هل تحولت إسرائيل إلى منفّذة لسياسة الولايات المتحدة في سورية؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في مطلع أيار/مايو، عرض الموفد الخاص للولايات المتحدة إلى سورية، جيمس جيفري، خلاصة السياسة الأميركية في سورية. "الولايات المتحدة تدعم جهود إسرائيل لضمان أمنها، لأنها عرضة لتهديد دائم من جانب إيران... لإسرائيل الحق في القيام بكل الجهود المطلوبة لمواجهة هذا التهديد، مع الانتباه والحذر من المس بالمدنيين السوريين. هكذا تعمل إسرائيل وبناء على ذلك، نواصل دعمنا لها بكل طريقة ممكنة."
  • هذا الكلام قاله جيفري لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية. ولدى سؤال مراسل الصحيفة عن نوع المساعدة الأميركية لإسرائيل، هل هي سياسية أو لوجستية؟ وهل من خلال قاعدة تنف الواقعة فوق الحدود العراقية -السورية؟ أجاب: "نحن نقدم لها كل مساعدة مطلوبة كي تستطيع الدفاع عن نفسها بكل الوسائل الضرورية. وهي بذلك تدافع عن نفسها وعن كل الدول المجاورة لسورية، مثل الأردن وتركيا ولبنان والعراق."
  • من المثير للاهتمام متى ستدرك هذه الدول أن إسرائيل هي فعلاً سور دفاع عنهم في وجه إيران. كما هو معروف، لم تأت أي مطالبة تركية أو لبنانية أو عراقية أو أردنية، لمواصلة الهجمات على سورية كجزء من استراتيجياتهم للدفاع عنهم. لكن الدولة العظمى الأميركية تعرف على ما يبدو أمراً خافياً عن أنظار متخذي القرارات في هذه الدول. حتى في إسرائيل لا يتحدثون عن هذا الإدعاء، الذي يمنح إسرائيل إذناً بحريّة الهجوم في سورية.
  • الهجمات المتكررة في الأسابيع الأخيرة تتطابق جيداً مع الاستراتيجيا الأميركية، أوضح جيفري: "تتركز سياستنا على ضرورة طرد القوات الإيرانية من سورية، وسائر القوات العسكرية التي دخلت إليها بعد سنة 2011. وهذا يشمل الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل (إذا كانت التقارير عن (عمليات) قواتها الجوية صحيحة، وأيضاً القوات التركية." وهذه فقرة مثيرة للاهتمام. هل قصد جيفري أن على إسرائيل التوقف عن هجماتها الجوية في سورية (إذا كانت هذه موجودة طبعاً) على الرغم من أن هدفها الدفاع عن أمنها وأمن الدول المجاورة لسورية وإخراج القوات الإيرانية منها؟ الجواب كلا، لأن إسرائيل تحولت إلى القوة المنفذة لسياسة الولايات المتحدة في سورية.
  • لا جدوى من البحث عن منطق أو تماسك في سياسة الولايات المتحدة في سورية (أو في الشرق الأوسط كله). على سبيل المثال، قرار دونالد ترامب العائد إلى تشرين الأول/أكتوبر 2019 سحب القوات الأميركية من سورية تحول إلى ذكرى باهتة. عدم وجود سياسة أميركية حازمة أعطى روسيا مفتاحاً ذهبياً للدخول إلى سورية خلال فترة ولاية أوباما، لكن خلال حكم ترامب حظيت روسيا باعتراف كامل بحقها في البقاء في سورية وإدارة جيشها والخطوات السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى حل سياسي.
  • أوضح جيفري في المقابلة أن التطلع إلى إخراج كل القوات الأجنبية "لا يشمل روسيا، لأن القوات الروسية كانت في سورية قبل بداية الحرب." ومعنى هذا أنه يكفي أن تمكث قوات أجنبية فترة من الزمن في دولة أُخرى كي يحظى وجودها بشرعية أميركية، من دون علاقة بحجم القوات وطبيعة عملها. صحيح أن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس أُقيمت في السبعينيات، لكنها تحولت من قاعدة إمداد وصيانة للسفن الروسية إلى قاعدة عسكرية كبيرة، وموقع بحري مهم في البحر المتوسط.
  • القاعدة الجوية الروسية في حميميم بُنيت في سنة 2015، وأصبحت قاعدة ثابتة في سنة 2017، قاعدة تي-4 والشعيرات يستخدمها سلاح الجو الروسي، وتعمل قوات برية روسية إلى جانب قوات تركية على طول الحدود في شمال سورية، وتنتشر الشرطة العسكرية الروسية في محافظات كثيرة في الدولة، وفي الأسبوع الماضي نُشر ت تقارير تحدثت عن تقارب خطير بين قوات أميركية وقوات روسية.
  • بحسب الولايات المتحدة، هذا لا يشكل سبباً للمطالبة بخروج القوات الروسية. يبدو أن الولايات المتحدة تعترف بحدود قوتها السياسية، التي وضعتها بنفسها عندما قررت أن سورية ليست ساحة مواجهة ملائمة، باستثناء الحرب ضد تنظيم داعش. بالنسبة إلى إسرائيل، السياسة الأميركية تمنحها حرية العمل، ولديها أيضاً موافقة روسية كي تفعل ما تشاء ما دامت لا تمس بنظام الأسد وتركز على أهداف إيرانية.
  • اعتراف الولايات المتحدة بشرعية الوجود الروسي في سورية يمنح روسيا الإذن بالتمركز في ساحات أُخرى جديدة مثل ليبيا، حيث تعمل هناك إلى جانب القائد الانفصالي خليفة حفتر. الولايات المتحدة تصرّح حقاً بأنها تتطلع إلى قيام دولة موحدة في ليبيا تحت سلطة واحدة متفق عليها (ليبيا يحكمها اليوم حكومتان وبرلمانان)، لكنها هنا أيضاً مضطرة إلى قبول الحقائق المنتهية التي تحددها روسيا مع مصر ودولة الإمارات وفرنسا التي تؤيد حفتر ضد الائتلاف التركي - القطري، الذي يساعد عسكرياً وسياسياً الحكومة المعترَف بها. سيكون من الصعب على واشنطن أن تطالب بانسحاب القوات الأجنبية من ليبيا، بعد أن أوجدت السابقة في سورية.
  • على ما يبدو، الاعتراف بالواقع الجديد الذي يتم بناؤه في الشرق الأوسط، والذي يزداد دور الولايات المتحدة فيه تقلصاً، هو توجه واقعي يتلاءم مع الاستراتيجيا الأميركية المتجهة للانفصال عن المنطقة. الأمر يُنسب بصورة خاطئة إلى سياسة منتظمة تطبّق بحكمة وموضوعية لكن الحقيقة هي أنه خيار تقصير جرّت الولايات المتحدة نفسها إليه حتى قبل ترامب، وبعده انجرفت نحوه بسرعة متزايدة في ظل إدارته.

 

 

المزيد ضمن العدد 3331