عبّروا عن إعجابكم بالاحتلال: ما الذي يمكن تعلّمه من صفحات الفايسبوك التي يستخدمها الشاباك
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

[القسم الأول]

  • في صيف 2016 فتح الشاباك الإسرائيلي صفحة على الفايسبوك تحت عنوان "بدنا نعيش". هذا اسم ملتبس للغاية. ففي اللغة العامية الفلسطينية يستخدم هذا التعبير سكان المناطق المحتلة الذين تعبوا من الصراع مع إسرائيل ويركزون على تأمين الطعام لأولادهم. وهذه طبعاً رسالة أساسية لصفحة الشاباك على الفايسبوك :"الأفضل لكم أيها الفلسطينيون من الاهتمام بالسياسة العمل على تحسين مستوى حياتكم." بعد مرور عامين، انضم إلى النشاط على الفايسبوك أيضاً ضباط ميدانيون من الشاباك - عدد من النقباء [الكابتن] مسؤولون عن قطاع غزة في الجنوب وحتى منطقة جنين في الشمال - وفتحوا صفحات شخصية خاصة بهم، وفي الأشهر الأخيرة بدأ الشاباك نشاطاً علنياً وصريحاً على شبكات التواصل الاجتماعي. ونشر نحو 30 منسقاً في الشاباك مئات التعليقات [البوستات] على الفايسبوك، وحظيت بآلاف المتابعين الفلسطينيين وآلاف الردود.
  • على الصعيد العملاني، هدف صفحات الفايسبوك هذه لجم المقاومة الفلسطينية العنيفة، ولكن بالإضافة إلى هذا الهدف، هناك أيضاً هدف أكثر أهمية: تغيير الوعي الفلسطيني فيما يتعلق بالواقع في الضفة الغربية، وإسرائيل عموماً، وقبل كل شيء منح شرعية للحكم العسكري، وتطبيع المستوطنات في المناطق. أسلوب العمل هو: خلق عالم وهمي في الفايسبوك، لا يوجد فيه احتلال، يعيش فيه الفلسطينيون والإسرائيليون بسلام ومساواة في الضفة الغربية، وفيه يعمل الشاباك من أجل اليهود والعرب على حد سواء. في هذا الواقع الافتراضي، يجري تصوير مقاومة الحكم العسكري الإسرائيلي كمقاومة للسلام والتقدم الذي تجلبه إسرائيل، وتؤذي كل من يشارك فيها.
  • هذه الخطوات تسمى في اللغة المهنية "عمليات وعي" (الجيش الإسرائيلي أيضاً أقام مركزاً لعمليات وعي)، يشارك في بلورتها علماء نفسيون، وخبراء في التسويق، ومستشرقون وعناصر من الاستخبارات. السمة الخاصة للصفحات التي يستخدمها منسقو الشاباك هي المعرفة الوثيقة بالواقع الذي يعملون فيه. لذلك، هم يقدمون أنفسهم كمقربين من الجماعات التي يراقبونها، ونبرة كتاباتهم هي كنبرة أخ راشد: توجه ودي، لكن صارم في أساسه شعور بالتفوق. ضباط الشاباك - الذين يسيطرون على مصير سكان المناطق - يثقفون ويعلمون ويعرضون وقائع، ويشرحونها ويحذرون من ارتكاب حماقات، أحياناً يهددون وأحياناً يطمئنون ويذكّرون بأن مصلحة الجميع هي نصب أعينهم، ويعبّرون عن استخفاف بالفلسطينيين الذين يشاركون في النضال المسلح.
  • فيما يلي نموذج حديث: في حزيران/يونيو الماضي قتل طاقم حرس الحدود على حاجز القنيطرة في القدس الشرقية أحمد مصطفى عريقات، فلسطيني في الـ27 من عمره من أبو ديس، لأنه قاد سيارته بسرعة في اتجاه جنود إسرائيليين. اختلفت مصادر إسرائيلية وفلسطينية في أن ما جرى هو محاولة دهس. مال الفلسطينيون إلى استبعاد احتمال أن ما جرى كان عملية مقصودة من عريقات ضد جنود الجيش الإسرائيلي، لأنه كان في طريقه لجلب والدته إلى عرس أخته. مصادر أمنية إسرائيلية زعمت أن ما جرى محاولة دهس واضحة. انضم إلى النقاش العاصف عنصر من الشاباك مسؤول عن أبو ديس ومحيطها اسمه الكابتن فادي. في صفحته الشخصية على الفايسبوك كتب: "هذه ليست عملية بطولية/ وليست عملية تضحية بالنفس من أجل الله/ هذه في النهاية عملية انتحار/ في يوم زفاف أخته/ انتحر أحمد عريقات." من السهل فهم الغرض من هذا الادعاء: اعتبار عريقات شهيداً يمكن أن يؤدي إلى احتجاج عنيف، وربما أيضاً إلى موجة عمليات دهس. ولقد أرفق الكابتن فادي تعليقه بشريط فيديو صوّره عريقات نفسه وهو يعتذر من أبناء عائلته.
  • أثار نشر الفيديو على صفحته على الفايسبوك عشرات الردود العنيفة من جانب الفلسطينيين. أغلبيتهم قالت إنها تعتبر عريقات شهيداً من أجل الوطن بعكس كلام منسق الشاباك، وسخرت من محاولة إسرائيلي تقرير مَن هو الشهيد. هناك مَن ذكّروا بأن عريقات تُرك ينزف من دون أن يتلقى علاجاً حتى فارق الحياة؛ وكان هناك مَن هاجم الكابتن فادي، لأنه أخذ الهاتف الخليوي من جثة عريقات واستخدمه من أجل الدعاية.
  • هذا جانب مهم جداً من نشاط الشاباك على الفايسبوك. فهو يسمح للفلسطينيين بالرد على مزاعم الكابتن في الشاباك، الأمر الصعب جداً في منشآت الاستجواب، أو في المكاتب، أو في قواعد عسكرية في المناطق. لكن كي نفهم الظاهرة بصورة أفضل، يجب البدء بالطريقة التي يقدم فيها ضباط الشاباك أنفسهم على صفحات الفايسبوك.

