أزمة الكورونا خلقت فرصة لإعادة الأسرى والمفقودين من غزة بثمن معقول
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • التقارير التي تحدثت عن تجدد المفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، بشأن مصير الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في قطاع غزة، تتسرب شيئاً فشيئاً. تفشي وباء الكورونا غيّر سلم الأولويات لحكم "حماس" في القطاع الذي يحتاج حالياً إلى مساعدة إسرائيلية ودولية لمواجهة تفشٍّ محتمل للوباء في أراضيه.
  • زعيم "حماس" يحيى السنوار، صرّح قبل أسبوعين عن رغبته في إعادة تحريك الاتصالات. في الوقت عينه، هدد بتصعيد عسكري إذا لم تساعد إسرائيل القطاع في محاربة الكورونا. منذ ذلك الحين تُنشر أخبار، في الأساس في الصحف العربية، عن حدوث تطورات في المفاوضات: مطالبة فلسطينية بإطلاق سراح عدد كبير من الأسرى في مقابل معلومات عن وضع المواطنين الإسرائيليين أبراها منغيستو وهشام السيد؛ تدخّل وسطاء ألمان ومصريين في المحادثات غير المباشرة، وحتى ادعت أطراف فلسطينية أن المرحلة الأولى من الصفقة ستشمل نقل أجهزة تنفس من إسرائيل إلى القطاع.
  • في الحقيقة، أحدث الكورونا تغييراً جذرياً في الوضع. فمنذ عملية الجرف الصامد في سنة 2014، والتي احتفظت "حماس" بعدها بجثماني الجنديين الإسرائيليين، الملازم أول هدار غولدين والرقيب أول أورون شاوول، تمتعت الحركة بموقف متفوق نسبياً على إسرائيل في الاتصالات. "حماس" احتفظت بـ"أرصدة" تريد إسرائيل الحصول عليها بشدة، لكنها لم توافق على دفع الثمن المطلوب. الحركة لم تسارع إلى إنهاء الصفقة، على ما يبدو لأنها افترضت أن إسرائيل ستقبل بها في النهاية.
  • يدل فحص صفقات تبادل الأسرى التي جرت في الماضي على أن التسوية التي جرى التوصل إليها في النهاية، في أغلبيتها إن لم يكن كلها، كانت أقرب إلى السعر الذي طالب به الطرف الثاني. وبحسب تقارير متعددة، في الحالة الراهنة كانت المفاوضات متوقفة فترة طويلة بسبب الشروط التي وضعتها "حماس": إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من الضفة الغربية أفرجت عنهم إسرائيل في صفقة شاليط سنة 2011 ثم أعادتهم إلى السجن بعد خطف الشبان الإسرائيليين الثلاثة في غوش عتسيون في سنة 2014، بحجة أنهم خرقوا شروط إطلاق سراحهم كما وردت في الصفقة.
  • هذه المرة الظروف تغيرت. الكورونا تحمل معها في هذه الحالة أيضاً فرصة. السؤال هو ما إذا كانت إسرائيل ستتصرف بالحكمة المطلوبة للتوصل إلى نهاية ناجحة للقضية. "حماس"، كما هو واضح لكل المعنيين، ليست قادرة وحدها على مواجهة تفشٍّ كبير للكورونا. حتى اليوم، جرى اكتشاف 13 مريضاً فقط، تسعة منهم تماثلوا للشفاء. السكان في القطاع، في أغلبيتهم، من الشباب، و3% فقط من السكان هم فوق الـ65.
  • من جهة أُخرى، الكثافة السكانية الكبيرة يمكن أن تشكل تربة خصبة لتفشٍّ سريع، بينما توجد في القطاع عشرات فقط من أجهزة التنفس. في الأسابيع الأخيرة، أجرت إسرائيل دورات تخصيص لأطباء القطاع، وزودت السلطات بفحوصات الكورونا، وبمستلزمات وقاية ومواد تعقيم.
  • "حماس" ستكون بحاجة إلى أكثر من ذلك بكثير، وإسرائيل هي الدولة الأساسية التي تستطيع مساعدتها بصورة فعالة ومنع كارثة. إمكانات مصر محدودة جداً، ودول الخليج وعلى رأسها قطر تساعد حقاً غزة، لكن لديها حالياً قائمة التزامات طويلة.
  • يمكن ملاحظة ثلاثة مكونات أساسية في استراتيجيا "حماس" في المفاوضات الحالية: تشعيب الاتصالات إلى عدة مسائل فرعية، غموض في فهم ما تحتفط به، والمحافظة على الوقت والتفوق إلى جانبها.
