فيروس الكورونا تأثيرات في العلاقات الاقتصادية مع الصين
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • لا يمكن التقليل من دور الصين في الاقتصاد العالمي ومن مساهمتها فيه، منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) في كانون الأول/ديسمبر 2001. حالياً، يشكل الناتج المحلي للصين الذي يفوق 14.1 تريليون دولار، قرابة خمس الناتج العالمي. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، انخفض النمو في الصين في سنة 2019 إلى 6.1%، لكن حصتها في الاقتصاد العالمي ازدادت. التأثير المتزايد للصين في الاقتصاد العالمي شمل إسرائيل أيضاً، وهو ينبع، من بين أمور أُخرى، من سياسة إسرائيلية تتوجه نحو توثيق العلاقات الاقتصادية مع آسيا عموماً، ومع الصين خصوصاً. زيارة رئيس الحكومة نتنياهو إلى بيجين في آذار/مارس 2017، برفقة عشرات رجال الأعمال الإسرائيليين، هدفت إلى تعميق العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، بينما في الخلفية، هناك اهتمام الصين المتزايد بالابتكارات والتكنولوجيا، ورغبة إسرائيل في زيادة التصدير إليها. خلال الزيارة، جرى توقيع عشرات الاتفاقات الاقتصادية في مختلف المجالات قيمتها مليارات الدولارات، بينها المعدات الطبية والهاي تك. بالإضافة إلى ذلك، اتُفق على تسريع العمل لإقامة منطقة تجارية حرة بين الدولتين، واستقدام 20 ألف عامل بناء صيني إلى إسرائيل.
  • الميزان التجاري بين إسرائيل والصين يعكس جيداً الصلة الوثيقة بينهما. في سنة 2009 بلغ التصدير الإسرائيلي إلى الصين نحو مليار دولار فقط، والاستيراد 4.6 مليار دولار. في سنة 2018 ارتفع تصدير البضائع إلى الصين (من دون الألماس) ليصل إلى 4.7 مليار دولار (9.8% من مجموع تصدير البضائع من إسرائيل)، وبلغ استيراد البضائع من الصين 11 مليار دولار (14.9% من مجموع الاستيراد).
  • أدى انتشار فيروس الكورونا إلى توقف موقت شامل لمعظم العمليات التجارية للصين. معامل توقفت عن العمل، مرافىء أُغلقت، مواصلات توقفت، وتوقفت سلاسل التزويد [بالبضائع]. أي عملية غير ملحة جرى تأجيلها، ومن ضمنها أيضاً زيارات وفود تجارية، مفاوضات، عمليات شراء واستثمارات. عمال صينيون عادوا إلى وطنهم خلال عطلة رأس السنة الصينية، لم يُسمح لهم بالعودة إلى أعمالهم بسبب القيود التي فرضتها الصين أو الدول التي عملوا فيها.
  • بحسب تقديرات جديدة لسنة 2020، النمو العالمي سيكون أقل من التقديرات السابقة، وسيكون أقل بـ0.3% من النمو المتوقع أن يبلغ نحو 3%. في هذا الإطار، الضرر الأكبر المتوقع في الشرق الأوسط هو في مجال النفط الذي من المتوقع أن يتضرر فوراً نتيجة الضرر المباشر الذي لحق بقطاع الطيران، وتدني الطلب على النفط من الصين. فالصين هي أكبر الدول المستوردة للنفط الخام في العالم، ونحو نصف استيرادها يأتي من الشرق الأوسط. في منتصف شباط/فبراير، خفّض كارتيل النفط أوبك نسبة الطلب على النفط في سنة 2020، من ربع مليون برميل في اليوم إلى 99 مليون برميل. وذلك خوفاً من التباطؤ جرّاء انتشار الفيروس. في المقابل، سيقلص حدوث انخفاضات إضافية على الطلب، والمزيد من الانخفاض في الأسعار، مداخيل الدول المنتجة للنفط، مثل الدول الأعضاء في منظمة أوبك، وأيضاً روسيا. في السعودية، والصين هي أكبر مستوردة لنفطها، وفي دول أوبك، تجري دراسة تخفيض الحصص لمواجهة الانخفاض في الأسعار. استمرار الأزمة يمكن أن يضر جداً بإيران، حيث يعتمد 30% من مجموع التصدير الإيراني الباقي في أغلبيته، بعد فرض العقوبات، على النفط المخصص للصين.
  • بخلاف الضرر الاقتصادي المتوقع أن يصيب جيرانها، لإسرائيل، كما يبدو، أسباب أقل للقلق. وباستثناء تأثيرات ثانوية نتيجة الضرر الذي لحق بالاقتصاد العالمي، والتي يمكن أن تظهر في سوق المال الإسرائيلية، فإن العلاقات المباشرة لإسرائيل مع الصين تتركز على التجارة وإقامة بنى تحتية، واستثمارات، وعلى عمال صينيين في مجالي البناء والسياحة. من غير المتوقع أن يتأثر الاستيراد من الصين في المديين القصير والمتوسط، وليس متوقعاً حدوث نقص في البضائع المستوردة من الصين، لأن المتاجر في إسرائيل تحتفظ بمخزون من المنتوجات يكفي شهرين. مع انتهاء تمديد عطلة رأس السنة الصينية، عادت مصانع صينية إلى العمل، بالتدريج، وتدل تجربة الماضي على أن هذه المصانع ستتمكن من سد الفجوات بالعمل المكثف.
