المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في ظل الكورونا - إصرار إلى جانب حذر
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في الشهر الماضي، إلى جانب الانشغال الواسع لحزب الله وراعيته في إيران بوباء الكورونا، تواصلت جهود الحزب، بمساعدة الحرس الثوري الإيراني، من أجل ترسيخ بنيته التحتية، وخصوصاً في هضبة الجولان، كجبهة إضافية إلى جانب الجبهة اللبنانية في مواجهة إسرائيل. يجري هذا النشاط في موازاة سعي الحزب لمعالجة مشكلات لبنان الداخلية: الأزمات على الصعيد الاقتصادي والسياسي والصحي. الحزب تجند حقاً لمحاربة وباء الكورونا، لكنه استغل ذلك في الأساس لترسيخ مكانته وشرعيته وسط الجمهور، بصفته درعاً للبنان. ترتيب هذه الأولوية تجلى في الخطابات التي ألقاها الأمين العام للحزب حسن نصر الله مؤخراً، من بينها الخطاب الذي ألقاه في 4 أيار/مايو، المخصص في مجمله للأزمة الداخلية في لبنان، والذي جهد فيه لإظهار الدور الإيجابي لحزب الله، وتفنيد الانتقادات الموجهة إليه من الداخل.
- لكن حتى خلال المعركة الداخلية في لبنان، لم يتخل الحزب عن جهوده في مجال نقل وسائل قتالية متقدمة إليه وترسيخ بنيته التحتية العملانية في سورية، وفي الأساس تطوير وكلائه المحليين في هضبة الجولان. كما استمرت محاولات حزب الله وإيران لنقل وسائل قتالية استراتيجية، بما في ذلك مكونات تتعلق بمشروع الصواريخ الدقيقة، من إيران إلى سورية، ومن هناك إلى لبنان. وهكذا يحرص حزب الله، من خلال استغلال نفوذه في المنظومة السياسية اللبنانية، على أن يحتفظ لنفسه بإمكان استخدام المعبر البري من سورية إلى لبنان، وأيضاً الوصول إلى رحلات قادمة من الخارج في مطار بيروت. ومن المعروف أن الطواقم الطبية في المطار التي تعالج المواطنين اللبنانيين العائدين من الخارج (وحزب الله كان من بين الذي قادوا النضال من أجل عودتهم في طائرات إلى لبنان) هم من الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله.
- جهود حزب الله على صعيد تعظيم قوته العسكرية وترسيخ وجوده في هضبة الجولان يشكلان مصدر قلق لإسرائيل. إصرار الحزب على الاستمرار في بناء بنية تحتية محلية يشغلها بالقرب من الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان، حضر في خلفية التحذير الشديد الذي نشره الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بالعربية (في 10 نيسان/أبريل)، في أعقاب زيارة قائد الفيلق الأول السوري برفقة قائد كبير من حزب الله إلى المواقع التي يستخدمها الحزب في المنطقة. الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أوضح أن إسرائيل لن تتسامح مع استمرار هذا النشاط "الموجه نحو بناء بنية تحتية إرهابية ضد إسرائيل بحماية النظام السوري." في المقابل، جرى نقل تحذيرات إلى إسرائيل أيضاً من الجانب اللبناني، من أطراف في الحكومة الجديدة التي يرعاها حزب الله: قال وزير الخارجية اللبناني (في 19 نيسان/أبريل) إن لبنان في حالة حرب مع إسرائيل التي تتسلل إلى مجاله الجوي، وإنه سيقدم شكوى إلى مجلس الأمن بشأن هذا النشاط الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك تحذير رئيس الحكومة اللبنانية، خلال اجتماعه مع قائد اليونيفيل (8 نيسان/أبريل) من أنه سيكون من الصعب على لبنان عدم الرد، إذا استمرت إسرائيل في مهاجمة سورية من خلال استخدام المجال الجوي اللبناني.
- في الخلفية، يُلاحظ إصرار إسرائيل على مواصلة الدفع قدماً باستراتيجيا المعركة بين الحروب، والتي تهدف إلى تقليص التهديدات الموجهة ضدها وترسيخ الردع. ضمن هذا الإطار، يجب أن ننظر إلى سلسلة الهجمات التي وقعت مؤخراً في سورية ونُسبت إلى إسرائيل. في الفترة الأخيرة يُلاحظ نشاط كثيف لسلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية لجمع معلومات استخباراتية، ولإطلاق النار نحو الأراضي السورية، كما يجري نشاط على طول الحدود، من بين أمور أُخرى، لاستكمال الجدار الأمني.
- نشاط إسرائيل في سورية موجّه إلى التشديد على خطوط حمراء لها علاقة بالتمركز العسكري لإيران في سورية، وبصورة خاصة لإبعاد قوات إيران ووكلائها، وعلى رأسهم حزب الله، عن هضبة الجولان؛ وللإثقال على نقل وسائل قتالية إلى حزب الله، وخصوصاً لإحباط مشروع الصواريخ الدقيقة. مع ذلك، تحرص إسرائيل بصورة واضحة على عدم خرق قواعد اللعبة التي تبلورت في السنوات الأخيرة، وفي الأساس تمتنع من مهاجمة أهداف تابعة لحزب الله في داخل لبنان.
