السفير العربي الذي يهمس في آذان الإدارة الأميركية وضع خطاً أحمر في مسألة الضم
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- "بودّنا أن نصدق أن إسرائيل هي فرصة وليست عدواً. نحن نواجه العديد من المخاطر المشتركة ونرى إمكانات كبيرة لعلاقات أكثر حرارة. قرار الضم سيكون مؤشراً إلى أنه يمكن أن نكون مخطئين بشأن ما إذا كانت إسرائيل ترى الأمور بنفس الطريقة." بهذه العبارة التي كتبها سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة في المقال الذي نشرته "يديعوت أحرونوت"، يكمن جوهر وجهة النظر التي توجّه، ليس فقط دولة الإمارات، بل أيضاً معظم الدول العربية. من جهة، إسرائيل هي حقيقة قائمة وشريكة محتملة، وحتى فعلية، في الصراع الدائر ضد نفوذ إيران في المنطقة وضد الإسلام الراديكالي، وهي ضرورية من أجل تقوية العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة. ومن جهة ثانية، هناك المشكلة الفلسطينية التي لن تتحقق هذه الإمكانات من دون حلها.
- يوضح مقال العتيبة بصوة قاطعة أن لا أساس للتقارير التي تحدثت عن دعم دول عربية لخطة الضم، وخصوصاً دول الخليج. حتى لو عبّر مسؤولون عرب كبار في غرف مغلقة عن إدانتهم موقف الفلسطينيين ورفضهم خطة السلام لدونالد ترامب، فإن للموقف العلني المصرّح به أهمية أكبر بكثير. هذا ليس موقفاً أيديولوجياً فقط أو تمسّكاً صارماً بالقانون الدولي. يمكن أن تكون للضم تداعيات سياسية خطيرة كتلك التي يمكن أن تضع الأنظمة العربية في مواجهة مع رأي عام محلي معارض يفرض عليها الاستماع إليه. تجلى الرأي العام هذا في الردود الواضحة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كلام معلّقين عرب، سواء رداً على نشر العتيبة مقاله في صحيفة إسرائيلية، أم على مضمون الكلام الذي يقدم إسرائيل كـ"فرصة". "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي كانا أول مَن أدان المقال وكاتبه، انضمت إليهما حركة "فتح" واتحاد الصحافيين الفلسطينيين، واللذان رأيا في نشر المقال خرقاً صارخاً لسياسة رفض التطبيع مع إسرائيل.
- لكن الردود على المقال تتقلص حيال التخوف المباشر من إمكان استخدام الضم كذريعة لتظاهرات صاخبة في الأردن يمكن أن تضع الملك عبد الله أمام معضلة استمرار وجود اتفاق السلام مع إسرائيل، ويمكن أن تنزلق أيضاً إلى دول أُخرى. الضم يتجاهل أيضاً جوهر مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية في سنة 2002، والتي طالبت فيها إسرائيل بالانسحاب من كل المناطق المحتلة في مقابل التطبيع وحزام أمان عربي، وهي مبادرة تُعتبر الحجر الأساس في كل مفاوضات مستقبلية.
- تدّعي إسرائيل أن الضم تشتمل عليه خطة ترامب للسلام، لكنها تتجاهل أن واشنطن تعتبر الضم جزءاً من خطة شاملة تشمل في النهاية إقامة دولة فلسطينية، وتهدف إلى بناء منظومة علاقات جديدة وطبيعية بين إسرائيل والدول العربية. محاولة ترجمة موافقة جزء من الدول العربية على خطة ترامب كموافقة على ضم أحادي الطرف هي خداع متعمد، سيلحق الضرر ليس فقط بفرص توثيق العلاقات مع دول الخليج، بل أيضاً بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لذا فإن مدار الحديث هو مقال مهم، ينقل رسالة حادة ودقيقة إلى الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية. مثل هذه المقالات التي تهدف إلى التحدث مباشرة مع الجمهور من فوق رؤوس الحكومات تُنشر عموماً بعد فشل جهود دبلوماسية سرية أو علنية بين رؤساء دول وممثليهم. الإمارات العربية المتحدة لا تتحدث باسم سائر دول الخليج ولا تمثل قادة عرب آخرين، لكنها تعرض قاسماً مشتركاً غير رسمي يوضح ما هو الخط الأحمر الذي يحدد أيضاً المواقف العربية المعتدلة إزاء إسرائيل. محمد بن زايد الحاكم الفعلي للدولة، لا يتحدث فقط عن علاقات بلده بإسرائيل كما تتجلى في زيارات رجال أعمال إسرائيليين إلى دبي، أو هبوط طائرات مساعدات في مطار بن غوريون. هو يعمل بالاتفاق مع ولي العهد السعودي من أجل الدفع قدماً بخطة ترامب.
