القدس الشرقية مدينة موبوءة
تاريخ المقال
المصدر
- "القدس الشرقية هي مثل بني براك [مدينة يقطنها اليهود المتشددون، وتشهد أكبر نسبة لتفشي فيروس الكورنا] بالنسبة إلى القطاع العربي"، يقول مصدر أمني مطلع، ويتابع "ثقب أسود في ظل غياب للمعلومات ورصد لوباء الكورونا ومعالجته". مصادر طبية في المدينة أعربت عن خشيتها من أن فيروس الكورونا سينتشر، خلال أيام إلى أسابيع، في شرقي المدينة التي يبلغ عدد سكانها 350 ألف نسمة، والتي سُجل فيها حتى الآن 21 مريضاً بالكورونا فقط.
- هذا العدد المنخفض لا يعكس انخفاضاً في حجم الإصابة أو حصانة قوية ضد الفيروس لدى السكان العرب في القدس الشرقية، بل مقداراً منخفضاً جداً في الإبلاغ عن الكورونا، وارتداع شديد للسكان العرب في القدس الشرقية عن إجراء فحوصات للكشف عن الفيروس، ومستوى عمل متدنّ من ناحية وزارة الصحة وجِهات طبية إسرائيلية في شرقي المدينة. على سبيل المثال، هناك قيود أمنية مفروضة على دخول سيارات الإسعاف التابعة لنجمة داود إلى جزء من أحياء القدس الشرقية، وخصوصاً تلك الواقعة غربي جدار الفصل، والتي يقطنها ثلث السكان، أي نحو 140 ألف نسمة.
- في هذه الأحياء، الوضع خطير بصورة خاصة: في مخيم اللاجئين شعفاط، وفي كفر عقب، وهما في الأيام العادية نوع من المناطق المهملة، ويعانيان جرّاء غياب السلطة الإسرائيلية والإهمال في مجال البنى التحتية والخدمات، يجد السكان أنفسهم 'مهملين من جهتين' أيضاً في أزمة الكورونا. رسمياً، الحيّان اللذان جرى ترسيمهما في خطة صفقة القرن كأحياء ستنتقل إلى السلطة الفلسطينية، لا يزالان موجودين ضمن حدود السيادة الإسرائيلية. لكن في هذه المناطق لم تُفرض أي تدابير تتعلق بالكورونا: لا توجد فحوصات للكشف عن المرض لدى السكان؛ ولا تقارير عن سكان مرضى، ولا يوجد فرض للإغلاق كما هو معمول به في الأحياء اليهودية. أيضاً في الحالات القليلة التي يعبّر فيها السكان عن استعدادهم للدخول في حجر منزلي تخوفاً من الكورونا، ليس هناك إمكانات حقيقية للقيام بذلك بسبب الكثافة السكانية العالية، في الأساس، في مخيم شعفاط للّاجئين.
- يذّكر هذا الوضع كثيراً بالواقع الموجود في جزء من أحياء الحريديم في القدس وفي بني براك: عدد كبير من الناس يعيشون في منازل صغيرة قليلة الغرف. إلى ذلك، يجب أن نضيف الاستعداد الضئيل منذ البداية لدى السكان لإجراء فحوصات، خوفاً من أن تأتي النتيجة إيجابية، ويجري إبعادهم عن عائلاتهم.
- السلطة الفلسطينية التي كانت في الأيام العادية بالتأكيد ستستغل الفراغ السلطوي الإسرائيلي لمحاولة إظهار مشاهد سيادة وسلطة على هذه الأحياء، لم تسارع إلى القيام بذلك هذه المرة. علاوة على ذلك، وُزعت بيانات من حركة "فتح" على وسائل التواصل الاجتماعي أوضحت للسكان بأن الأيام ليست عادية، ولا مفر أيضاً من القيام بتصرف يتعارض مع المصلحة الوطنية. على هذه الخلفية، يمكن أن نفهم السلوك الاستثنائي للسلطة الفلسطينية وحركة "فتح". فقد طلبتا من إسرائيل زيادة رصد ومعالجة فيروس الكورونا في الأحياء الموجودة غربي الجدار، والواقعة تحت السيادة الإسرائيلية، وحتى وضع حواجز لمنع انتقال السكان هناك إلى تخوم السلطة الفلسطينية. وطلبت السلطة من إسرائيل منع سكان الأحياء العربية في القدس من عبور الجدار والذهاب للعمل في المستوطنات، خوفاً من إصابتهم هناك بالفيروس.
