لا الكورونا ولا الضم، ترامب بحاجة إلى مواجهة مشهد يوم القيامة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الارتفاع في عدد مرضى الكورونا في إسرائيل هذا الأسبوع، خطة الضم في الضفة الغربية، وحتى المستجدات اليومية بشـأن انتشار الوباء في العالم، كل التقارير بشأن هذه الأخبار طغت عليها مأساة أُخرى هائلة الأبعاد: صور يوم القيامة من شوارع الولايات المتحدة. الجريمة التي التقطتها عدسات الكاميرا في مينيابوليس لشرطي أبيض خنق حتى الموت مواطناً أسود، جورج فلويد، أشعلت موجة اضطرابات في كل أنحاء الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن أميركا سبق لها أن عرفت ظروفاً مشابهة جداً في 1965، و1968، و1992، يبدو أنها هذه المرة تمر بأزمة أكبر بكثير.
- كثيرون سيروا أن بداية هذه الأزمة ترجع إلى يوم انتخاب دونالد ترامب للرئاسة في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، لكن يبدو أن السؤال الأساسي الذي سيبقى مطروحاً هو: هل ترامب هو المحرك الفعلي لهذه الأحداث أم أن رئاسته في الأساس هي مظهر للوضع المحزن في الولايات المتحدة. في التوقيت الحالي، الغضب من علاقة الشرطة بالمواطنين السود ينضم إلى هزات أُخرى ليخلق عاصفة شبه كاملة.
- لكن الموضوع لا يتعلق فقط بالعلاقة بين الأعراق، والتي كانت على الدوام المسألة الأكثر عرضة للتفجر في المجتمع الأميركي. هذه المرة أُضيفت إليها أزمة صحية ذات أبعاد هائلة، وركود اقتصادي يبدو أن أبعادها ستكون أكبر، وانقسام سياسي حاد حول صورة رئيس يقسّم الشعب. هذا الرئيس سيخوض في تشرين الثاني/نوفمبر انتخابات جديدة، ليس من الواضح أبداً كيف ستجري، وهل سيكون من الممكن هذه المرة منع التدخل الخارجي في نزاهة الانتخابات، وهل سيتقبل النتائج إذا خسرها؟
- من كل الصور الأيقونية التي نُشرت هذا الأسبوع، يبدو أن أكثر ما سيُتذكر منها سيكون تلك التي تصور ترامب يخطو برفقة موظفيه وحراسه إلى الكنيسة القريبة من البيت الأبيض التي شُوهت واجهتها بالشعارت في أثناء التظاهرات. لكي يستطيع الرئيس أن يتصور حاملاً كتاب التوراة الذي ثمة شك في أنه قرأه يوماً، قامت الشرطة والجنود بطرد المشاركين في تظاهرة هادئة بعنف من منطقة الكنيسة. كان برفقة وفد ترامب خلال زيارته المريبة للكنيسة، رغماً عنهما، وزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي.
- لا يزال المعلقون السياسيون يختلفون بشأن ما إذا كانت دعوة ترامب إلى استخدام القوة ضد المتظاهرين وأعمال النهب ستنجح في صرف النقاش عن مساهمته في موت العدد الهائل من مواطنيه بفيروس الكورونا بسبب تهاونه، والذي تخطى المئة ألف.
- لكن لا خلاف بشأن الضرر الذي تسببت به القضية للعلاقات الخارجية الأميركية. والتر راسل ميد الصحافي المحافظ في مجلة "وول ستريت جورنال" كتب هذا الأسبوع، أنه بينما تفضل أوروبا تجاهل ترامب، روسيا والصين تنجحان في استغلال مصاعبه. موسكو عمّقت تدخلها العسكري في الحرب الأهلية في ليبيا وتواصل استخدام القوة في سورية؛ الصين تنتهج خطاً متشدداً ضد هونغ كونغ، وتهدد باستخدام القوة ضد تايوان وتشعل نزاعاً حدودياً قديماً مع الهند. القيادة الصينية وصلت إلى خلاصة هي أنه لا يمكن استرضاء ترامب، لكن يجب عدم الخوف منه.
- بالنسبة إلى أوروبا، تهربت ألمانيا وفرنسا من الدعوة إلى حضور قمة الدول الصناعية التي أراد الرئيس الأميركي استضافتها في كامب ديفيد. يدّعي ميد أن الولايات المتحدة دخلت في مرحلة فوضى وخلل وظيفي، ولم تعد مؤهلة لقيادة المجتمع الدولي.