صورة وصورة مضادة

  • الصور الخلفية التي ينشرها منسقو الشاباك على صفحاتهم مفاجئة جداً. كثيرون منهم ينشرون صورة تعاون فلسطيني - إسرائيلي متساو. يد ملونة بألوان العلم الفلسطيني تصافح يداً ملونة بألوان العلم الإسرائيلي؛ إسرائيلي وفلسطيني يقفان بالقرب من بعضهما؛ علم إسرائيل يعانق علم فلسطين.
  • إلى هذه الصور الافتراضية لأخوة وتعاون يُضاف نص بهذه الروحية. على الرغم من الانفصال عن الواقع - الشاباك لا يؤمن فعلاً بالمساوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المناطق - هذه الصور ليست مجرد خدعة دعائية فقط. مصدرها هو الادعاء الصهيوني الذي تعود جذوره إلى قول هرتسل: وجهتنا هي السلام، ووجودنا هنا سيحمل النعمة إلى العرب؛ ومقاومة الصهيونية هي مقاومة للأخلاق والتقدم. يوجد إسرائيليون يؤمنون بذلك.
  • إلى جانب هذه الصور، تظهر تفصيلات للاتصال بالمنسقين - بواسطة الماسينجر [Messenger] على الفايسبوك وأرقام الهاتف الشخصية من أجل نقل معلومات، وأيضاً لإعطاء الانطباع بوجود أذن صاغية واهتمام. بعض المنسقين يكتفي بالإشارة إلى طرق الاتصال، البعض الأخر يضيف بعض العبارات التي تشجع سكان المنطقة على التوجه إليهم في أي مشكلة أو موضوع.
  • الرسالة "نحن هنا كي نساعد" لا يجري التعبير عنها فقط في صور الخلفية، بل في جزء كبير من التعليقات. تفشي الكورونا في ربيع 2020 منح منسقي الشاباك فرصة إضافية لتقديم أنفسهم كعاملين من أجل الجميع، ووصفوا الواقع في سنة 2020 كأيام صراع إسرائيلي - عربي ضد عدو مشترك. بالإضافة إلى المنشورات العامة بشأن وسائل الوقاية من المرض، شدد عدد كبير من المنسقين على حقيقة أن الوباء يصيب الناس من دون تمييز في الدين والجنس والقومية، وأن العالم العربي وإسرائيل يتكاتفان في جهودهما دفاعاً عن صحة كل سكان الشرق الأوسط.

