حزب الله في خضم تحديات داخلية وخارجية
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- وصلت الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان في الأسابيع الأخيرة إلى وضع غير مسبوق في تاريخ الدولة. قادة الدولة يواجهون صعوبة في تقديم حلول إنقاذية والاقتصاد اللبناني ينهار. الليرة اللبنانية خسرت حتى منتصف حزيران/يونيو نحو 80% من قيمتها (سعر الصرف الرسمي للدولار هو 1507 ليرات، بينما يباع في السوق السوداء بـ7000 وحتى 9000 ليرة). كما يزداد انقطاع الكهرباء، ونسبة العاطلين من العمل تجاوزت الـ40%، وأكثر من نصف سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر. أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنحو 200%، وارتفع عدد حوادث الانتحار على خلفية اقتصادية. الدين الخارجي للبنان هو من الديون الأعلى في العالم: نحو 90 مليار دولار، وهو ما يصل إلى نسبة أعلى من نسبة 170% من الناتج المحلي الصافي، وبحسب تقديرات رسمية حتى نهاية 2020، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد اللبناني نمواً سلبياً بحجم 12%.
- أدى تفاقم الوضع الاقتصادي إلى عودة المتظاهرين إلى الشوارع، ومع بداية حزيران/يونيو، برزت الـ"موجة ثانية" من الاحتجاج الشعبي، والمتظاهرون يتجاهلون القيود المفروضة للجم وباء الكورونا. التظاهرات تحمل طابعاً عنفياً أكثر مما في الموجة السابقة، كتعبير عن عمق اليأس وانعدام الثقة بالنخبة الاقتصادية والسياسية. المحرك المباشر للثورة كان الانخفاض في قيمة الليرة اللبنانية بالنسبة إلى الدولار ("احتجاج الليرة"). الجزء الأساسي من الغضب وُجّه نحو المصارف والمحلات الكبرى التي حُطمت وأُحرقت من خلال استخدام العصي والحجارة والزجاجات الحارقة. سمة أُخرى بارزة في موجة الاحتجاج المستجدة، هي توجيه أصبع الاتهام مباشرة إلى حزب الله. خلال تظاهرات 6 حزيران/يونيو، سُمعت هتافات واضحة ضد الحزب، بينها المطالبة بنزع سلاحه. أدت هذه المطالبات إلى ارتفاع مستوى العنف من الأطراف الشيعية واستخدام السلاح الناري ضد المتظاهرين.
- بالإضافة إلى الضغوطات الداخلية، تزداد الضغوطات الخارجية على حزب الله ويشتد الخناق عليه وعلى شركائه في "المحور الشيعي". يمكن العثور على مؤشرات الضائقة في الخطاب الاعتذاري الذي ألقاه نصر الله في 16 حزيران/يونيو، والذي حاول فيه الادعاء أن لا علاقة للحزب بأعمال العنف التي وقعت ضد المحتجين خلال التظاهرات. وكذّب نصر الله ما يقال عن أن الحزب يهرّب دولارات وبضائع إلى سورية، وشدد على أن الحزب لن يتنازل عن سلاحه الذي الغرض منه الدفاع عن لبنان. هجومه على "قانون قيصر" ترافق مع اقتراح استراتيجيا بديلة لحل الأزمة الاقتصادية في لبنان، في مركزها فكرة فصل لبنان عن الاعتماد على الغرب والدولار الأميركي (الولايات المتحدة حوَلت هذه السنة 750 مليون دولار إلى لبنان)، والتوجه شرقاً، وتطوير العلاقات الاقتصادية مع إيران، والعراق، وسورية، والدفع قدماً بالعلاقات مع الصين، المستعدة للاستثمار في البنى التحتية في لبنان. جدوى هذه الاستراتيجيا البديلة ضئيلة في ضوء المصاعب الاقتصادية التي يعانيها أطراف المحور الشيعي، وضآلة الفرصة في أن ترغب الصين في الاستثمار اليوم في لبنان.