- تُعتبر الإمارات العربية المتحدة الدولة العربية الأكثر تأثيراً في واشنطن بعد تراجع مكانة السعودية في أعقاب قتل الصحافي جمال الخاشقجي على يدي رجال أمن سعوديين، كما يبدو بأمر مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان. يوسف العتيبة البالغ من العمر 46 عاماً يتولى منذ سنة 2008 منصب سفير بلاده في واشنطن التي تعلّم فيها وحصل على دكتوراه في العلاقات الدولية. عندما كان في الـ26 من عمره عُين رئيساً لمكتب العلاقات الدولية في مكتب ولي العهد والحاكم الفعلي في الدولة الشيخ محمد بن زايد. هو أحد الشخصيات ذات الصلة القوية مع المراجع ذات النفوذ في واشنطن وصديق مقرب من جاريد كوشنير، صهر ترامب. العتيبه كان "الخاطبة" التي ربطت بين كوشنير ومحمد بن سلمان، وعمل مرشداً لكوشنير في مسائل الشرق الأوسط.
- شبكة العلاقات هذه ومكانته في واشنطن يمكنهما التلميح إلى أن المقال رآه قبل نشره مسؤولون أميركيون كبار، وربما أيضاً كوشنير. من المعروف عن كوشنير أنه يعارض الضم من طرف واحد في مقابل السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، وليس من المبالغة أن نفهم المقال كجزء من الصراع السياسي الداخلي الدائر داخل البيت الأبيض بشأن مسألة الضم. إذا كان المقال قد طُلب، أو على الأقل الغرض منه مساعدة كوشنير للتأثير في ترامب، لكبح نية الضم الإسرائيلية، فإنه يمكن أن يدل على قوة التجنّد ضدها، وربما أيضاً على الغضب الذي يبديه على الأقل بعض كبار المسؤولين في البيت الأبيض حيال فكرة الضم. سلوك العتيبة يذكّر كثيراً بسلوك السفير السعودي "الدائم" في واشنطن بندر بن سلطان الذي فرض باسم السعودية طوال سنوات سياسة الولايات المتحدة إزاء الدول العربية.
- موقف دولة الإمارات يُسمع جيداً في واشنطن، ليس فقط بشأن المشكلة الفلسطينية: فالإمارات تتحرك بفعالية في القتال الدائر في ليبيا بين الزعيم الانفصالي خليفة حفتر وبين القوات المعترف بها في طرابلس، وهي قادرة على الدفع قدماً باتفاق سلام بين المتخاصمين، وهذا حل يسعى له الرئيس ترامب. والإمارات كانت أيضاً شريكة السعودية في حرب اليمن، وبعد سحب قواتها بضغط أميركي، اضطرت السعودية إلى البدء بمفاوضات مع الحوثيين. وبفضل استثماراتها الضخمة في دول الشرق الأوسط، في الأساس في مصر والأردن والسودان، وقرارها استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سورية، فقد تحولت من دولة هامشية على الصعيد السياسي، إلى دولة تملك أدوات ضغط مهمة في عمليات سياسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مع إيران التي وقّعت معها اتفاقات تتعلق بالدفاع عن الملاحة في المضيق الفارسي.
- على هذه الخلفية، المطلوب من نتنياهو التعامل مع مقال العتيبة كوثيقة سياسية وُزعت كي يفحصها رؤساء الدول، وليس فقط كمقال موجّه إلى مواطني دولة إسرائيل. العتيبة ليس وسيطاً يحاول أن يبيع إسرائيل سياسة سيئة، هو يعرض مجموعة مصالح يخدم تحقيقها دولة إسرائيل أكثر مما يخدم دولته. ويجب ألا يبقى من دون رد.