جهود إيران من أجل الدفع قدماً بمصالحها في ظل وباء الكورونا
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- يواصل وباء الكورونا المس بالجمهور الإيراني بقوة، بمن فيه مسؤولون كبار في النظام، ويضع إيران في المرتبة الثانية في العالم بعد الصين في عدد المصابين والوفيات. مصدر في منظمة الصحة العالمية قدّر أن الأرقام الحقيقية لضحايا الوباء في إيران هي أعلى بخمس مرات من تلك التي نشرها النظام. إذا كان هذا التقدير صحيحاً، فإن إيران تتقدم حتى على الصين وتحتل المرتبة الأولى بين الدول المصابة بالعدوى.
- في هذه المرحلة، يبدو أن النظام لا ينجح أيضاً في فرض إغلاق المناطق الكثيرة الإصابات، ولا ينوي قط الوصول إلى إغلاق كامل. وذلك يعود، من بين أمور أُخرى، إلى أسباب اقتصادية، وأيضاً على خلفية معارضة رجال الدين وأجزاء من الجمهور غير المستعد للتعاون مع خطوات متطرفة جداً.
- في الوقت عينه، بدأ النظام بحملة واسعة، الغرض منها إجبار الولايات المتحدة على رفع العقوبات المفروضة على إيران. طلبت طهران من صندوق النقد الدولي قرض طوارئ بقيمة 5 مليارات دولار لمساعدتها على مواجهة أزمة الكورونا؛ الرئيس حسن روحاني بعث برسائل إلى رؤساء دول أشار فيها إلى "وحشية العقوبات الأميركية" التي تؤذي قدرة بلاده على مواجهة الوباء بنجاعة، بحسب كلامه؛ وزير الخارجية محمد جواد ظريف انتقد بشدة الجهاز الذي استخدمته سويسرا من أجل إيران لشراء غذاء ودواء، بموافقة الولايات المتحدة وبالتنسيق معها، وادّعى أنه غير فعال؛ سفارة إيران في لندن توجهت إلى الحكومة البريطانية بطلب رفع العقوبات، من خلال توضيح خطورتها على وضع الجهاز الطبي الإيراني. نقطة بارزة في العملية الدبلوماسية كانت رسالة مفتوحة مؤثرة ومحترمة من الرئيس روحاني إلى الشعب الأميركي. الرسالة التي بُعثت في 2 آذار/مارس بمناسبة عيد النيروز (رأس السنة الإيرانية)، تطرقت إلى عدم وجود حدود في وجه انتشار المرض، وإلى الحاجة إلى التشارك في محاربته، والصمود القوي لإيران في الحروب. وكانت ذروة الخطاب توجهه مباشرة إلى الجمهور الأميركي لممارسة الضغط على ممثليه في الكونغرس، وعلى الإدارة الأميركية نفسها، لرفع العقوبات.
- حظيت الحملة الدبلوماسية الإيرانية بأصداء في الساحة الدولية. وزارة الخارجية الصينية دعت الولايات المتحدة إلى رفع كل العقوبات المفروضة على إيران. وزيرا خارجية بريطانيا وإيران بحثا عدة موضوعات، بينها الاتفاق النووي والعقوبات، وأوضحت لندن أن في الإمكان البحث في تخفيف جزء منها. وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو رد على الاتهامات الإيرانية كما وردت في الرسالة المفتوحة، وأوضح عدم وجود أي عقوبات على مساعدة إنسانية تصل إلى إيران بحريّة، وذكّر أن النظام الإيراني رفض اقتراح طرحته واشنطن بتقديم مساعدة له من خلال منظمة الصحة العالمية. لكن الإدارة الأميركية أوضحت أنها لا تنوي التراجع عن سياسة "أقصى الضغوط"، وأعلنت مجموعة عقوبات جديدة ضد شركات وأشخاص متورطين في نقل تكنولوجيا لها علاقة بالنووي والتجارة في مجال البتروكيميائيات. تجدر الإشارة إلى أنه تُسمع في واشنطن في هذه الأيام دعوات متعارضة للإدارة الأميركية، بين مَن يرون أن المطلوب تخفيف العقوبات، وبين الذين يعتقدون أنه يجب عدم تغيير السياسة، وأن الاستمرار فيها سيجبر إيران على تغيير سياستها والعودة إلى طاولة المفاوضات.
