الأزمة مع الولايات المتحدة – وجهة النظر الصينية
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- وثيقة محدثة بشأن "التوجه الاستراتيجي الأميركي إزاء الصين"، وزعها البيت الأبيض (في 20 أيار/مايو 2020)، تجسد الفجوة النظرية والسياسية التي تفصل بين الزعامتين في بيجين وفي واشنطن. زعماء "الحزب الشيوعي في الصين" يتعاملون بانتقاد شديد مع وجهة النظر الأميركية، ومع هدفها المعلن، الدفع قدماً بخطوات تؤذي طابع النظام والمجتمع، وفي الأساس استقرار حكم الحزب. يرفض الصينيون أساساً وجهة النظر الأميركية التي تقول "في العقدين الأخيرين تباطأت الإصلاحات وتوقفت وعادت إلى الوراء. النمو الاقتصادي وعلاقة جمهورية الصين الشعبية الوثيقة بالعالم لم يؤديا إلى مجتمع منفتح وحر كما أملت الولايات المتحدة." في رأيهم، قطعت الصين شوطاً طويلاً في مجال الإصلاحات الاقتصادية وغيرها، مع المحافظة على حكم مركزي واحد قوي يضمن استقرار الصين. في نظر بيجين، تُعتبر النظرة الأميركية "تدخلاً في الشؤون الداخلية" للصين.
- ورقة التوجه الأميركي، وكذلك تصريحات مسؤولين أميركيين كبار ضد حكم الحزب، تعزز النظرة السياسية الصينية القائمة على عدم ثقة عميقة وشكوك تعود إلى سنوات كثيرة. كانت بدايتها في فترة الحرب الأهلية في الصين (1946-1949)، التي دعمت خلالها الولايات المتحدة الحزب الوطني بالتدريب والعتاد العسكري. بعد انتصار الشيوعية في تشرين الأول/أكتوبر 1949 وإقامة "جمهورية الصين الشعبية"، غضبوا في بيجين من استمرار دعم الولايات المتحدة عضوية "جمهورية الصين في الأمم المتحدة"، أي تايوان. في نظر الصين، الولايات المتحدة هي التي عزلتها ومنعتها طوال عقدين من الانضمام إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
- منذ بداية العلاقات الفعلية بين الدولتين في السبعينيات، ترافق عدم الثقة والشكوك أيضاً بغيرة وتقدير، وتطلُّع إلى الوصول إلى مستوى الإنجازات العلمية والتكنولوجية الأميركية.
- منذ دخول الصين إلى الأمم المتحدة وزيارة نيكسون، واعتراف الولايات المتحدة لاحقاً بسياسة "صين واحدة"، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة في كانون الأول/يناير 1979، جرى بناء مخزون غني من العلاقات الاقتصادية والتجارية والأكاديمية بين الدولتين، وكان هناك تطلّع مشترك لاستغلالها من أجل تشجيع النمو الاقتصادي في كل منهما. في سنة 2019، وصل ميزان التبادل التجاري بينهما إلى نحو 541 مليار دولار (تصدير أميركي بـ123 مليار دولار، وتصدير صيني بـ418 مليار دولار). حتى زمن الكورونا، عمل في الصين بصورة دائمة عشرات الآلاف من ممثلي شركات ومنظمات أميركية. كثيرون من كبار رجال الأعمال والأكاديميين في الصين أقاموا علاقات متشعبة مع نظرائهم الأميركيين، وقامت شركات أميركية بتصنيع جزء كبير من منتوجاتها في الصين. في العقد الأخير، درس في الولايات المتحدة أبناء كثيرون من النخبة السياسية والاقتصادية، بمن فيهم ابنة الرئيس الصيني التي درست في هارفارد. في العام الماضي، درس في الولايات المتحدة أكثر من 390 ألف طالب صيني، وهم يشكلون أكبر مجموعة من الطلاب الأجانب هناك.
- ازدياد حدة التصريحات الأميركية منذ بداية ولاية الرئيس دونالد ترامب لم تكن غريبة على أسماع القيادة العليا في بيجين. "الحرب التجارية" بدت للصينيين كاستمرار واضح لصراعات سابقة، ولقد عملوا بحسب أسلوبهم من خلال تمرير الوقت ومفاوضات دقيقة على مكونات الاتفاق، وأحياناً إعادة فتح نقاط اتُّفق عليها. مع ذلك، يبدو مؤخراً أن الصين تفاجأت من قوة وكثافة النشاطات الأميركية، وبخلاف تصريحات ماضية وعمليات محدودة، هذه المرة تبدو سياسة الولايات المتحدة حادة وواضحة وطويلة الأمد، وهي تدعو دولاً أُخرى بل تطلب منها عدم الدفع قدماً بعلاقاتها بالصين، وتسنّ قوانين جديدة هدفها الدفع قدماً بعلاقات الولايات المتحدة مع تايوان، وفرض قيود على النشاطات التجارية والأكاديمية لجهات صينية في الولايات المتحدة والعالم. الزيارة القصيرة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى إسرائيل (13 أيار/مايو 2020) كجزء من الضغط الأميركي لمنع الشركات الصينية للفوز بمناقصات تتعلق بالبنية التحتية في إسرائيل، شكلت بالنسبة إلى الصينيين نموذجاً إضافياً للنشاط الأميركي ضدها. الرد الرسمي على الزيارة الذي صدر عن السفارة الصينية في إسرائيل (في 15 أيار/مايو) شدد على أن "وزير الخارجية يكرر فكرة قديمة تتعلق بـ"التخوف الأمني"، من دون تقديم أي دليل فعلي، وذلك للإضرار بالعلاقات التجارية بين الصين وإسرائيل."
الدلالات بالنسبة إلى إسرائيل
- تدرك الصين جيداً العلاقات الاستراتيجية العميقة لإسرائيل مع الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك، جرت المحافظة على العلاقة الإيجابية بين الشعب الصيني واليهود على مر السنوات، وتعززت داخل الحزب والجمهور الصيني صورة إسرائيل كدولة قوية مبدعة يمكن التعلم منها كثيراً في مجال الابتكارات والتكنولوجيا. في النظرة الصينية، إسرائيل ليست في وسط ساحة الصراع الدائر بين الدولتين العظميين، وكونها حليفة قوية للولايات المتحدة، لا يعني ذلك منع تطوير العلاقات التجارية معها على أساس مدني. الصين نفسها تدير شبكة علاقات متوازية مع دول بينها عداء في الشرق الأوسط، مثل إيران والسعودية وإسرائيل، وهي تفرّق بين المواقف والتصريحات السياسية وبين النشاطات الاقتصادية والتجارية.
- بالإضافة إلى المحافظة على علاقتها الاستراتيجية الخاصة بالولايات المتحدة، يتعين على إسرائيل فهم وجهة النظر الصينية والتعرف على هامش مرونتها، والامتناع من إعطاء تصريحات لا فائدة منها، ومن القيام بخطوات تصعيدية يمكن أن تؤذي النسيج الهش للعلاقات التي بُنيت مع الصين في السنوات الأخيرة.