الكرة في ملعب ترامب
- نتنياهو، صديق ترامب وضع كل البيض الإسرائيلي في سلة أميركي واحد. حالياً يبدو أنه اختار زيادة رهانه. سُمعت ممَّن يتحدثون مع أوساط رئيس الحكومة في السنوات الأخيرة تفسيرات منمّقة للحلف الراسخ مع الرئيس الأميركي ومع مؤيديه من المسيحيين الإنجيليين. نتنياهو دخل في مواجهة مع باراك أوباما بسبب الاتفاق النووي الذي وقّعه هذا الأخير مع إيران في سنة 2015، ومنذ ذلك الحين لم يُخف تعاطفه مع ترامب. التحذير العلني للمرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية جو بايدن ضد خطوات ضم أحادية الجانب لإسرائيل في الضفة تلمح إلى ما ستكون عليه العلاقات مع البيت الأبيض في حال فوز ديمقراطي.
- لكن حتى قبل ذلك. التهديد الداخلي الذي يواجهه ترامب وضعف مكانته الدولية يمكن أن ينعكسا على إسرائيل. استطلاعات إضافية قد تشير إلى فجوة لمصلحة بايدن خلال الصيف يمكن أن تشجع الرئيس على مواصلة توجهه للسير حتى النهاية. الانتخابات في الولايات المتحدة لا تُحسم بسبب السياسة الخارجية. لكن ترامب قادر على تصعيد المواجهة مع إيران أو إعطاء ضوء أخضر لنتنياهو لتحقيق مبادرة الضم لأسباب شخصية وأنانية. هذا يمكن أن يكون نتيجة عدم انتباه، أو تحديداً سياسة أرض محروقة، تهدف إلى إشعال المزيد من الجبهات على أمل بأن يخرج شيء جيد يغير جدول اهتمام وسائل الإعلام.
- في هذه الأثناء، الإشارات الآتية من واشنطن في الأيام الأخيرة تبشر بشيء مختلف. ويبدو منها أن إعلان الضم في الأول من تموز/يوليو، يمكن أن يؤجَّل بسبب انشغال البيت الأبيض بالأزمة الداخلية - الأميركية ولا وقت لديه لمعالجته. لكن في الوقت عينه، يستمر نتنياهو في التطرق إلى خطة الضم، تقريباً في كل ظهور علني له. وسيكون من الصعب عليه التراجع تماماً مع الأخذ في الحسبان التوقعات التي زرعها في اليمين، وأيضاً في الوقت الذي لا ترضي وعوده جوع قيادة المستوطنين إلى تحقيق المزيد من الإنجازات الكاسحة.
- حتى الآن، لا يثير الضم المخطَّط له اهتماماً كبيراً لدى الجمهور الإسرائيلي، المشغول بالخوف من الكورونا والقلِق على مصدر رزقه. زعيما أزرق أبيض الوزيران بني غانتس وأشكنازي ينتهجان خطاً سلبياً. مثلهما حتى الآن المؤسسة الأمنية التي لم تخرج عن مسارها، على الرغم من التحفظات المعروفة لكبار المؤسسة الأمنية عن الخطوة. في رأيهم، الضم يمكن أن يشعل حريقاً في المناطق، وأن يعقّد العلاقات مع دول الخليج ويعرّض للخطر مستقبل اتفاق السلام مع الأردن. في الأمس عقد رئيس الأركان كوخافي ورئيس الشاباك نداف أرغمان جلسة مشتركة مع طواقمهما، تحضيراً لمواجهة إمكان تصعيد في المناطق. حتى الآن، وعلى الرغم من إعلان السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني، لم يُشعر بوجود ضرر حقيقي في نوعية التواصل مع أجهزة السلطة.
- الجيش الإسرائيلي يستعد أيضاً لنشوب حوادث تتطلب نشر قوات كبيرة في الضفة، بما فيها قوات الاحتياطيين الذين توقفت تدريباتهم منذ تفشي الكورونا في إسرائيل. في مطلع هذه السنة، قرر الجيش الإسرائيلي أن تكون سنة 2020 السنة التي سيركز فيها على المواجهة مع إيران، وعلى تحسين وسائل القتال لدى حزب الله في الشمال. في هذه الأثناء، الجيش المشغول بمحاربة الكورونا يستعد لمواجهة تقليص في ميزانيته بسبب الأزمة الاقتصادية، ويحضّر نفسه لاحتمالات مواجهة أشهر من الاحتكاكات في المناطق.