  • حتى اليوم، أصرت "حماس" بحسب التقارير، على الفصل بين المجالات. ورفضت الحركة ربط مسألة الأسرى والمفقودين بترتيبات أمنية ومدنية أو إنسانية. وبذلك نجحت في مراكمة الحد الأقصى من الإنجازات في مجالات أُخرى، من دون أن تدفع ثمناً في المفاوضات على الأسرى. حالياً يجري الحديث عن طلب "حماس" القيام بتشعيب إضافي لمسائل فرعية: على إسرائيل أن تدفع ثمناً لقاء معلومات عن وضع المدنيين، أو تدفع بصورة منفردة في مقابل المدنيين، وجثماني الجنديين اللذين تريد "حماس" مناقشة وضعهما في مرحلة لاحقة.
  • هدف "حماس" هو تحقيق إنجاز في الطريق إلى صفقة، مع الاحتفاظ بكل الأوراق في يديها. الاستراتيجيا الإسرائيلية الناجعة في مثل هذه الحالة هي الثبات في الموقف. التغيير في موازين القوى الآن هو دراماتيكي: "حماس" أضعف لأنها بحاجة أكثر من إسرائيل إلى الثمار الحقيقية للصفقة. ليس المقصود إطلاق سراح أسرى كبار في السن وأسيرات، الذي سيُعتبر إنجازاً إنسانياً، بل فتح الباب أمام مساعدة اسرائيلية واسعة لمعالجة الكورونا. يبدو أن المفارقة المطلوبة ستكون رفض التشعيب والإصرار على صفقة شاملة تشمل مدنيين وعسكريين - يجب إعادتهم كلهم إلى الوطن.
  • حتى الآن، تتعمد "حماس" الغموض بشأن ماهية "الأرصدة" التي لديها، بحيث لا يُفهَم من بين الأسرى من هو حيّ ومن هو ميت. بالإضافة إلى ذلك، نشرت الحركة معلومات مغلوطة تدّعي أن الجنديين في قيد الحياة، على الرغم من أن إسرائيل متأكدة من وفاتهما. يمكن التقدير أن هذا النموذج سيستمر، وستواصل "حماس" الغموض والتضليل.
  • الدولة ستكون مضطرة للمحافظة على الشفافية أمام عائلات الجنديين والمدنيين فيما يتعلق بالمعلومات الموجودة لديها، وبمواقفها في المفاوضات. يبدو أنه من الأفضل ومن الممكن عدم دفع أي ثمن في مقابل معلومات عن مصير الأسرى والمفقودين. مصير الجنديين حُدد وأعلنه الجيش بعد إجراءات مناسبة جرى خلالها فحص كل المعلومات التي كانت لديه. بينما تثير تلميحات "حماس" بشأن صفقة على مراحل - تقديم معلومات، وفقط لاحقاً إطلاق سراح، انطباعاً بأن المدنيين في قيد الحياة.
  • افترضت الحركة حتى اليوم أن الوقت إلى جانبها. فقد مرّرت رسائل بأنها ليست مستعجلة لإنهاء الصفقة. علاوة على ذلك، بما أن مصير أسراها معروف، فهم مسجونون في إسرائيل وخاضعون للقانون الدولي، فإن استمرار وجودهم في السجن لن يكون سيئاً بالنسبة إليها. في المقابل، إسرائيل أمام قضية رون أراد مرة أُخرى [الطيار الذي أُسقطت طائرته في الغزو الإسرائيلي للبنان في سنة 1982، ووقع في الأسر، ولم يُعرف عنه شيء حتى الآن]، لكن هذه المرة مضروبة بأربعة. فهي لا تملك معلومات، وتتخوف من فقدان الصلة بالأسيرين والمفقودين.
  • الآن تغير الوضع. خيار إسرائيل الأسوأ هو استمرار الوضع القائم. وخيار "حماس" الأسوأ هو امتناع إسرائيل من تقديم مساعدة واسعة في أزمة الكورونا، وهو ما قد يؤدي إلى تفشي الفيروس في القطاع ويهدد استقرار سلطتها.
  • هذه الظروف بالذات تسمح لإسرائيل بالمطالبة بصفقة شاملة: استعادة المدنيين وجثماني الجنديين الآن، وليس على مراحل، في مقابل ثمن معقول هو إطلاق سراح أسرى. في هذه الظروف، في إمكان إسرائيل أن تصر على موضوع آخر - مفاوضات مباشرة من دون حاجة إلى الكثير من الوسطاء- والتطلع إلى ثمن يكون أقل بكثير من الذي دفعته في صفقة شاليط، وبذلك تخفض السقف فيما يتعلق بمفاوضات مشابهة في المستقبل، مقارنة بالثمن الضخم الذي دفعته في صفقة 2011.
  • بصورة غير متوقعة تماماً، خلقت أزمة الكورونا فرصة لإسرائيل لحل قضية الأسرى والمفقودين في قطاع غزة. وفعل ذلك بثمن معقول، سيفيد أيضاً بنظرة للمستقبل. إطلاق عشرات الأسرى في مقابل معلومات فقط، أو إعادة المدنيين من دون إغلاق الملف الشائك لاستعادة جثماني الجنديين، ليس هو الطريق الصحيح.