- على خلفية قرار النظام الإيراني إطلاق سراح نحو 85 ألف سجين من السجون بسبب فيروس الكورونا (نحو 10 آلاف نالوا العفو العام)، وجّه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى النظام الإيراني دعوة إلى إطلاق سراح معتقلين يحملون جنسية مزدوجة، إيرانية وأميركية أو غيرها، لدواعٍ إنسانية. ويبدو أن الموضوع تستمر مناقشته من خلال القناة السويسرية التي تصل بين إيران والولايات المتحدة، والتي جرت من خلالها عملية تبادل أسرى بين طهران وواشنطن في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وطلب بومبيو من كل دولة تقدم مساعدة لإيران لمواجهة الفيروس أن تشرطها بإطلاق سراح المعتقلين من أصحاب الجنسيات المزدوجة. في هذا السياق، جدير بالذكر عدد من الوقائع، يمكن تفسيره كبوادر حسن نية باتجاه مطلب بومبيو: إطلاق سراح صحافية من رويترز تحمل الجنسية الإيرانية والبريطانية قبل أسبوعين، خوفاً من فيروس الكورونا، كما أُطلق سراح مواطن لبناني يحمل الجنسية الأميركية كان قائداً في جيش لبنان الجنوبي، اعتُقل في لبنان قبل نصف عام، وأُعيد إلى الولايات المتحدة - خطوة ذكرها الرئيس ترامب نفسه في مؤتمر صحافي؛ مواطن أميركي آخر اعتُقل قبل عامين في إيران وحُكم عليه بالسجن مدة 13 عاماً، أُطلق سراحه بشرط أن يبقى في إيران، وهو موجود في السفارة السويسرية. أيضاً فرنسا وإيران تبادلا معتقلين بينهما. هذه الخطوات يمكن أن تفسَّر كبادرات حسن نيّة إيرانية تجاه الدول الأوروبية، وأيضاً إلى الولايات المتحدة، ضمن إطار الحوار في القناة السويسرية. لكن ثمة شك في أن يكون في مقدورها تعبيد الطريق أمام حوار أكثر اتساعاً، في ضوء العقوبات الأميركية الجديدة والكلام الواضح للإدارة الأميركية بأنها لا تنوي تخفيف العقوبات.
- في هذه الأثناء، يبرز تفاقم حدة التوترات العسكرية في العراق بين الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والقوات الأميركية على الأرض. على الرغم من الرد على مقتل جنديين أميركيين وجندي بريطاني بالهجوم على قاعدة ميليشيات شيعية تابعة لكتائب حزب الله، بواسطة طائرات حربية أميركية (13 آذار/مارس)، يتواصل إطلاق قذائف على منطقة السفارة الأميركية في بغداد. كل ذلك، بالإضافة إلى تصريحات روحاني بأنه سيكون هناك استمرار للانتقام لاغتيال قاسم سليماني، يعزز التقديرات أن عمليات الميليشيات منسقة مع النظام في طهران.
- الاتفاق الذي وقّعته الولايات المتحدة مع طالبان، والذي سيؤدي إلى تخفيض تدريجي، وصولاً إلى مغادرة كاملة للقوات الأميركية الموجودة في أفغانستان، يشجع طهران على التفكير في أن الرئيس ترامب ينوي فعلاً تحقيق وعده الانتخابي بتقليص الوجود العسكري [الأميركي] في الشرق الأوسط. هذا التقدير يشجع استمرار استخدام الضغوطات على الوجود الأميركي في العراق، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تعزيز رغبة الرئيس ترامب من حيث المبدأ في الخروج من العراق. وفعلاً أعلنت الولايات المتحدة أنها تنفذ تغييراً في انتشار قواتها في العراق. في مركز التغيير - إخلاء ثلاث قواعد صغيرة وتجميع القوات في قواعد كبيرة يمكن الدفاع عنها بواسطة منظومات دفاع جوية بعيدة وقصيرة المدى. في 19 آذار/مارس، سلّم الأميركيون الجيش العراقي قاعدة القائم، وأعلن الناطق العسكري أن "هذه المرحلة هي الأولى لعملية خروج القوات الأميركية".
