إيران تعرف أن الرد على الحوادث الغامضة يمكن أن ينتظر، هناك تهديدات أكبر
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "حتى الآن، حرصت إيران على مواجهة الأزمات التي تنشب والظروف غير المتوقعة. لكن تخطّي الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية من قبل أعدائنا، وخصوصاً الكيان الصهيوني، يفرض عليها تغيير استراتيجيتنا". هذا ما جاء في مقال نشرته وكالة الأنباء الإيرانية، رداً على ثلاثة انفجارات وحرائق حدثت في الأسبوع الأخير. أحد الانفجارات أصاب المجمع العسكري في بيرشان، الثاني، أصاب مبنى يبدو أنه يُستخدم لتركيب أجهزة الطرد المركزي من طراز جديد - وتسبب بضرر كبير، بحسب مصادر إيرانية - في الحادثة الثالثة، وقع انفجار في عيادة خاصة أدى إلى مقتل 19 شخصاً.
  • إيران لا تقدم معلومات عن أسباب الانفجارات "لأسباب أمنية"، لكن بحسب ادعاء الناطقين بلسانها، هي تعرف كيف نُفذت، وقريباً ستنشر المعلومات، مع أنها على الأقل رسمياً - لا تنسبها إلى طرف معين. المقال في وكالة الأنباء الإيرانية هو التعبير العلني الأول عن أن إيران تربط بين التفجيرات وبين الولايات المتحدة و/أو إسرائيل. تغيير الاستراتيجيا الذي يلمّح إليه كاتب المقال يريد أن يقول إن إيران يمكن أن ترد ضد مَن يتضح أنه المسؤول عن هذه الأعمال، لكن هذا الكلام ليس جديداً مقارنة بالتصريحات الماضية، بما فيها تلك التي تلت اغتيال قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير.
  • إذا أردنا أن نحكم بالاستناد إلى جدول الأعمال السياسي والإعلامي في إيران، فإن الانفجارات "الغامضة" ليست على رأس الحديث العام أو الانشغال السياسي. في يوم الأحد أثار وزير الخارجية الإيرانية غضب أعضاء البرلمان في الجلسة التي حضرها للحديث عن التطورات السياسية، عندما صرخوا في وجهه "كاذب"، وقاطعوا كلامه بهتافهم "لا نريد أن نسمع كلامك الكاذب"، وكان هناك أيضاً مَن طلب "الموت للكذاب".
  • الغضب البرلماني، بالإضافة إلى كونه تعبيراً عن الصراع السياسي ضد حكومة حسن روحاني، فإنه يتعلق بالإحباط نتيحة غياب حل للأزمة الاقتصادية العميقة. حاول ظريف أن يشرح أنه يُجري مفاوضات مكثفة مع دول كثيرة - وخصوصاً مع دول أوروبية، ومع الصين وروسيا - من أجل إيجاد سبل للالتفاف على العقوبات الأميركية، وأنه نجح في توقيع اتفاقات تجارية بعملة غير الدولار. لكن أقواله لم تقنع خصومه. وسُئل "هل تدنّي قيمة صرف الريال إلى 210 آلاف ريال للدولار الواحد هو نتيجة اتصالاتك السياسية؟"
  • إذا كانت الأزمة الاقتصادية جزءاً من "الأزمات التي تنشب وظروف غير المتوقعة"، التي قصدها المقال في وكالة الأنباء الإيرانية، فإن الكورونا التي تسجل ارتفاعاً جديداً تشكل تهديداً أكبر بكثير من العقوبات. فقد وصل عدد الوفيات إلى أكثر من 11 ألف شخص - وانتشار الوباء من جديد في مدن كان يبدو أنها تخلصت منه، فرض على الحكومة أن تغلق مجدداً محافظات ومدناً سبق أن أعلنت فتح اقتصادها تقريباً بالكامل. وهذا من المتوقع أن يزيد من الإحباط واليأس والاستعداد للتمرد وسط المواطنين. خصوم روحاني يجهدون في تحميله وحكومته مسؤولية الإخفاقات في معالجة الكورونا، لكن في نهاية الأمر، المرشد الأعلى هو الذي سيقف في مواجهة انتقادات الجمهور.
  • ثمة شك في أن "الاختراع" المعروف الذي تسعى من خلاله الحكومات لإيجاد عدو خارجي كي تنقض عليه ولتصرف الانتباه عن إخفاقاتها، يمكن أن ينجح الآن في إيران. أيضاً بعد سلسلة التفجيرات، تخوض إيران حالياً صراعاً صعباً ضد مساعي الولايات المتحدة لتمديد فترة حظر السلاح التقليدي المفروض على إيران، والذي من المفروض أن ينتهي في تشرين الأول/أكتوبر المقبل. يحاول وزير الخارجية ظريف أن يجند دولاً أوروبية والصين وروسيا ضد الولايات المتحدة، والتي ستصوت ضد اقتراح قرار أميركي في الأمم المتحدة حتى من دون المساعي الإيرانية، لأنه مطروح من دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو.
  • بيْد أنه ما دامت المساعي الدولية جارية، ثمة شك في أن إيران سترغب في وضع الساحة السياسية في خضم عملية عسكرية تمس بجهودها. تستطيع إيران بالتأكيد استخدام ميليشيات شيعية في العراق لضرب أهداف أميركية، لكن هذا سيخدم الولايات المتحدة التي تُجري مفاوضات مكثفة مع الحكومة العراقية الجديدة بشأن ترتيبات وجود قواتها في العراق. علاوة على ذلك، تعمل حكومة مصطفى الكاظمي مؤخراً بصورة أكثر حزماً ضد الميليشيات الشيعية، وأي نشاط لهذه الميليشيات ضد أهداف أميركية سيزيد من تشدد عمليات الحكومة العراقية ضدها. علاوة على كل هذه الاعتبارات، إيران تنتظر الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، مثل كل دول العالم. فترة الانتظار هذه تفرض على إيران تقييد نشاطاتها العسكرية لإعداد الأرضية لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة تحت إدارة بايدن.
  • لكن هذه الاعتبارات يمكن أن تبلور فرضية عمل في إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أنه توجد نافذة فرصة للقيام بعمليات عسكرية ضد إيران حالياً. هذه فرضية خطِرة، لأنه في الصراع السياسي الحاد الدائر حالياً في إيران، يمكن لـ"رد وطني مناسب" ضد الأعداء أن يخدم الأطراف المحافظة التي ازدادت قوتها بعد الانتخابات البرلمانية. المنطق السياسي الذي يوجّه روحاني وحكومته يمكن ألّا يكون كافياً في مواجهة خصومه الذين يريدون إطاحته.