صفقة القرن إلى أين ستؤدي؟ الجزء الأول
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

  • "صفقة القرن" التي بلورتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تقدَّم كنموذج جديد لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وأيضاً لصوغ هندسة شرق أوسطية جديدة، على أساس ائتلاف عربي – أميركي - إسرائيلي. الخطة تمنح دلالات مغايرة لمبادىء رافقت المفاوضات بشأن تسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وهي عملياً تفرّغها من مضمونها. في إطارها، بين أمور أُخرى، جرى رفض المطالبة الفلسطينية بـ"كل شيء أو لا شيء" - وخصوصاً "حق الفيتو الفلسطيني"، على أي تسوية لا تقدم رداً كاملاً على تطلعاتهم، أو لا تلتزم بخط الرابع من حزيران/يونيو 1967. ومع ذلك، فإن فرص تحقيق خطة ترامب ضئيلة جداً وتوازي الصفر.
  • على صعيد التصريحات، الخطة ترسم رؤية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، من خلال احترام التطلعات الوطنية الفلسطينية. وهي تشدد في الوقت عينه على عدم المسّ بأمن إسرائيل، ومنع تحويل الضفة الغربية إلى نوع من قطاع غزة ثان. لكن توجد فجوة كبيرة بين الرؤية وطريقة تحقيقها كما هو مفصل في الخطة. شروط الاعتراف بدولة فلسطينية تفرض اعترافاً فلسطينياً بالدولة اليهودية، أي: تسوية متفق عليها لدولتين قوميتين - إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وفلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني، انطلاقاً من إلغاء "حق العودة" للاجئي 1948 إلى دولة إسرائيل. مطالب أساسية أُخرى، هي تأسيس حكم فلسطيني سليم، ديمقراطي، يحترم حقوق الإنسان - بمعايير عالية لا يوجد مثلها في أي دولة عربية؛ قبول مطالب إسرائيل الأمنية؛ نزع سلاح حركة "حماس" وسائر التنظيمات الإرهابية؛ استعادة السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة الذي سيكون منزوعاً من قدراته العسكرية؛ وقف التحريض الفلسطيني ضد إسرائيل في المنظومة السياسية، والعامة، والتعليمية. من الواضح أن هذه الشروط كلها من الصعب جداً على الجانب الفلسطيني تحقيقها.

الترجمة العملية لمبادىء التسوية بحسب الخطة:

  • حل الدولتين - خلافاً لتصريحات سابقة صادرة عن الذين صاغوا الخطة، جاريد كوشنير وجايمس غرينبلات، والتي لوحظ فيها تجنبهما تقديم حل الدولتين، تتضمن الخطة إقامة دولة فلسطينية مع سيادة محدودة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى جيبين في النقب الغربي.
  • الأخذ في الحسبان الواقع الذي نشأ على الأرض في العقود الخمسة الأخيرة - كتل المستوطنات الواقعة غربي خطوط العائق الأمني الموجود [جدار الفصل]، والتي يسكنها نحو 345 ألف مستوطن ستُضم إلى إسرائيل. لن تُقتلع أو تُخلى مستوطنات تقع شرقي العائق يقيم فيها نحو 100 ألف مستوطن (بينها 15 جيباً معزولاً يسكنها نحو 14 ألف نسمة). يُطبّق القانون الإسرائيلي كاملاً على كافة هذه المستوطنات. في الأراضي الإسرائيلية، ستبقى جيوب فلسطينية يسكنها نحو 140 ألف فلسطيني، سيتعين عليهم التحرك إلى أرجاء الضفة الغربية عبر أراضي إسرائيل.
  • أراضي الدولة الفلسطينية - بالإضافة إلى منطقتيْ أ وب، الواقعتين تحت حكم السلطة الفلسطينية، وقطاع غزة تحت حكم "حماس"، سيخصَّص للدولة الفلسطينية نحو نصف أراضي المنطقة ج (30% إضافية من الضفة الغربية، تشمل: 17% - من غور الأردن؛ 3% - أراضي مستوطنات؛ و10% - كتل المستوطنات وطرق التنقل تنضم إسرائيل)، وكذلك مناطق واقعة حالياً تحت السيادة الإسرائيلية: منطقتان في النقب ستوسعان من مساحة قطاع غزة (تفسير ذلك هو في الأساس إنساني: تقليص الكثافة السكانية في القطاع) وجنوب جبل الخليل. علاوة على ذلك، سيكون من حق إسرائيل تقرير انتقال مناطق آهلة تابعة لسيادتها - مثل قرى وبلدات المثلث التي يسكنها نحو 250 ألف عربي في إسرائيل، هم من مواطني الدولة. بالإضافة إلى ذلك، إقامة تواصل في المواصلات - طرق، تقاطعات وأنفاق- تربط بين المناطق الفلسطينية، وأيضاً بين المناطق الإسرائيلية، للسماح بحرية تنقّل أشخاص وبضائع وحياة اقتصادية.
  • تبادل مناطق بنسبة 1: 2 لمصلحة إسرائيل - في مقابل 30% من أراضي الضفة التي ستضمها إسرائيل، ستنقل إسرائيل إلى السيطرة الفلسطينية مناطق من داخل إسرائيل (القرار بهذا الشأن يتطلب إجراء استفتاء عام وتأييد 80 عضو كنيست). بحجم يساوي نحو 15% من الضفة.
  • سيطرة إسرائيل على محاور استراتيجية - الطريق رقم 1، من القدس إلى شمال البحر الميت؛ الطريق الذي يمر عبر منطقة السامرة خارج شومرون من أريئيل إلى غور الأردن؛ الطريق رقم 90 على طول غور الأردن؛ محور 80 على طول الهضاب المشرفة على غور الأردن؛ الطريق رقم 443 من موديعين إلى القدس.
  • عاصمتان في منطقة القدس - العاصمة الفلسطينية (القدس أو اسم آخر يختارونه)، ستتضمن الأحياء الواقعة خارج العائق الأمني. ومعنى ذلك استبعاد مطلق للدولة الفلسطينية من القدس الشرقية، وفي الأساس من المدينة القديمة، ومن الحرم الشريف (الأقصى) وحي الشيخ جراح.
  • المحافظة على الستاتيكو في الأماكن المقدسة في القدس - تأمين حرية الوصول والعبادة لكل الأديان. تُعطى إسرائيل السيطرة الحصرية على القدس. (استحقت إسرائيل الثناء، لأنها أثبتت طوال سنوات أنها حافظت على الأماكن المقدسة وأمّنت حرية العبادة في مواقع متعددة).
  • مسؤولية أمنية أكبر لإسرائيل في الجو والبحر والبر، وفي كل المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن - ضمن ذلك سيكون غور الأردن هو الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل وخاضع لسيادتها (استناداً إلى السيادة وليس فقط على ترتيبات أمنية) والمغزى هو سيطرة إسرائيلية على الغلاف الخارجي للدولة الفلسطينية العتيدة والإحاطة بها.
  • حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين - "حق العودة" يُطبَّق في داخل فلسطين، أو على أساس توطينهم في أماكن سكنهم أو في دولة ثالثة، من دون ممارسة حق العودة  إلى إسرائيل. عدد اللاجئين الذين سيُسمح لهم بالسكن في فلسطين سيُحدَّد باتفاق مع إسرائيل. سيجري وضع آلية للتعويض على اللاجئين، لكن لن يُطلب من إسرائيل التعويض عليهم، لأنها وظفت أموالاً في استيعاب وتوطين اللاجئين اليهود الذين غادروا من دول عربية، بعد قيام دولة إسرائيل.
  • دلالات الخريطة - دولة فلسطينية غير متواصلة جغرافياً، مقسمة إلى ستة كانتونات محاطة تماماً بإسرائيل؛ سيطرة إسرائيلية على كل المحاور التي تربط بين المناطق الفلسطينية؛ سيطرة إسرائيلية أمنية وسيادية على الغلاف، بما في ذلك المعابر الخارجية (معبر أللنبي على نهر الأردن، ومعبر رفح مع مصر). تمتد حدود دولية بين إسرائيل وفلسطين بطول 1400 كيلومتر (تقريباً ضعف طول العائق القائم حالياً الذي سينقل بحسب الخطة إلى المخطط الجديد). المغزى الحقيقي لهذا المخطط بالنسبة إلى الفلسطينيين هو تقريباً اتفاق استسلام.
  • قضية القدس، موضوع الأمن والبعد الاقتصادي للخطة - يتطلب معالجة خاصة إضافية من أجل توضيح العقبات المتوقعة عند التطبيق.
  • قضية القدس - بحسب الخطة، قلب المدينة سيبقى موحداً، وبذلك تبقى الأحياء الواقعة داخل خطوط العائق الأمني، وبينها المدينة القديمة، جبل الهيكل[الحرم القدسي الشريف]، وجبل الزيتون ومدينة داود، ضمن عاصمة إسرائيل. العاصمة الفلسطينية ستتضمن أبو ديس الواقعة خارج العائق الأمني.
  • تشدد الخطة على أهمية القدس بالنسبة إلى الأديان الثلاثة، وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة وحرية العبادة، وتتعهد إسرائيل بالمحافظة على الستاتيكو القائم في المدينة. الحرم سيبقى مفتوحاً للصلاة لكل الأديان (وأيضاً لليهود، وعملياً ما يجري هنا هو تغيير الستاتيكو). مع ذلك، يُلاحظ في الخطة تجاهُل واضح للمكانة الخاصة للأردن في الأماكن المقدسة (Holy Custodian). ووفق الخطة، سيجري إقصاء السلطة الفلسطينية بالكامل عن القدس، كما لا يوجد فيها أي ذكر لمؤسسات ومواقع فلسطينية في المدينة.
  • سكان القدس الشرقية الفلسطينيون الذين سيبقون في داخل حدود إسرائيل- نحو 300 ألف شخص، يستطيعون الاختيار بين 3 خيارات: 1- إقامة إسرائيلية من دون مواطنة؛ 2- مواطنة فلسطينية؛ 3- مواطنة إسرائيلية. من المعقول أن الفلسطينيين حمَلة البطاقات الزرقاء (سكان إسرائيل) الذين يعيشون في الأحياء الواقعة خارج العائق الأمني المخصصة للعاصمة الفلسطينية، وبينها كفر عقب ومخيم اللاجئين شعفاط، سينقلون أماكن سكنهم إلى داخل القدس، لتحقيق أحد هذه الخيارات.
  • قضية الأمن - تلبي الخطة معظم المطالب الأمنية الإسرائيلية، المقدمة كشروط للتسوية، وتأخذ في الحسبان دروس الانفصال عن قطاع غزة. وذلك لمنع نشوء واقع أمني في الضفة الغربية مثل الذي يميز القطاع. وفعلاً، تلبي هذه الترتيبات الأمنية مطالب إسرائيل كما طُرحت في جولات مفاوضات سابقة، لكن من الصعب الاعتقاد أن الطرف الفلسطيني سيوافق عليها، لأنها ستحد كثيراً من سيادة الدولة الفلسطينية، وستمس بصورة كبيرة بنسيح الحياة في أراضيها. وفيما يلي المطالب الأمنية الأساسية:
  • دولة فلسطينية مجردة من قوات عسكرية، وأيضاً نزع سلاح التنظيمات الإرهابية.
  • مسؤولية أمنية إسرائيلية متزايدة: في البر- حرية العمل في كل المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن؛ في الجو- مجال جوي واحد تحت سيطرة إسرائيلية؛ في البحر- سيطرة إسرائيلية على المياه الإقليمية في قطاع غزة؛ وفي المجال الإلكترو - مغناطيسي - تخصص إسرائيل ترددات لاستخدام الدولة الفلسطينية.