- مع أن هذه الخطوات تشجع النظام في طهران والميليشيات الشيعية على العمل من أجل تسريع الخروج الأميركي من العراق، فإنه يجب الأخذ في الحسبان أن استمرار المس المباشر بجنود ومدنيين أميركيين، سيجبر ترامب على الرد (بعد أن كانت إنجازاته الاقتصادية حتى تفشي الفيروس هي ورقته المركزية في حملته الانتخابية الرئاسية). وزير الخارجية الأميركية قال إن بلاده تعتبر إيران مسؤولة عن الهجمات، وكما جاء في تقارير وسائل الإعلام أنه تقرر في النقاشات بشأن أسلوب الرد عدم التحرك ضد إيران نفسها بسبب الخوف من الصورة السلبية التي ستنشأ في ضوء الأزمة الصحية والاقتصادية الحالية.
- على الصعيد النووي، تقف إيران أمام تحدّ مهم في أعقاب نشر التقرير الخاص للوكالة الدولية للرقابة على السلاح النووي، الذي أوضح أن إيران لا ترد على أسئلة وُجهت إليها، وتمنع الدخول إلى منشأتين من ثلاث منشآت يُشتبه باحتوائها على مواد نووية غير مصرح عنها. هذا الادعاء للوكالة معناه انتهاك إيران لتعهداتها في إطار وثيقة منع انتشار السلاح النووي. إيران من جهتها، أوضحت أنها لن تسمح بأي رقابة، وأنها ليست ملزمة بذلك، لأن ما قيل اتهامات واهية تعتمد على "أكاذيب" - المقصود معلومات قدمتها إسرائيل من الأرشيف النووي الإيراني. بناء على ذلك، قد تجد إيران نفسها في مواجهة سيناريو أن تطلب الولايات المتحدة طرح الموضوع على مجلس الأمن، وربما أيضاً تجديد كل العقوبات - عقوبات مجلس الأمن أيضاَ. مع ذلك، في هذه المرحلة، يبدو أن إيران والولايات المتحدة تمتنعان معاً من اتخاذ خطوات أكثر تشدداً.
- في الخلاصة، السلوك الإيراني في الأسابيع الأخيرة دمج بين محاولة استغلال تفشي فيروس الكورونا في أراضيه للضغط على الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات، وعلى الأقل، لضمان عدم انضمام الدول الأوروبية إليها، وبين ضرب القوات الأميركية في العراق. وذلك اعتماداً على التقدير أن الرئيس ترامب نفسه مشغول بمشكلات الكورونا في بلاده، بالإضافة إلى أنه سيتردد في ضرب إيران في وضعها الحالي الحساس بسبب تفشي المرض فيها. لكن إذا جرى خرق التوازن الهش، بين استمرار الضغط على الأميركيين في العراق وبين حاجة ترامب إلى الالتزام بكلمته بشأن الرد، في حال وقوع إصابات أميركية في الأرواح، يمكن أن يؤدي ذلك إلى رد أميركي أكثر شدة.
- إيران موجودة اليوم في إحدى لحظات الحضيض الأكثر خطورة بالنسبة إليها. حجم وباء الكورونا، بالإضافة إلى الانعكاسات الاقتصادية الخطيرة للعقوبات، التي فاقمها الفيروس، والانخفاض الدراماتيكي في أسعار النفط، كل ذلك يضع النظام في مواجهة أحد أخطر التحديات التي عرفها. صحيح أن الوباء هو نوع من "درع" للنظام في وجه غضب الجمهور الذي لا يستطيع الخروج للتظاهر، لكن النظام يفهم أيضاً أنه وصل إلى حائط مسدود في ضوء الظروف والوسائل الضئيلة التي يملكها. والسؤال المطروح: هل نقطة الحضيض الحالية يمكن أن تعيد إيران إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي يرغب فيها الرئيس ترامب بشدة، وهو بالتأكيد يشغل أيضاً القيادة الإيرانية؟ في النقطة الزمنية الحالية، يبدو أن موقف المرشد الأعلى علي خامنئي بعدم الذهاب إلى المفاوضات من نقطة ضعف، قد تعزز. في جميع الأحوال، من الصعب رؤية تجدُّد المفاوضات الأميركية - الإيرانية من دون بادرة حسن نيّة حقيقية من جانب واشنطن حيال طهران.