاحتفالية لم تصب الجماهير في إسرائيل في شأن هو موضوع جماعي - وطني كبير، بما في ذلك صراعات مع وضد من النوع الذي أثارته اتفاقات سلام تاريخية. ليس هذا لأنه لا يوجد هناك مَن هو ضد الاتفاق، في الواقع قلائل جداً في إسرائيل عبّروا عن موقف معارض للمبادرة ذاتها، لكن ليس هناك أيضاً مَن عبّروا عن تأثرهم الكبير. وهذا الجو لا يسود فقط صفوف اليسار. الجو العام في إسرائيل إزاء الاتفاق يمكن وصفه بـ "تأييد لامبالٍ".
- تفسيرات ذلك، منذ إعلان الاتفاق الدراماتيكي متنوعة. هناك مَن يشدد على حقيقة أن كل خطوة يقودها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وأيضاً يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحظى في هذه الأيام بردات فعل تلقائية من مؤيديه أو معارضيه. نتنياهو وترامب تحولا إلى شخصيتين استقطابيتين إلى حد من الصعب جداً معه للأشخاص الذين لهم علاقة بالحملات ضدهما أو معهما النظر بواقعية من خلال منظور آخر. قل لي ما رأيك بنتنياهو من واحد إلى عشرة، أقول لك بسهولة ما هي تحفظاتك عن الاتفاق.
- علاوة على ذلك، من ناحية التقسيم التقليدي بين يمين ويسار، الظروف السياسية أدت أيضاً إلى أن اليمين غير المؤيد لنتنياهو لم يكن راضياً منذ البداية عن التنازل عن الضم في مقابل التطبيع. واليسار الذي أفرحه ذلك، لم يكن راضياً من جهته عن تداعيات الاتفاق على الذين يجب التفاوض معهم فعلاً: الفلسطينيون.
- بدلاً من بلورة رسالة كان يمكن أن توحد أجزاء واسعة حول الخطوة، يستغل نتنياهو الفرصة كي يهاجم اليسار بعنف، والادعاء أنه قضى على الحجة الأساسية لهذا المعسكر بأن السلام مع العالم العربي مرتبط بتنازلات للفلسطينيين. التنازل عن الضم يجعل ادعاءه صعباً، حتى لو كان في الإمكان إجراء نقاش للموضوع أكثر تعقيداً.
- في هذا السياق، حقيقة أن ما يجري هو سلام من دون حرب، مع دولة ليس لديها حدود مباشرة مع إسرائيل، وأغلبية الجمهور تعرف أنه تربطنا بها علاقات متشابكة منذ سنوات طويلة في مختلف المجالات، ولو سراً - كل ذلك يقلل أيضاً من الهالة التي يسعى قادة الاتفاقات لإعطائها لأنفسهم. لقد كُتبت أبحاث لا تحصى عن العلاقات السيكولوجية بين الألم والمتعة، لكن فيما يتعلق بالحرب والسلام، فإن التطبيع ليس كالسلام المنشود الذي يأتي بعد سنوات من الصدمة.
- هذا سلام لم تشعر أغلبية الإسرائيليين بغيابه، هو ببساطة حدث فجأة مجاناً. وعلى الرغم من كل المحاولات لتصوير الإمارات العربية المتحدة كهدف سياحي جذاب، فإن جوهر الاهتمام يتعلق بقطاع الأعمال، وليس بكل الناس.
- ترافق مختلف هذه التفسيرات الظروف الخاصة لهذه الفترة. في أيام الكورونا ينشغل الإسرائيليون قبل كل شيء بصحتهم ومصدر رزقهم. الوباء زعزع حياة الكثير من العائلات إلى حد أن أي هدية في مجال آخر أمر لطيف، لكن لا يُعتبر حيوياً بنفس المقدار. بالنسبة إلى كثيرين يواجهون اليوم البطالة والقلق، التقارير من برج خليفة هي استراحة إيجابية ولطيفة من مصاعب الحياة اليومية للكورونا، لكن ليس أكثر من ذلك.
- هناك أيضاً تفسير محتمل للتأييد اللامبالي للجمهور الإسرائيلي للسلام. بعد أكثر من 70 عاماً على الاستقلال، لم تعد إسرائيل دولة عرضة لخطر وجودي، والخوف الوطني- الجماعي من الدمار حلت محله مخاوف طبيعية تماماً من تهديدات فردية أكثر، شخصية وعائلية.
- في إسرائيل 2020 ليس هناك شعور بأنها طارىء إقليمي. مع أو من دون الاعتراف الرسمي من الدول العربية لم يعد هناك خوف حقيقي يومي من فناء جماعي. في المقابل، ليس هناك أيضاً تطلّع خاص لتغيير الوضع القائم. هذا هو التطبيع الحقيقي.