الانفجار في نتانز حقق ما يمكن أن يسببه هجوم على إيران- بثمن أقل بكثير
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- سايمون هندرسون هو باحث مخضرم وعضو في معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط. في مقال نشره أول من أمس على الموقع الأميركي the hill يقدر أنه "يبدو كما لو أن نوعاً من حرب نووية بدأت في الشرق الأوسط". يكتب هندرسون أنه في تقدير العديد من الأشخاص إسرائيل هي وراء الانفجار في منشأة أجهزة الطرد المركزي في نتانز في إيران يوم الخميس الماضي. وتدل صور الأقمار الصناعية للموقع أن المنشأة التي تصنع فيها أجهزة طرد مركزي متطورة دمر معظمها في الانفجار.
- يعتمد الإيرانيون اليوم على أجهزة طرد مركزية أقدم من طراز IR-1 لتخصيب اليورانيوم. لكن هذه الأجهزة لا تكفي لتخصيب اليورانيوم لدرجة عالية، مناسبة لإنتاج قنبلة نووية. ويكتب هندرسون أن التقدير الاستخباراتي هو أن إيران بدأت مجدداً في تصنيع أجهزة طرد مركزية أكثر تطوراً من طراز IR-2المطلوبة لهذا الهدف.
- في تقديره، بعد الانفجار، لم يعد في الإمكان استخدام المنشأة لهذا الغرض - وثمة شك في أن يكون لدى إيران بديل. المشروع الإيراني سيتأجل لمدة أشهر إذا لم يكن سنوات. وهذا تقدير مشابه في روحيته لتقديرات ذكرتها أطراف استخباراتية مختلفة في الأيام الأخيرة تأرجحت بين عام وعامين.
- ما بين الأعوام 2009-2013 دار نقاش عاصف في القيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو دعا آنذاك إلى شن هجوم إسرائيلي استباقي ضد المنشآت النووية في إيران. نتنياهو الذي عمل في معظم تلك الفترة بدعم من وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك، اصطدم بمعارضة جارفة وشاملة من رؤساء أجهزة الأمن في إسرائيل.
- الخلاف تمحور حول نمط العملية - هجوم جوي "صاخب" لا يمكن المحافظة فيه على مسافة انكار. كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي والموساد والشاباك تخوفوا من أن يؤدي الهجوم فقط إلى تأجيل المشروع النووي لفترة زمنية قصيرة نسبياَ؛ أنه يمكن أن يتعقد ويؤدي إلى حرب مع إيران وحزب الله ستتضرر فيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ وسيؤدي أيضاً إلى صدع لا يمكن رأبه مع إدارة باراك أوباما في واشنطن. النهاية معروفة: نتنياهو اعاد النظر في موقفه والهجوم وضع على الرف. في 2015 توصل الرئيس أوباما إلى التوقيع على اتفاق مع إيران على تجميد مشروعها النووي.
- حالياً يوجد رئيس آخر في البيت الأبيض، دونالد ترامب. إذا كان هندرسون وآخرون على حق، إسرائيل بمعرفة أو بغطاء أميركي وجدت كما يبدو حلاً غير مباشر للمشكلة، في مواجهة التقدم الإيراني المستجد نحو السلاح النووي. بدلاً من هجوم جوي لا يحمل توقيعاً واضحاً، وقع انفجار غامض من غير الواضح من يقف وراءه. الضرر الناجم هو الضرر عينه - الثمن يمكن أن يكون أقل بكثير. بالطبع هذا ليس نهاية المشروع النووي الموزع عن قصد على منشآت عديدة جزء منها موجود تحت الأرض. لكن من المحتمل أن شرياناً رئيسياً أصيب هنا.
- بالاستناد إلى جهات استخباراتية في الشرق الأوسط استشهدت بهم النيويورك تايمز الانفجار في نتانز لم يكن نتيجة هجوم سيبراني بل قنبلة جرى تهريبها إلى داخل المنشأة. الذي عمل هناك حقق إنجازاً ثلاثياً: توقيت مناسب، قبل إدخال أجهزة الطرد المركزي المتطورة إلى منشأة تحت الأرض محصنة، استخبارات ذكية، وقدرة عملانية نادرة. وهذا الأمر يتطلب بنية تحتية عميقة مذهلة. فقط قبل عامين ونصف العام نشرت إسرائيل علناً وبصورة نادرة انجازاً موازياً في طبيعته - سرقة الأرشيف النووي الإيراني، في عملية معقدة للموساد.
- الانفجار في نتانز هو الحادث المركزي في سلسلة انفجارات وحرائق حدثت في إيران خلال أسبوع، سلسلة حوادث غامضة تضرر خلالها بحسب التقارير منشأة تصنيع صواريخ، عيادة، مصنع ومحطة توليد للطاقة في مناطق مختلفة وبعيدة في الدولة. إسرائيل لم تعلق رسمياً على أي تقرير. نتنياهو تجاهل في مؤتمر صحافي سؤالاً في هذا الشان في يوم الجمعة الماضي. وزير الدفاع ورئيس الحكومة المناوب بني غانتس قال إن إسرائيل ليست بالضرورة وراء كل حادثة تقع في المنطقة.
- نشأ انطباع بأنه ليس هناك بالضرورة علاقة ملزمة ومسؤولية مشتركة عن كل هذه الحوادث. لكن تعاقب الحوادث يولد ضغطاً على النظام في طهران للرد. مع ذلك فإن وضعه صعب - العقوبات الاقتصادية التي قادتها إدارة ترامب شلت الاقتصاد الإيراني، وباء الكوورنا وأزمة النفط زادتا الأمور سوءاَ. وحتى الآن لم تنجح طهران في الرد على الاغتيال الأميركي للجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير في بغداد.
- في نهاية الأسبوع ذكر الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية اللواء في الاحتياط عاموس يادلين ردوداً إيرانية محتملة بينها هجوم سيبراني - مثل الذي أُحبط قبل نحو شهرين عندما حاول الإيرانيون ضرب بنية تحتية للمياه في إسرائيل - وإطلاق صواريخ من سورية. أيضاً في الأيام الأخيرة تحافظ إسرائيل على حالة تأهب عالية تشمل الاستعداد لمواجهة هجمات سيبرانية.
- في أيلول/سبتمبر 2019 أظهرت إيران قدرة مذهلة ذاتية عندما هاجمت منشآت للصناعة النفطية في السعودية بصورة محكمة بواسطة صواريخ الكورنيت ومسيّرات. لكن على ما يبدو هذه وسائل قتالية يجب وضعها على مسافة قريبة من إسرائيل لتهديدها بواسطتها. يمكن الافتراض أن الاستخبارات الإسرائيلية تراقب أي حركة من هذا النوع كي تستعد لها بما يناسبها.
- قبل نحو أسبوع انشغلوا هنا كثيراً في احتمال قيادة نتنياهو خطوة ضم في الضفة الغربية تؤدي إلى توترات في المنطقة. في هذه الأثناء يبدو أن الضم جمد، لكن درجات الحرارة الإقليمية ترتفع. هذا يحدث بسبب التوتر بين إيران وإسرائيل بينما في الخلفية أزمة اقتصادية غير مسبوقة في لبنان. حزب الله يعاني من ضغط عام كبير. احتكاك عسكري مع إسرائيل يبدو اليوم الأمر الأخير الذي يريده الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، لكن لا يمكن دائماً توقع اتجاه التطورات.