20 عاماً من حكم بشار الأسد: قيمة الزعيم و(الليرة) في انخفاض تاريخي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • "خائن مَن يجعل شعبه يجوع"، "لا أستطيع التنفس... الثورة مستمرة"، "كذابة وسائل الإعلام السورية كذابة"، "نريد أن نعيش"، "الشعب يريد إسقاط النظام". هذا فقط جزء من الشعارات التي سُمعت مؤخراً في شوارع سورية، وفي الأساس في المدينة الجنوبية السويداء التي تزداد فيها الاحتجاجات ضد النظام، وخصوصاً ضد "النظام الأسدي". الآن تحديداً، ومع انتهاء مرحلة القتال الأساسية في الحرب الأهلية في سورية، يبدو أن التوقعات والمطالب الشعبية تزداد. أكثر من الهتافات الاحتجاجية العامة التي تتكرر من مواطني دول المنطقة، الشعارات في سورية هي تعبير دقيق عن الأمراض الحالية التي تعانيها سورية، وتدل  بصورة خاصة على الوضع المضطرب (والكئيب) لرئيسها بشار الأسد، في مواجهة التحديات التي تواجهه.
  • الأزمة الاقتصادية: التظاهرات في السويداء، معقل الدروز الذين وقفوا إلى جانب الأسد خلال الحرب، بدأت بالمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي في سورية ثم توجهت ضد النظام. في الخلفية، الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت نتيجة الإغلاق الذي فُرض لمنع انتشار وباء الكورونا، والعقوبات الغربية المفروضة على سورية، والانخفاض السريع لقيمة العملة، وأيضاً نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعانيها لبنان. والتقدير أن 80% من سكان سورية يعيشون حالياً تحت خط الفقر.
  • بالإضافة إلى ذلك، بدأت الولايات المتحدة بتطبيق "قانون قيصر" في سورية الذي ستفرض في إطاره 38 عقوبة على شخصيات مقربة من النظام السوري أو النظام الإيراني، وعلى أقرباء عائلة الرئيس الأسد. مع ذلك أعلنت الإدارة الأميركية أنها ستتراجع عن خطتها (قيل أنها مؤلفة من 3 مراحل سيجري تطبيقها حتى نهاية آب/أغسطس)، إذا عادت سورية إلى طاولة المفاوضات ضمن إطار قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة 2254، والذي يفصّل سبل عملية السلام في سورية (الصادر في سنة 2015).
  • كجزء من محاولة الرئيس السوري مواجهة الأزمة الاقتصادية، أقال رئيس الحكومة السورية في 11 حزيران/يونيو، وعيّن مكانه وزير شؤون المياه حسين عرنوس. الخطوة دلت على الإحساس بالتهديد الذي يحوم فوق الأسد نتيجة الاحتجاجات الشعبية والأزمة الاقتصادية، وهدفها تمرير رسالة أن عرنوس هو المسؤول عن الوضع أكثر من الرئيس. التخوف المركزي للأسد هو حدوث تصدعات وسط السكان الموالين له الذين تحملوا أضرار الحرب، لكنهم الآن يتضررون من الأزمة الاقتصادية.
  • أزمة الكورونا، أزمة ثقة: وباء الكورونا لم يتجاوز سورية، لكن حتى الآن من الواضح أن حجم الانتشار محدود، وبحسب التقارير الرسمية، هناك أقل من 200 مصاب. على الرغم من صعوبة تحديد حجم المصابين بدقة، وعلى الرغم من التقديرات بأن الضرر الاقتصادي للوباء محدود، لأن هذا الاقتصاد هو تلقائياً  ضعيف ومعزول عن اقتصاد العالم منذ سنوات، يبدو أكثر من أي شيء آخر أن وباء الكورونا عمّق من أزمة ثقة الجمهور بالقيادة. سياسة الإخفاء المقصود للنظام ووسائل الإعلام العاملة تحت سلطته، كذلك مواجهته الانتقائية للوباء، والتي سمحت بالرحلات من إيران إلى سورية ودخول حر لعناصر الميليشيات الشيعية إلى الأراضي السورية في ذروة التفشي - أثبتت مرة أُخرى للجمهور السوري أن مصالح الأسد الشخصية والسياسية والعسكرية تأتي قبل الاعتبارات المتعلقة بسلامة مواطني الدولة ورفاههم.
  • تصدعات في الدائرة المقربة من الأسد: مؤخراً نشب نزاع مغطى إعلامياً بين الرئيس الأسد وابن خاله رامي مخلوف الذي يُعتبر من أغنى الشخصيات في سورية وصاحب أكبر شركة هاتف خليوي في الدولة، سيرياتل، وأحد كبار مستوردي النفط والبضائع الاستهلاكية. مخلوف الذي دعم نظام الأسد عسكرياً واقتصادياً طوال سنوات الحرب، طُلب منه دفع 3 مليارات دولار، وعندما رفض القيام بذلك، بدأ النظام باعتقال موظفيه ومصادرة أملاكه.
  • النزاع يكشف التوترات السائدة بين الأسد ودائرة مقرّبيه التي تُعتبر النخبة الاقتصادية في سورية، وهي تعبّر في الأساس عن الضغط الاقتصادي الذي يعانيه الرئيس السوري.