- إسرائيل من جهتها، تفرض قيوداً، وتدرس المنع الكامل لانتقال السكان من الأحياء الواقعة غربي الجدار إلى القدس الشرقية التي تقع داخله، وإلى الأحياء اليهودية في العاصمة. هناك أيضاً تخوف من تفشٍّ كثيف. وهكذا يجد 140 ألفاً من سكان القدس الكبرى أنفسهم من دون عنوان في موضوع الكورونا، بينما هم محاصرون من الغرب والشرق في داخل جيْب لا يريد أحد التعامل معه. هذا الواقع ولّد ظاهرتين: الأولى، تنظيم محلي للجان من عناصر "فتح" تحاول إبقاء السكان في منازلهم، والحد من وجود الجمهور في الأماكن العامة وتقليصه، بما في ذلك إغلاق المحلات.
- الظاهرة الثانية تذكّر بما حدث قبل 15 عاماً، عندما بنت إسرائيل جدار الفصل. حينها غادر عشرات الآلاف من سكان القدس الشرقية الأحياء الواقعة خارج الجدار، وانتقلوا إلى القدس الواقعة داخل الجدار، تخوفاً من أن يخسروا حقوقهم، بصفتهم يحملون بطاقات إقامة في إسرائيل.
- اليوم، يغادر آلاف السكان الأحياء الواقعة غربي الجدار مع أولادهم إلى الأحياء في القدس الشرقية داخل الجدار، للسكن لدى أهاليهم المتقدمين في السن. بذلك هم يعرّضون للخطر أهاليهم الذين يشكلون المجموعة الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، كما هو معروف.
- مركز اهتمام آخر في القدس الشرقية تشكله الأماكن المقدسة لدى الديانات الثلاث. فبينما سُمح بالصلاة فقط لمجموعة قليلة من المصلين في الحائط الغربي وكنيسة القيامة، اضطرت إسرائيل فيما يتعلق بحرم المسجد الأقصى إلى استخدام وسائل متعددة، بينها وسائل دبلوماسية، كي تفرض على الوقف الإسلامي وجمهور المسلمين إغلاق المساجد في الحرم.
- هذه المرة أيضاً، كان السلوك الأولي للوقف هو التحدي. عندما بدأت الشرطة بإغلاق بوابات الحرم، أعاد عناصر الوقف فتحها من جديد. وعندما أغلقت بوابات الأقصى، تدفق المسلمون إلى المسجد الجديد الذي هيّأوه داخل بوابة الرحمة. عندها لجأت إسرائيل إلى شريكها الصامت في إدارة الحرم، الأردن.
- في نهاية سلسلة محادثات مع المملكة، ومع وزارة الأماكن المقدسة الأردنية، برز توجه العمل. اشترط الأردنيون استعدادهم للعمل بأن تمنع إسرائيل، في المقابل، زيارات اليهود إلى الحرم. وأوضح الأردنيون أنه بذلك، سيكون من الأسهل عليهم إقناع الجمهور في القدس الشرقية بالاستجابة إلى تعليمات الوقف. وقد وافق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على الاتفاق. وجرى إغلاق الحرم أمام المسلمين واليهود، على حد سواء. وباستثناء مجموعة ضئيلة جداً من عمال الوقف الذين يقيمون الصلاة يومياً، ليس هناك مَن يدخل إلى الحرم أو يخرج منه.