أي تعايش

  • من الصعب تقدير مدى فعالية خطوة تقديم الشاباك كهيئة إيجابية تعمل من أجل الفلسطينيين. صور التعايش والمصالحة والأخوة ليست هي الصور المباشرة التي تظهر في الوعي الفلسطيني عندما يتعلق الأمر بالشاباك. هناك مَن يتذكرون منشآت التحقيق للشاباك وأساليب الضغط الجسدية التي مورست عليهم، آخرون يتذكرون الاعتقالات وتفتيش منازلهم، أو محاولات تجنيدهم كعملاء بواسطة الضغط والإغراء. هذا على ما يبدو السبب وراء الانتشار النسبي لردود هجومية وساخرة من جانب الفلسطينيين  في هذه الصفحات.
  • وبسبب التدخل العميق لأطراف استخباراتية ومن السلطة في شبكات التواصل الاجتماعي، من الصعب في أحيان كثيرة معرفة المصدر الحقيقي للردود. جهات أمنية كثيراً ما تستخدم روبوتات من المفروض أن ترد أو تعبّر عن إعجابها [like] بصورة مكثفة، من خلال استخدام أسماء مختلفة لزيادة انتشار الصفحة. من الصعب فحص مدى موثوقية البروفايل [المعلومات الشخصية] والتعامل مع الردود من خلال انتشارها والحديث الذي تولده. وكذلك كيف يرد فلسطينيون (حقيقيون أو وهميون) على تصريحات الأخوة والأمان لمنسقي الشاباك؟
  • رد أساسي هو مد اليد للسلام. على سبيل المثال، ردت إحدى المشتركات على تعليق الكابتن أمين، منسق المدينة القديمة في القدس، بالقول: "الإسلام أيضاً هو مع السلام". شخص آخر كتب: "هذا هو المطلوب". الكابتن إيلي المسؤول عن عمل الشاباك في العيسوية نشر صورة تصالحية في 22 آذار/مارس 2020، في ذروة موجة اعتقالات عبثية لقاصرين في البلدة. أحد الردود "نعم للسلام والحياة والمساواة". أجاب آخر "سلام أيها الصديق". وأجاب ثالث "أهلاً وسهلاً".
  • لكن هذه الردود ليست هي المسيطرة، وأحياناً كثيرة تحظى بردود مضادة. الكابتن أديب الذي يعمل لمصلحة الشاباك في الخليل اختار كخلفية صورة مصافحة فلسطينية - إسرائيلية. طالب شاب من جامعة القدس التقط الرسالة ببساطة ورد متمنياً أن يعم السلام كل سكان البلد. رد عليه مشارك يعرف صفحات الشاباك منذ وقت أطول: "أي سلام هذا يا صديقي، لن يكون هناك سلام في البلد ما داموا موجودين." مشارك آخر رد بالجملة المعهودة "النصر قريب بعون الله".