ج- عمق استراتيجي: سيادة وسيطرة أمنية إسرائيلية على غور الأردن والمحاور الاستراتيجية (القدس - البحر الميت؛ الطريق العابر لمنطقة السامرة ؛ طريق الغور ومحور ألون)؛ سيطرة على المواقع الاستراتيجية (موقعان تحت سيادة إسرائيل - تل العاصور ومتسادوت يهودا، وأيضاً محطة الإنذار في جبل عيبال).

د- منطقة أمنية للدفاع عن مطار بن غوريون: سيادة إسرائيلية على المناطق المشرفة على المطار ومتابعة برية لحركة الطائرات لدى وصولها.

ه- سيطرة إسرائيلية على غلاف أمني: بحسب الخطة، ستحيط إسرائيل بكل أجزاء المناطق الفلسطينية، وستسيطر على الحدود الخارجية، وستتحمل مسؤولية أكبر في المراقبة الأمنية على المعابر الخارجية للدولة الفلسطينية (أللنبي - المعبر إلى الأردن، ورفح - المعبر إلى مصر). في الفترة الأولى لن يقام مرفأ بحري في قطاع غزة، وتتعهد إسرائيل بالسماح باستخدام فلسطيني لمرافىء إسرائيل - أشدود، وحيفا، مع صلاحيات إسرائيلية مطلقة في التدقيق الأمني.

و- ملاءمة العائق الأمني لخطوط الحدود الجديدة: في مناطق فلسطينية محاذية للحدود الجديدة، من حق إسرائيل الموافقة على مشاريع لاستخدام الأرض والبناء في الجانب الفلسطيني (Planning and Zoning)، بما يتناسب مع حاجاتها الأمنية.

ز- تعاون أمني وثيق بين إسرائيل وأجهزة الأمن في الدولة الفلسطينية:

ترفض الخطة انضمام قوات دولية في [إطار] ترتيبات الأمن بين الدولتين، بالاستناد إلى تجربة سلبية لمدى فعالية قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة.

ح- مسؤولية إسرائيلية متزايدة في تحديد معايير أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتطبيقها: وذلك قبل نقل مناطق إلى سيطرتها الأمنية.