  • تدخلات خارجية تزعزع السيادة: هتافات الاحتجاجات، تعبّر من بين أمور أُخرى، عن الاستياء والاشمئزاز من الوجود الأجنبي على الأراضي السورية. تدل التقارير في الأشهر الأخيرة على أن روسيا تعمق سيطرتها على الدولة، عبر إقامة قواعد عسكرية جديدة، وسيطرة على الأراضي وتوسيع طريقها إلى البحر المتوسط، وتجنيد مقاتلين سوريين للقتال في ليبيا إلى جانب خليفة حفتر، المدعوم من روسيا، وهذا يدل على تطلّع روسيا إلى تحويل سورية إلى مركز لنشاطها، وإلى ساحة تعبئة لصراعات روسيا الإقليمية.
  • في خلفية هذه العمليات، تُسمع انتقادات في وسائل إعلامية رسمية في روسيا بشأن أداء الأسد، الذي يُصوّر كرجل ضعيف فاسد لا يتمتع بالدعم الشعبي. دوافع روسيا في هذا الخصوص غير واضحة، والفرضيات تتأرجح بين السأم من نظام الأسد وإعداد الأرضية لإبعاده، وبين استخدام الضغط عليه للسماح لروسيا بالحصول على حصص اقتصادية إضافية من موارد سورية.
  • جدل آخر يدور بشأن الوجود الإيراني في سورية. مؤخراً سُمع، في الأساس في الولايات المتحدة وإسرائيل، كلام عن تقليص إيران وجودها في سورية نتيجة تسريع الهجمات الإسرائيلية على أهدافها، وفي ضوء الضغوطات الاقتصادية الشديدة الممارسة عليها - وسواء كانت إيران سحبت قواتها أم لم تسحبها، من الواضح أنها تقوم بتغييرات لطريقة انتشارها في سورية وتسعى لجعل نشاطها هناك أقل علنية. وذلك من خلال دمج نشطائها في أجهزة عسكرية سورية، واستخدام غطاء اقتصادي ومدني لنشاطها العسكري، وتجنيد نشطاء محليين. تخفيض النشاط الإيراني يخدم نظام الأسد، لأنه يخفف من صورته كألعوبة إيرانية، ويمكن أن يؤدي إلى التخفيف من الهجمات الإسرائيلية على سورية، كما يخدم موسكو التي تُعتبر في نظر المجتمع الدولي مسؤولة عن كبح النشاط الإيراني. وفي الواقع، إيران وروسيا اللتان أنقذتا الأسد من الانهيار في سنوات الحرب، لا يحدان فقط من قدرته على ترسيخ سيطرته على سورية كلها، بل ليس لديهما قدرة فعلية على إنقاذه من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها سورية.
  • تشكل تركيا أيضاً عقبة في طريق الأسد لاستكمال سيطرته على مختلف أنحاء سورية. فهي تسيطر بحكم الأمر الواقع على مناطق في شمال سورية وتمنعه من بدء معركة عسكرية واسعة لاحتلال إدلب، بالإضافة إلى فرض الليرة التركية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها لحماية السكان المحليين من الانخفاض السريع لليرة السورية. وبذلك ضاعفت أنقرة من الضرر اللاحق بصورة الأسد كرئيس فاعل.
  • هل آن الأوان لسورية من دون الأسد؟: ضعف الأسد وقابلية إصابته يشكلان نافذة فرص يجب استغلالها من المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة. الأسد قام بجرائم حرب وتسبب بكارثة إنسانية وأعمال هدم وتدمير بأحجام هائلة. حتى الآن، قبِل المجتمع الدولي استمرار سيطرته، لكن في ضوء تراكُم الأحداث في الفترة الأخيرة، والتي تظهر تآكلاً كبيراً في التأييد الداخلي للأسد، المطلوب إعادة تقييم السياسة القائمة.
  • تخوض إسرائيل صراعاً عسكرياً ضد التمركز الإيراني في سورية، بينما الولايات المتحدة تشدد صراعها الاقتصادي ضد النظام. الحلقة المفقودة في المعادلة هي خطوة دبلوماسية شاملة بقيادة أميركية كبديل من القنوات الدبلوماسية الواهية التي فشلت حتى الآن في إنهاء الحرب ووضع سورية على مسار الإصلاح السياسي وإعادة بناء مدني واقتصادي. الخطوة في هذا الاتجاه تتطلب تعاوناً وثيقاً بين الولايات المتحدة وروسيا، المعنية أيضاً بإنهاء الحرب واستقرار الدولة، ومن خلال استغلال مساحة المصالح المشتركة مع تركيا. الغرض من هذه الخطوة سيكون ترسيخ نظام أكثر تمثيلاً ومساواة، وإجراء عملية انتخابات مراقبة وموضوعية، ودمج إصلاحات دستورية وتطبيق مخطط شامل لإعادة البناء بدعم إقليمي ودولي. في الظروف الحالية، يبدو أن أي بديل من السلطة في سورية، سيكون أفضل من الوضع القائم حالياً.