لماذا نعمل عندكم؟

  • إحدى الصلاحيات الأساسية للشاباك التي تؤثر في الحياة اليومية للفلسطينيين في المناطق هي منح أذونات دخول إلى إسرائيل وأيضاً منعها. منذ بداية التسعينيات يُمنح إذن دخول فلسطينيين إلى إسرائيل بموافقة جهات أمنية، ومَن يدخل من دون إذن يخاطر بالسجن ودفع غرامات. البطالة المرتفعة في المناطق والأجر الأكثر ارتفاعاً في إسرائيل يدفعان الكثير من الفلسطينيين إلى البحث عن عمل في إسرائيل، ومن أجل العمل بصورة منتظمة، هم بحاجة إلى موافقة الشاباك. في المقابل، طوال سنوات، منع الشباك دخول عشرات آلاف الفلسطينيين الذين كانت لهم علاقة بالنضال المسلح، وكذلك أفراد عائلاتهم الواسعة، وأيضاً منع أبناء الأشخاص الذين قتلتهم إسرائيل، الذريعة الأمنية لذلك هي الخوف من سعيهم للانتقام لمقتل أحبائهم وتنفيذ هجمات. هكذا وجد آلاف أو عشرات آلاف الفلسطينيين أنفسهم على القائمة السوداء لإسرائيل، من دون أن يكونوا متورطين في أعمال سياسية أو عسكرية. من حين إلى آخر يقوم الشاباك بخطوة لإزالة المنع الأمني عن السكان في مناطق متعددة، بسبب التحليل الإسرائيلي القائل إن تحسن الوضع الاقتصادي يخفف الضغط على الفلسطينيين، ويدفع الناس إلى معارضة عمليات عنيفة من أفراد عائلاتهم (كي لا تُلغى أذونات الدخول).
  • فيما يلي نموذج لنقاش في الموضوع: في تشرين الأول/أكتوبر 2017 نشر الشاباك على صفحة "بدنا نعيش" أن الكابتن حسام سيخصص أياماً معينة لإزالة المنع الأمني عن سكان رام الله، وكتب: "أتوجه إليكم بصورة مباشرة بسبب الأهمية التي أعطيها لتحسين وضعكم وظروف حياتكم في المنطقة... سأبذل كل الجهد المطلوب كي أقف إلى جانبكم لتحسين ظروف حياتكم. سأفحص كل طلب باهتمام للرد عليه بصورة إيجابية إلى أقصى  الحدود."
  • حاجة الفلسطينيين الماسة إلى الحصول على إذن دخول إلى إسرائيل أدت إلى مئات الردود الكلامية والافتراضية. بعضها ردود موضوعية غير سياسية- لأن ليس لديها خيار سوى قبول صلاحيات الشاباك- كتبها أشخاص يريدون الحصول على إذن دخول. ردود كثيرة أُخرى ركزت على الخوف من أن هذه اللقاءات تهدف إلى تجنيد عملاء للأجهزة الأمنية. "كتب أحدهم: "كل مَن يذهب يعرّض نفسه للتخلي عن كرامته، يجب ألاّ نذهب. وشاب غاضب رد: "لماذا نعمل عندكم؟ ليعملوا عندنا في تنظيف المراحيض."
  • يستخدم الشاباك الفايسبوك أيضاً لتجنيد عملاء وطلب معلومات بصورة مباشرة وعلنية، بواسطة دعوة عامة أو طلب الحصول على معلومات ملموسة في أعقاب هجوم. كان هذا من أول الموضوعات التي طُرحت على صفحة "بدنا نعيش" في بداية الطريق. "شاركنا في المعلومات، وستحصل على مكافأتك"، هذا ما كُتب عن الموضوع في الصفحة، وعلى يسار الصفحة هناك صورة لشخصين من الاستخبارات على الطريقة الهوليوودية القديمة، وإلى اليمين حفنة من الدولارات تشير إلى مكافأة التعاون، ويد من دون وجه - تعبّر عن الحصانة التي تُعطى إلى كل مَن يقدم معلومات - وهي تصافح يداً ترمز إلى دولة إسرائيل ومنسقي الشاباك. تعليق آخر من الجهاز يدعو ببساطة بالإنكليزية إلى "انضموا إلينا في محاربة الإرهاب."
  • تفشي وباء الكورونا منح منسقي الشاباك فرصة لتقديم أنفسهم كأنهم يعملون من أجل الجميع، ولوصف هذه المرحلة كأيام صراع إسرائيلي - عربي ضد عدو مشترك.
  • صيغة التوجه تمزج بين الصور التي تعرض الشاباك كهيئة تحافظ على أمن كل سكان المناطق بصورة متساوية (وجهة نظر تختلف عليها أغلبية الردود] مع وجهة نظر لا تقنع أحداً بأن اليهود والعرب يعيشون بسلام إلى جانب بعضهم البعض في الضفة الغربية، وفقط فلسطينيون معينون يحاولون المس بهذا الانسجام. هذه النظرة هي أيضاً في أساس الدعوة العامة إلى المحافظة على الهدوء التي نشرها الشاباك في أيلول/سبتمبر 2016: "مؤخراً انتبهتم بالتأكيد إلى زيادة العمليات العدائية. هذه العمليات لن تثمر أي فائدة، بل على العكس. هي تضر بشدة منفذيها وعائلاتهم وكل سكان المنطقة. لذا أتوجه إليكم لمساعدتنا في هذا الموضوع كي يستطيع الجميع العيش بسلام واطمئنان." ينتهي التعليق بطلب التبليغ عن أي عمليات، أو نقل معلومات عن عمليات مستقبلية، ويتعهد دفع مكافأة مالية إلى كل من يقدم مساعدة. دعوة منسقي الشاباك إلى مساعدتهم في العثور على عصام البرغوثي عضو "حماس"، المتورط بهجمات بالقرب من عوفرا وعفعات أساف في كانون الأول/ديسمبر 2018، أُضيفت إليها صورته. وكما في حالات أُخرى، شدّد الشاباك على أن البرغوثي "عمل على تقويض علاقات الحياة اليومية الحساسة بين الفلسطينيين واليهود في الضفة الغربية."
  • مَن يريد مساعدة الأطراف الأمنية الإسرائيلية في صراعها ضد التنظيمات الفلسطينية لن يكتب عن ذلك بوضوح وعلناً في رده على الفايسبوك. بعد اعتقال عصام البرغوثي، نشر طاقم الشاباك "شكراً لمختلف الأشخاص الذين ساعدونا" من أجل تمرير رسالة (حقيقية أو كاذبة) بأن معلومات وصلتهم. الردود لم تكن مفاجئة "لعنة الله على الكلب الذي ساعدكم"؛ "قريباً سيظهر ألف مثل عصام وصلاح يدوسون على كرامة حقيرين مثلكم، توقعوا مفاجآت"؛ "كل من ساعدكم هو خائن ومتعاون."