  • من المفروض أيضاً ألّا يتضرر التصدير إلى الصين كثيراً. نصف مجموع البضائع التي تصدّرها إسرائيل إلى الصين هي معدات إلكترونية (2 مليار دولار في سنة 2018) معظمها من إنتاج شركة إنتل. بالاستناد إلى معهد التصدير الإسرائيلي، المعدات التي تُنتج في البلد تُرسل إلى الصين للفحص، وتركَّب في منتجات مختلفة، لكن لهذه المؤسسة الدولية مصانع كثيرة في أنحاء آسيا والعالم، يمكن أن تُستخدم مكان المصانع الصينية.
  • في مجاليْ البنى التحتية والاستثمارات التي تنشط فيها شركات صينية في إسرائيل، العمل موزع على أشهر طويلة وحتى سنوات. في ضوء ذلك، من المعقول أنه مع انتهاء الأزمة، العمل على المشاريع التي بدأ العمل فيها سينهي التأخير؛ المفاوضات التي كانت جارية ستتواصل من النقطة التي توقفت عندها؛ مستثمرون سيسدون الفجوات، وربما أكثر من ذلك. أيضاً في فرع البناء، الوضع ليس خطيراً بصورة خاصة. صحيح أنه لا يجري استقدام عمال جدد من الصين كما هو مخطط له، لكن في المقابل، هؤلاء الموجودون حالياً في إسرائيل يواصلون العمل ولا يغادرون. إذا استمرت الأزمة، من المحتمل أن تضطر حكومة إسرائيل إلى تلبية مطالب "اتحاد البناء في البلد" والمساعدة في استقدام عمال من أوروبا الشرقية ومن السلطة الفلسطينية، للحؤول دون نشوب أزمة في القطاع الذي يعاني نقصاً في العاملين من دون تأثير الفيروس.
  • مجال السياحة هو الأكثر تضرراً نتيجة الفيروس. السياحة القادمة من الصين كانت في ارتفاع دائم، وفي مقارنة بين سنة 2018 وسنة 2019، استفادت إسرائيل من نمو يقدر بـ37% في السياحة من الصين. لكن يجب أن نفحص هذا المعطى في سياقه: 160 ألف سائح صيني جاؤوا إلى إسرائيل في السنة الأخيرة يشكلون حصة صغيرة فقط (3.4%) من السياحة في إسرائيل. صحيح أن السائح الصيني يميل إلى أن يصرف مالاً أكثر من المتوسط في يوم عطلته في إسرائيل، 230 دولاراً في اليوم، مقارنة بـ150 دولاراً فقط ينفقها زوار أجانب آخرين، لكن الهلع من فيروس كورونا دفع إسرائيليين عديدين إلى إلغاء قضاء عطلهم في الشرق وتمضيتها في إسرائيل، وهذا رد يشكل تعويضاً معيناً على خسارة السياحة من الصين.
  • ختاماً، كل دولة هي جزء من الاقتصاد العالمي لن تكون محصنة في مواجهة أزمة تستمر لأشهر كثيرة وتشل مناطق اقتصادية واسعة في شتى أنحاء العالم، كما يجري في منطقة حوبي. التداعيات المميزة لأزمة مالية واسعة، من المتوقع أن تظهر أيضاً كنتيجة لأزمة يسببها وباء واسع النطاق يسجل خلاله الاقتصاد العالمي تباطؤاً حاداً، وهذا سيضر أيضاً بإسرائيل. لكن يمكن القول، بخلاف حالة الذعر الإعلامية في إسرائيل، من دون استمرار دراماتيكي لأزمة الكورونا، أو انتشار واسع للوباء في إسرائيل نفسها، فإن الضرر المتوقع محدود الحجم وهو مرتبط بحجم ضرر الاقتصاد العالمي.
  • عملياً، يمكن أن تجد شركات إسرائيلية فرصاً جديدة للدفع قدماً بأعمالها مع الصين. مثلاً شركات تعمل في تطوير منتوجات في قطاع الصحة والخدمات الإلكترونية [On Line] ستجد آذاناً صينية صاغية للتعاون. حالياً، يشكل تصدير المعدات الطبية إلى الصين حصة صغيرة (6%) من مجمل التصدير إليها. يتعين على إسرائيل استغلال الاندفاعة الإيجابية في هذا المجال لزيادة الإنتاج فيه.
  • علاوة على ذلك، الأزمة الصحية يمكن أن تزود إسرائيل بفرصة لتوثيق علاقاتها مع الصين أيضاً في مجالات لا تتعلق مباشرة بالصحة، وتوجيه التعاون التكنولوجي إلى مجالات لا تتعارض مع المطالب الأميركية في هذا الموضوع. من أجل تحقيق هذا الهدف، على إسرائيل العمل بحساسية ومسؤولية، من خلال إظهار تعاطف وتعاون ودّيين في وقت الأزمة، واقتراح تأييد ومساعدة حتى لو كانت رمزية.
 

المزيد ضمن العدد 3267