- إصرار إسرائيل وحزب الله على المحافظة على قواعد اللعبة بينهما يعكس عملياً تطلعاً نحو منع التدهور إلى مواجهة واسعة. هكذا يجب أن نفهم الهجوم على سيارة حزب الله على الحدود السورية - اللبنانية (15 نيسان/أبريل)، فقط بعد تحذير بإطلاق صاروخ بالقرب من السيارة وإعطاء مهلة لركابها للهرب. رداً على ذلك، اختار حزب الله أن يرسل رسالة تتعلق بقدراته ونواياه بواسطة إحداث خروقات في السياج الحدودي في ثلاث نقاط في آن معاً (17 نيسان/أبريل)، من دون أن يخرق السيادة الإسرائيلية. هذه العملية المُعدة مسبقاً، غرضها أن تثبت لإسرائيل امتلاك الحزب قدرة استخباراتية وعملانية للتسلل إلى أراضيها ومهاجمة مستوطنات وسكان الشمال وجنودها، وأن إحباط مشروع الأنفاق التي حُفرت من تحت خط الحدود لا يلغي إمكان العمل ضد إسرائيل في المجال البري. حزب الله معني بترسيخ قواعد اللعبة التي مفادها أنه من الممكن أن يقوم بعملية برية رداً على هجوم إسرائيلي في سورية، ينتج عنه مقتل أشخاص من تنظيمه، أو في أعقاب هجوم إسرائيلي على لبنان، وبالتأكيد في حال بدأت مواجهة واسعة.
- السياسة الحذرة والمدروسة لحزب الله تتأثر أيضاً بالضرورات القاهرة الداخلية - اقتصادية وسياسية - وكذلك بالضغوط الخارجية (مثلاً تصنيف ألمانيا الحزب في 1 أيار/مايو تنظيماً إرهابياً) التي يتعرض لها الحزب نفسه ورعاته في إيران. وباء الكورونا فاقم الأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان، الموجود على حافة انهيار اقتصادي.
- في الواقع، الوضع الحالي لحزب الله يمكّنه من العمل على الدفع قدماً بالمصالح الخاصة به، وليس هناك طرف في المنظومة السياسية قادر على التأثير في قراراته. لكن في المقابل، فإن سيطرته على الحكومة تحمّله مسؤولية عامة تجاه مستقبل الدولة. من بين أمور أُخرى، هو مضطر إلى مواجهة تجدد الاحتجاج في الشوارع الذي أصبح مؤخراً أكثر عنفاً على الرغم من وباء الكورونا. بناء على ذلك، يمكن التقدير أنه في المدَيين القصير والمتوسط، على الأقل سيسعى الحزب إلى الامتناع بقدر الإمكان من خوض مواجهة عسكرية، مع الاستمرار في جهود تعظيم قوته العسكرية وترسيخ وجوده في هضبة الجولان.
- في مثل هذا الوضع تزداد حدة المعضلة التي تواجهها إسرائيل بشأن العمليات الإسرائيلية ضد حزب الله: هل من الصائب استغلال ضائقة حزب الله للدفع قدماً بعملية عسكرية/ضربة استباقية، بهدف إلحاق ضرر كبير بقوته العسكرية وبترسيخ وجوده في هضبة الجولان، وخصوصاً تسلّحه بعتاد عسكري دقيق في لبنان؟ هذا مع المخاطرة بأن تؤدي عملية في هذا الاتجاه إلى مواجهة واسعة يمكن أن تكون لها نتائج قاسية على الطرفين. توصيتنا هي الاستمرار، وأيضاً زيادة العمليات ضمن إطار المعركة بين الحروب في سورية، وخصوصاً إحباط التمركز في هضبة الجولان، ومع ذلك درس عملية في لبنان فقط إذا تبين أن حزب الله فعلاً تخطى عتبة التعاظم في قوته العسكرية (وخصوصاً في مجال الصواريخ الدقيقة)، ويمكن أن يشكل خطراً أكثر أهمية على إسرائيل.
- في النهاية، على الرغم من الوضع الحالي، فإن معقولية قيام حزب الله بعملية استباقية ضد إسرائيل منخفضة، لكن هذا لا يلغي التهديد المتزايد إزاء إسرائيل، وإمكان حدوث تصعيد في أعقاب عملية إسرائيلية. بناء على ذلك، يتعين على إسرائيل أن تستعد الآن لإمكان مواجهة واسعة على الرغم من القيود المالية التي فرضتها المواجهة مع وباء كورونا - مع التشديد على بناء القوة في الجيش الإسرائيلي وتحضير الجبهة المدنية.