- استمرار الجهد الإسرائيلي لمنع تعاظم القوة العسكرية لحزب الله، وخصوصاً تسلُّحه بصواريخ دقيقة ضمن إطار "معركة بين الحروب"، بالإضافة إلى استخدام إسرائيل المجال الجوي اللبناني ونشاطها على طول الحدود المشتركة، يزيد في مصاعب حزب الله. يتخوف الحزب من أن تستغل إسرائيل ضائقته لرفع درجة عملياتها العسكرية ضده، وهو يعمل على المحافظة على الردع حيالها، بما في ذلك من خلال استخدام منظومة إعلامية. ضمن هذا الإطار، نشر الحزب شريطاً عرض فيه صواريخ دقيقة تهاجم أهدافاً في إسرائيل، وفي الخلفية نصر الله يعلن أن لدى الحزب صواريخ دقيقة تستطيع مهاجمة أي نقطة في إسرائيل، وأن المحاولة الإسرائيلية لمنع ذلك فشلت تماماً. في موازاة ذلك، نقلت الصحف اللبنانية تعليقات غير واضحة المصدر وغير موثوق بها، تقول إن حزب الله يستعد لاحتمال حرب ضد إسرائيل في الصيف القادم.
- التهديدات المتزايدة لحزب الله من الداخل والخارج تُفاقم المعضلات التي يواجهها بشأن كيفية مواصلة طريقه: هل وكيف يواصل الاستمرار في سياسته الحالية التي تركز على المحافظة على أرصدته السياسية والعسكرية في لبنان وسورية من وراء الكواليس، أو انتهاج خطوات يمكن أن تخلق منعطفاً وتغيّر الظروف الضاغطة لمصلحته. ضمن إطار هذه الانعطافة، يمكن أن نرى اتجاهين محتملين للعمل، على الرغم من اعتقاد حزب الله أنه لم يصل بعد إلى النقطة التي يتعين عليه أن ينجر فيها إلى خطوات متشددة من هذا النوع، وهو في هذه المرحلة يفضل الامتناع من القيام بها:
- داخل لبنان - قرار باستخدام القوة العسكرية لمنع تعرّض هيمنته على لبنان لخطر محسوس، أو للمحافظة على قوة ميليشياته المسلحة، أو لضمان تأثيره في المنظومة السياسية والاقتصادية في لبنان. في إطار سيناريو أقصى يهدد هيمنته وأرصدته، من الممكن أن يستخدم حزب الله قوته العسكرية لاستكمال سيطرته على لبنان، والتخلي عن الاستراتيجيا التي تبناها طوال سنوات لبناء نفوذه من وراء الكواليس. مثل هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى فوضى وحرب أهلية أُخرى في لبنان.
- في مواجهة إسرائيل - تحويل الانتباه من الوضع الداخلي إلى الصراع مع إسرائيل من خلال عملية عسكرية يبادر إليها ويمكن أن تؤدي إلى مواجهة معها. في هذه المرحلة، يبدو أنه بالنسبة إلى حزب الله، خطوة من هذا النوع، سيئاتها أكثر من حسناتها: هي يمكن أن تؤدي إلى حرب واسعة لا يرغب فيها مع إسرائيل، مع كل أثمانها بالنسبة إليه، كما ستُفاقم ضائقة لبنان الاقتصادية والسياسية – تطور سيزيد من حدة الانتقادات الموجهة ضد حزب الله نفسه.
- التقدير أن حزب الله سيختار، على الأقل في الفترة القريبة المقبلة، الاستمرار في استراتيجيته الحالية، وأساسها استمرار جهوده من وراء الكواليس لتعزيز قبضته ونفوذه السياسي والاقتصادي في النظام اللبناني، مع المحافظة على قوته العسكرية. ضمن هذا الإطار، سيركز جهده لتحسين سيطرته على قطاع المصارف (أيضاً من خلال تحييد حاكم المصرف المركزي القوي والمخضرم)، وجهاز القضاء ووسائل الإعلام لتغيير وجه لبنان.
- فيما يتعلق بإسرائيل – يبدو أن التحديات الداخلية تدفع في هذه المرحلة أفكاراً في اتجاه مغامرة عسكرية، لذلك يحرص الحزب على تعزيز الردع تجاهها، مع الالتزام المتبادل بـ"قواعد اللعبة"، وترسيخ مواقعه في سورية.
- في مثل هذا الوضع، وبينما حزب الله مشغول في مواجهة الأزمة الداخلية والضغوطات الخارجية، يتعين على إسرائيل أن تبقى صارمة في عرقلة استمرار نقل الوسائل القتالية المتطورة إلى الحزب وترسيخ وجوده في سورية، لكن عليها الامتناع من أن تخرج كثيراً عن "قواعد اللعبة" هي أيضاً، كي لا تدفع حزب الله إلى الرد ومساعدته بصورة غير مباشرة على التخلص من ضائقته، من خلال تحويل انتباه الجمهور إلى دعمه بصفته "درع لبنان".